الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحصن الأخير

6 نوفمبر 2010 20:44
لا نتحدث هنا من منطلق عقلية «المؤامرة» كعادتنا في تفسير كل هجومٍ نتعرض له، وكل تحدٍ يواجهنا، وكل كارثةٍ تحل بنا، وكل تخلف نعيشه، وكل فشل نقع فيه، وحتى كل وباء يتفشى في بلادنا! وكل خلاف عائلي وزوجي يحدث في بيوتاتنا! وإن كان ذلك لا ينفي وجود مؤامرات ومخططات حقيقية تحاك ليل نهار على الأوطان قبل الأبدان، وعلى اللغات قبل الصفات، وعلى الحجر والشجر، وعلى كل ما يرفض الأصفاد، ويعتز ولو ببقية من وطن الأجداد، وعلى كل ناطق بالضاد، إنما حديثنا هنا هو وقفة مع الذات، لنتحسس أي أرض نقف عليها، إن كان ما تحتنا أرض، أو أين نقف، من هذه التحديات الحاسوبية والمعلوماتية وغزو الفضاء والثورة التقانية الكبيرة جداً. ولنرى ما أُنجز حتى الآن في خدمة العربية بشكل عملي. ربما تكون لغتنا العربية التي نعتز بها وتحتل شغاف قلوبنا، الحصن الأخير الذي يجمعنا ويربطنا ويوحدنا بمصير مشترك، بعد تشرذمنا، بحيث أصبحنا صيداً سهلاً، آحاداً آحادا، فليس هناك من سبيل للبقاء والانطلاق إلا التحصن في هذا الحصن الأخير المنيع. مشكلتنا نحن العرب أننا نكتفي بالتغني والتمجيد، ولا نقدم شيئاً، مع أننا أشد الناس تعلقاً بلغتنا العربية المقدسة الناصعة الحية الثرية المتجددة. لغتنا تحتاج إلى جهود أبنائها للحفاظ عليها، من الأفراد والمؤسسات، ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، والمؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات، بإعادة الاعتبار لها بعد أن أصبحت غريبة بين أهلها، الذين استعذبوا غيرها، ورموا لغتهم في زوايا النسيان. والغريب أن البلاد العربية خضعت للاستعمار حقبة من الزمن، مارس فيها كل مستعمر ضغوطاً كبيرةً على أبناء هذه البلاد لفرض لغته، ولم يبلغ هدفه إلا في بلدان قليلة نتيجة لطول فترة استعمارها، ولكنه لم يجرؤ على المساس باللغة العربية لهذه البلدان، لقناعته آنذاك بأن أي محاولة للمساس بالعربية تعني المساس بالهوية، وبالدين، وبالشخصية العربية، ولم يفلح في طمس هذه اللغة لأن لدى الشخصية العربية مناعة ضد أي أجسام غريبة طفيلية «فيروسات» تحاول النيل من البنيان العربي. وتمسكت الشعوب العربية في هذه البلدان بلغتها، وقاومت المستعمر ووجد المستعمر نفسه «غريباً» منبوذاً في لغته التي لم يستطع فرضها بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، فوقف عند حدود استعماره المكاني باحتلاله الأرض التي لفظته كما لفظته شعوبها، ولم يجرؤ على اللجوء إلى هدم لغتها، لأنه يعرف أن للغة قدسيتها وهيبتها التي يحسب لها ألف حساب وحساب. وللأسف اليوم لم يعد هناك من حاجة لمستعمر تمتد يده لهدم العربية، فقد تكفل أبناؤها أنفسهم بهدمها بأيديهم وبمعاولهم التي يدفعون ثمنها من جيوبهم! ناسين أو متناسين أنهم يدمرون هويتهم وشخصيتهم ودينهم، وشرفهم وكرامتهم، وأنهم يسلخون جلدهم، ليظهروا بوجه آخر، مشوّه تماماً، وسيكتشفون، متأخراً، أنهم لا يقفون على أرض ثابتة، إنما هم على سطح جليدي سيذوب حالما تسطع شمس الحقيقة. بدوي الجبل: دعوا الجراح لوهــج النّار ســافرة فالجرح يقتـــل إنكــاراً و كتمانــا ذلّ الدّهـــــاء أكاذيـــبا مزوّقـــة فكـان أكذبنــا بالقـول أدهانــــا ثارات يعرب ظمأى في مصـارعها تجاوزتهـا ســـقاة الحـيّ نســيانا يا وحشة الثأر لم ينهــد له أحـــد فاستنجد الــثأر أجداثـاً و أكفـانا من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا أدهرنا حالَ أم حالــت ســجايانا هي الكؤوس ولكّن أين نشوتنا وهي الحروف و لكن أيــن معنانـا بالفصيح: ما حكّ جلدك مثل ظفرك. إسماعيل ديب Esmaiel.Hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©