الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شريان مصر التاجي

شريان مصر التاجي
5 أغسطس 2015 22:33
«إنني أريد القناة لمصر، ولا أريد مصر للقناة» الخديو إسماعيل (1863-1879) ارتبطت نشأة المدن الثلاث المعروفة بمدن القناة: بورسعيد، السويس، والإسماعيلية، بتأسيس وحفر قناة السويس، التي شهدت في حينها صراعات عنيفة ومواجهات بين إمبراطوريات العالم الكبرى آنذاك. برزت قيمة موقع مصر الجغرافي كنقطة التقاء وعبور للطرق البحرية التي تصل أوروبا بالشرق الأوسط والأدنى، فظهرت فكرة شق قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. وفي القرن التاسع عشر تصارعت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية على مناطق الاستحواذ والنفوذ، كانت فرنسا أول بلد أوروبي كبير يلفت الأنظار إلى مصر وموقعها الفريد، فخاض بونابرت المغامرة وجاء بحملته الشهيرة «الحملة الفرنسية» (1898-1801) ليؤسس مستعمرة فرنسية في قلب العالم، فشلت الحملة وغادر بونابرت، لكن بقي منها ما تركته من آثار علمية ودراسات مهمة عن مصر، برز منها دراسة المهندس الفرنسي «لوبير»، حول إمكانية شق برزخ السويس، حفر قناة تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، الأمر الذي سيختصر الطريق إلى الهند إلى النصف. احتفظت فرنسا باهتماماتها الكبيرة بشق مجرى ملاحي يربط بين البحرين الأبيض والأحمر، وانصبت على الدراسات العلمية والنظرية عن طريق اللجان العلمية، وتحمس بعض رجالها وعلى رأسهم القنصل الفرنسي السابق بمصر «فرديناند ديليسبس» الذي استطاع بعد جهود والتفافات إقناع والي مصر آنذاك محمد سعيد باشا بالموافقة على حفر القناة. «ديليسبس» الذي لا نعرفه على متن سفينة فرنسية، قطعت المسافة بين مارسيليا وميناء الإسكندرية في عشرة أيام، كان البحر المتوسط خلالها هائجا، وقف القنصل الفرنسي السابق «فردينان ديليسبس» يتأمل عنف حركة الأمواج في الوقت الذي كانت رأسه تضطرم بعنف مماثل، وهو يكابد حلما سيصبح واحدا من أكبر المغامرات الإنسانية في التاريخ، استعاد ذكرياته الأولى عندما وقعت عيناه للمرة الأولى على الدراسة التي أعدها مهندس عبقري من علماء الحملة الفرنسية (1798-1801) اسمه لوبير، حول إمكانية شق برزخ السويس، حفر قناة تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، الأمر الذي سيختصر الطريق إلى الهند إلى النصف، واستولت هذه الآفاق الجسورة على أحلامه. في اليوم السابع من نوفمبر عام 1854 من وصول السفينة إلى الإسكندرية، وصل الاضطراب الذي انتاب القنصل السابق إلى ذروته، وتجمعت الأفكار التي تلاطمت برأسه معلنة أنه ارتبط ومنذ هذه اللحظة برهان سيجازف من أجله بما تبقى من عمره، وسيضحي لأجله بفك الارتباط بماضيه وذكرياته في بلده فرنسا ولأجلها أيضا! بعد عشرين عاما قضاها بعيدا عن المحروسة، ها هو يعود إلى أرض الفراعنة حاملا مشروعاً هو الأكبر، الأضخم، الأكثر تأثيرا في تاريخ العالم والبشرية بأسرها، تيقن أن هذه الرحلة ستقرر مصير ما تبقى من عمره. بعد خمسة عشر عاما، من هذا التاريخ، ستشهد البشرية احتفالا أسطوريا مهيبا بشق مجرى ملاحي يربط بين البحرين المتوسط والأحمر، ملحمة الإنسان والمكان، عبقرية الموقع والموضع، وسيعلن للعالم افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869، منحة العقول التي فكرت إلى مصر، وهدية المصريين إلى العالم، دفعوا ثمنها رجالا ونساء وبطولات لم تسجل