الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التكيُّف المعقول» مع النِّقاب!

5 نوفمبر 2010 22:13
بينما ظل الخلاف حول النقاب يتصدر عناوين الأخبار في فرنسا، كان الأمر يستحق تفحّص ما يمكن تعلمه بهذا الشأن من كندا، التي عملت على جعل حرية الأديان أمراً مساويّاً للأمن الوطني وحقوق المرأة. وقد تم إيجاد القوانين التي تمنع النقاب لمقتضيات الأمن بعد هجمات 11 سبتمبر. ولا يخفى أن كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا انتابها قلق متزايد حول مهددات الأمن الوطني، واتجه هذا القلق المتزايد حول المجموعة الدينية الأوسع التي يدّعي مفجرو 11 سبتمبر أنهم جاءوا منها. ولهذا يعتقد كثيرون أن مشاريع القوانين ذات الشأن حاولت تحجيم حريات المسلمين في العقيدة والدين. ويرى آخرون أن الحرية في لبس النقاب يحميها الدستور الفرنسي في مقدمته، إذ تنص المادة الأولى على أن "فرنسا ستكون جمهورية غير قابلة للتقسيم، علمانية ديمقراطية واشتراكية. وستضمن المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين. كما أنها ستحترم كافة المعتقدات". وبالمثل يقول البيان الكندي للحقوق والحريات في الدستور الكندي: "يملك كل فرد الحريات الأساسية التالية أ) حرية الضمير والدين. ب) حرية الفكر والمعتقد والتعبير...". والسؤال: كيف يمكن لأية دولة إذن أن تضمن المساواة في الحرية الدينية لشعبها، مع منعها القانوني لتعبيرات دينية معينة؟ إن الأمر الذي ربما لا يفهمه البعض هو أن تنفيذ قانون ضد النقاب لا يمنع المرأة من لبسه، وإنما يعني فقط أنها لم تعد تستطيع لبسه خارج المنزل. إلا أن المنع يتعلق بموضوع أكثر اتساعاً: عزل النساء المسلمات. وقد يؤدي إنكار حق المرأة في التعبير عن حرياتها في العقيدة والدين إلى زيادة شعورها بالعزلة. وهكذا، على رغم أن الهدف المعلن لمشروع قانون منع النقاب في فرنسا هو تشجيع المساواة في النوع الاجتماعي والأمن وقيم الجمهورية الفرنسية، إلا أن هذا المنع قد يحدّ أيضاً في الواقع من التنوع. إن لدى كندا تاريخاً طويلاً في استخدام "التكيّف المعقول" عندما يعود الأمر إلى كافة الممارسات الدينية والثقافية، الأمر الذي يعني أنه ينبغي التكيف مع الأقليات، بشكل معتدل. وانطلاقاً من قانون العمل لعام 1985، يحافظ "التكيف المعقول" على مرونة المعايير في مكان العمل أو في المجتمع حتى يتسنى تجنّب الممارسات التمييزية. والهدف الأول لـ"التكيّف المعقول" هو توفير مجتمع يسوده الأمن والسلام وفي الوقت نفسه احترام وتفهّم تنوعه بشكل أفضل. ففي مقاطعة "كويبيك" الكندية على سبيل المثال، تسمح الحكومة الإقليمية للمرأة بلبس النقاب علناً، ولكنها تطلب من هؤلاء النساء بعض التكيّف، مثل إظهار وجوههن على بطاقات تأمين الرعاية الصحية. وكلما تمكّنا أكثر من فهم الفروق الثقافية، كلما تمكّنا بصورة أفضل من حماية السبب الرئيسي وراء الهجرة: العيش في مجتمع ديمقراطي يحترم حرية التعبير والدين. وينبغي أن يُنظَر في هذا المجتمع نفسه إلى المرأة المسلمة كفرد متساوٍ مع الآخرين. ولذا فما كان ينبغي للحل في فرنسا أن يصل إلى حد إصدار قانون منع ضد النقاب، وإنما كان يتعين البحث عن "تكيّف معقول" بين متطلبات الخدمة العامة وحريات المواطنين الدينية لإيجاد روابط اجتماعية قوية بين الناس. قبل التوجه بسرعة إلى الجمعية العمومية الفرنسية (البرلمان) للموافقة على هذا المنع، كان يتعين على صانعي القرار الفرنسي أن يسعوا أولاً بالحوار لمحاولة فهم خلفيات الظاهرة. على أن يكون هدف هذا الحوار في نهاية المطاف هو ضمان الأمن والمساواة للجميع، والحيلولة دون ظهور كافة أشكال التضييق والحقد وسوء الفهم. إنه نوع من العقد الاجتماعي الجديد. إلسا رزق الله باحثة في جامعة مونتريال ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©