الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الهوية والعولمة

الهوية والعولمة
15 فبراير 2008 02:38
ما الذي يُفهم من عبارة مثل هذه: ''إن القطط السوداء بجانب الضباع المرتعبة ينظرون إلى الجاموس المذعور، والذي بدوره يحقد على الكلاب المقاتلة، والبومة الدهشة تظهر في الأفق خلف الثعالب الخائفة، والديوك الرومية المغرورة تتفرس في الحرباوات البهلوانية؟''· أنها رموز مستقرة في لغة التداول الاجتماعي والسياسي في ''بوركينا فاسو''، حيث تأخذ تلك العلاقات الدلالية رمزيتها من الطوطمية -القدسية- المتعلقة بالحيوانات، وهو ما يجعل النظام الثقافي للغة مقصوراً على بيئته فقط، فمثلاً القطط السوداء والكلاب الضالة تعني الخدم المحليين للإمبريالية الفرنسية، والكلاب الجرباء هم الموظفون الفاسدون، والثعالب الخائفة؛ التجار، والديوك الرومية المغرورة كناية عن العسكريين ورجال الجمارك الذين تعوزهم الأمانة، والبومة الدهشة ترمز إلى الموظفين غير الثوريين، وهكذا يمضي القاموس الاصطلاحي هذا ليعبر عن الصيغة المحلية والمنغلقة لثقافة ما، مشيراً إلى أن الهوية بهذا المعنى تشكل إحدى أهم الأدوات التي بواسطتها يتم اختراع الاختلاف بشكل جديد عن عملية العولمة· هذا ما يتعرض له ''جان فرنسوا بايار'' في كتاب ''أوهام الهوية''، حيث شروط الهوية الجديدة في عصر العولمة، وكوارثها المحتدمة بالتأجج العقدي أو القومي أو الإثني، باحثاً الأمر من خلال نماذج عديدة وتطبيقات تستند على الخطاب الاجتماعي والثقافي والسياسي، بحيث تظهر المفاهيم اللغوية لكل مكان كنوع من تفكيك القدرة على عدم الاتصال بالمتغيرات الحادثة في العالم، وهو بذلك يشير للأمر من منظومة الاستقرار والتفكير الأوروبي للاتصال مع الذات، ومن ثم مع الآخر، وكأن النموذج الأمثل لعدم الوهم بالهوية هو مَا لا يعانون منه، ومن لديهم القدرة على الذوبان في المنظومة الكونية الجديدة· ولكن تحليله لأنظمة البناء اللغوي تكشف عن استراتيجيات الهوية، وطابعها الوهمي، فهي في أحسن الأحوال بناء ثقافياً أو سياسياً أو أيدولوجياً، أي بناء تاريخياً أصلاً، فلا توجد هوية طبيعية تفرضها الأوضاع، كما يقول· ومن هنا ضرورة بروز نقد سياسي لمفهوم الثقافة، فمن المهم النيل من الحماقات المتعلقة بالهوية، وذلك بطرح إشكالية النظرة المضادة للتقوقع الثقافي، بالنسبة للعلاقات بين الثقافة والسياسة، فأي انغلاق ثقافي عاجز، خاصة عن عدم قدرته على تحليل ذلك الترادف بين الثقافة والسياسة؛ لأنه يعرِّف الثقافات على أنها جوهر مستقل، ويسلم مقدماً بأن العلاقة بين تلك الثقافات والعمل السياسي علاقة خارجية، على نمط الترابط الأحادي الجانب بين العلة والمعلول·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©