على الورق لكنها حفرت في الذاكرة.. ولن تمحى. عن هذه الشخصية العجيبة التي ارتبط اسمها بتاريخ قناة السويس، سلبا أو إيجابا، دارت موضوعات ثلاثة كتب مهمة أصدرها المركز القومي للترجمة بالقاهرة، تدور كلها حول شخصية «فرديناند ديليسبس»، الكتاب الأول: «ديليسبس وقناة السويس عبقرية الإنسان والتاريخ» لمؤلفته لورا لونج، وترجمة محمد فريد حجاب، وهو كتاب يتتبع السيرة الذاتية لديليسبس منذ ميلاده وحتى وفاته، والذي اعتبرته أحد كبار المغامرين في التاريخ. في هذا الكتاب الذي جمع بين السرد التاريخي والحس الأدبي، سنعرف شيئا كثيرا عن هذه الشخصية المثيرة، كان قد تلقى منحة من نابليون لاستكمال تعليمه، وأتمه بنجاح ظاهر، عمل قنصلا لسنوات طويلة في مصر، وخدم بتألق في مواقع عديدة، ثم ضرب الحظ ضربته، ولعبت السياسة كما ينبغي لها أن تكون، فقربت الدبلوماسي الطموح من والي مصر وحاكمها آنذاك محمد سعيد باشا (حكم مصر بين سنتي 1854 و1863)، ليخطو نحو تحقيق حلمه خطوات واسعة. الكتاب الثاني «ديليسبس الذي لا نعرفه» لأحمد يوسف، وترجمت وثائقه ومخطوطاته أمل الصبان، وعلق عليه المؤرخ الراحل رؤوف عباس، الهدف الأول من هذا الكتاب هو إتاحة الفرصة لكل المصريين للاطلاع على ما اطلع عليه المؤلف في باريس من وثائق وأرشيفات ومخطوطات وصور وأفلام ولوحات وخرائط تحفل بها أرشيفات جمعية أصدقاء قناة السويس، وفرديناند ديليسبس. هذا الكتاب مثّل خلاصة كل ما سبق، إضافة إلى مقابلاته الشخصية التي أجراها المترجم مع شخصيات فرنسية بارزة لعبت دورا مهما في تاريخ القناة. يحفل هذا الكتاب بصور فوتوغرافية مثيرة ونادرة للمصور الفرنسي هيبوليت أرنو تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتحتم إعادة النظر في تاريخ القناة من جديد. «رحلة الملوك».. وافتتاح أسطوري كان افتتاح قناة السويس للملاحة في 17 نوفمبر 1869، حدثا عالميا بكل المقاييس، وأراد الخديو إسماعيل حفيد محمد علي باشا الكبير أن يظهر بأقصى مظاهر العظمة والأبهة والفخامة أمام ملوك وأمراء وسفراء أوروبا، فاستدعى ممثلي الصحافة العالمية، ورجالات العلوم والصناعة والفنون والتجارة، ليشاهدوا بأعينهم ما لم يروه في حياتهم من قبل، ليشهدوا احتفالات أسطورية بافتتاح القناة لم يسبق لها نظير في العالم من قبل. جاء حفل افتتاح القناة كما خطط ورسم إسماعيل وأكثر، جاء تتويجا لنجاح هذا العمل الخارق والمعجز، مما دفع الإمبراطورة أوجيني أن تكتب إلى زوجها الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، فور وصولها إلى مصر، معبرة عن دهشتها، كتبت تقول: «وصلت إلى بورسعيد بسلام، استقبال باهر لم أشهد مثيلا له قط طوال حياتي». أراد إسماعيل أن يجعل من احتفالات افتتاح قناة السويس للملاحة حدثا خالدا لا ينسى، فكلّف الرسّام المشهور «إدوارد ريو» بإعداد كتاب فخم يهديه للملوك وعظماء المدعوين الذين حضروا الاحتفالات. هكذا جاء كتاب «افتتاح قناة السويس رحلة الملوك» كتابا تذكاريا جليلا، يمثل أحد أهم الكتب الموضوعة في تراث قناة السويس، ويبرز مظاهر الاحتفال الأسطورية المبهرة التي خلبت ألباب ملوك وأمراء أوروبا والعالم، تخليدا لنجاح مصر في وصل الشرق بالغرب، كما يبرز هذا الكتاب التوثيقي النادر الصعوبات التحديات التي واجهت منفذي المشروع وتم التغلب عليها بفضل كفاح ومثابرة وصبر العمال المصريين، وتضحياتهم الجليلة. الكتاب يتكون في الحقيقة من مجلدين معا، كان الغرض منه تخليد ذكرى احتفالات قناة السويس، ويتضمن الكتاب أربعين لوحة رسمها بالألوان المائية الفنان الفرنسي «إدوارد ريو». لقد أراد حاكم مصر المستنير بهذا الكتاب توثيق حدث فريد ليحتل مكانة مرموقة في سجل ذاكرة العالم. ساهم في صياغة كتاب الإهداء كل من: الكاتب جوستاف نيقول، والمؤرخ ماريوس فونتان، ومن يطالع الكتاب سيجد تآلف الأسلوب مع ألوان اللوحات المائية لريو ويبرز سرد الأحداث الإنجازات التي تحققت على أرض مصر بفضل نضال وكفاح ومثابرة العمال المصريين من جانب، وما عرفته أشغال الحفر من تطور وابتكار آلات وماكينات حديثة للتغلب على الصعاب في الصحراء الجرداء. تصور لوحات «إدوارد ريو» أيام الاحتفال الخمسة، ورحلة عبور القناة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، من بورسعيد إلى السويس، وتوضح كيف ولدت المدن في الصحراء القاحلة وكيف قامت الورش وتوضح أيضا نشاط السكان المحليين والمثابرة لإنهاء العمل. صدر الكتاب باللغة الفرنسية في طبعة فاخرة من القطع الكبير جدا (مقاس 39*55.5) سم، واشتمل على نصوص شديدة الندرة لم ترد في غيره من الكتب التي أرخت لقناة السويس. من تلك النصوص النادرة التي أوردها كتاب «رحلة الملوك» في أصله الفرنسي، ما قاله الرائد التنويري رفاعة الطهطاوي، معبرا عن معاناة شق قناة السويس كضرورة لخدمة ورفاهية البشر ما معناه: «يا مصر لك المجد والعزة فسوف نعيد فتح قناة عمر بن الخطاب العتيقة، فقد كان لأجدادنا فيما مضى شرف تنفيذ هذا العمل الخارق. إن شق الخليج لواجبٌ مقدس. تتقلب الأرض وتزمجر ما بقي الخليج موجودا. افتحوا فيه طريقا إن شق بطن الخليج لمؤلم، ولكن بعد ذلك ستزول آلامنا إلى الأبد». يقول المترجم عباس أبو غزالة إن عمله في هذا الكتاب «رحلة الملوك» يأتي في إطار عمل موسوعي عن ثقافة وتراث قناة السويس، بدأها بترجمة أطروحة الباحثة الفرنسية نتالي مونتل، وعنوانها «حفر قناة السويس.. دراسة في تاريخ ممارسة التقنية»، ثم ترجم كتاب «دليل رحلة ضيوف الخديو إسماعيل لزيارة آثار مصر» بمناسبة افتتاح قناة السويس 1869، وأخيرا استكمل جهد ترجمة الكتابين السابقين بترجمة كتاب «رحلة الملوك». رسالة الحفناوي.. وقرار التأميم في 15 يونيو من العام 1951 ناقش الدكتور مصطفى الحفناوي رسالته العلمية التي تقدم بها إلى كلية الحقوق بجامعة باريس لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة، ووضعها القانوني والسياسي على الأراضي المصرية، وانتهى في بحثه إلى ضرورة أن تكون القناة ممر ملاحي عالمي، يكفل لكافة السفن المرور بها وأن تكون محايدة ولا تخضع لأي صراعات دولية، على أن تكون تحت السيادة المصرية وبإدارة مصرية، صحيح أن هناك من سبق الدكتور مصطفى الحفناوي في كتابة أطروحات ودراسات علمية حول القناة، مثل محمد طلعت حرب باشا في رسالته عن قناة السويس، ومثل الدكتور حسين حسني برسالته عن التاريخ السياسي لقناة السويس، لكن تبقى رسالة الحفناوي «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» التي ترجمت إلى العربية وظهرت في 4 مجلدات كبيرة (صدرت منها طبعة جديدة بمناسبة احتفالات المصريين بالقناة الجديدة عن مكتبة الأسرة)، أوفى وأشمل مرجع عن تاريخ قناة السويس وما مرّ بها من تطورات ودار حولها من نزاعات إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. كانت هذه الرسالة الضخمة التي اطلع عليها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، هي حجر الأساس الذي بنى عليه قراره التاريخي بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، أولى عبدالناصر اهتماما كبيرا بعمل الحفناوي، واستدعاه أكثر من مرة للقائه والتحاور معه حول القناة وضرورة نشر الوعي اللائق بها في صفوف الناس وتركيز الأضواء على ما اشتملت عليه رسالته من حقائق ومعلومات ووثائق لم تتوافر لغيره بعد أن اطلع على وثائق القناة في باريس، الأمر الذي كان مزعجا بشدة لدوائر المراقبة في الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا. إذن فقد أراد الحفناوي في رسالته الجليلة دراسة وبحث المركز القانوني والدولي لقناة السويس، وفق أصول وقواعد القانون الدولي وفي ظل المعاهدات والاتفاقيات الموقعة بهذا الشأن، وأثبت الحفناوي أن القناة ملك خاص لمصر (كان هذا الكلام سنة 51 أي قبل حركة الضباط في يوليو 52 وقبل قرار التأميم في 56 بخمس سنوات)، بحكم المواثيق التي عقدها «خالد الذكر» الخديو إسماعيل، عاهل مصر الذي شق القناة. وفرق الحفناوي بين فكرتين محوريتين في بحثه، الأولى هي ملكية القناة والسيادة عليها، وهذا ما لا جدال فيه ولا تهاون من أن مصر وحدها ولا شريك لها في هذه الملكية وتلك السيادة. الفكرة الثانية وهي الخاصة بوظائف القناة باعتبارها مرفق عالمي ينتفع به في خدمة الملاحة العالمية وهذه (أي وظيفة القناة) لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تؤثر على الوضع القانوني للبلد الذي تجري فيه القناة، ولا أن تقيد حقوق هذا البلد وسيادته. اعتبر الحفناوي أن الخلط بين هاتين الفكرتين هو السبب وآفة الآفات في ماضي قناة السويس وحاضرها ومستقبلها، وهو مصدر جميع المشكلات التي أثارتها القناة في حينها. ولهذا خصص الجزء الأول من كتابه الضخم لـ «تاريخ القناة وأصول مشكلاتها المعاصرة». يقول الحفناوي في نهاية الجزء الأول من كتابه: «أردت بهذا الجزء الأول من كتابي الكشف عن مأساة لعلها أخطر مأساة وأقسى مؤامرة عرفها التاريخ، وما كان بوسعي، وأنا مصري، أن ألتزم في التعبير الحدود الجافة، فكنت وأنا أعرض فصول تلك الحوادث المروعة متأثرا لدرجة لا أستطيع معها كبح جماح العاطفة والشعور، وليست عاطفة المصري الحزين على بلاده فحسب، بل عاطفة رجل قانون يمقت الظلم وتثور نفسه كلما رأى هذا القانون يمتهن ويستهان به». وتجدر الإشارة إلى أن كتابا آخر شديد الأهمية صدر في مصر عام 1968، عن دار الكاتب العربي بمصر، وعنوانه «قناة السويس أهميتها السياسية والاستراتيجية وتأثيرها على العلاقات المصرية البريطانية (1914-1956»، للمؤرخ الدكتور محمد عبد الرحمن برج، وهو من الكتب التي لا غنى عنها لمن أراد التوسع ومعرفة المزيد من المعلومات والتحليلات المفصلة في هذا الجانب من موضوع دراسة القناة. هذا الكتاب لم يطبع سوى هذه الطبعة القديمة، وأظن أن المهتمين بدراسة القناة وقراءة شيء عن تاريخها وسياقها السياسي خاصة خلال فترات الاشتعال وصراع الإمبراطوريات الاستعمارية في حاجة شديدة وملحة إلى طبعة جديدة من هذا الكتاب المهم. حكاية قناة.. المسكوت عنه في هذا الكتيب الصغير الذي صدر عن سلسلة حكاية مصر (العدد الثالث) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، سرد تاريخي مبسط يروي قصة حفر قناة السويس، التي اعتبرتها مؤلفة الكتاب، الدكتورة إيمان عبد المنعم عامر، محور تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ طرحت كأفكار ومشروعات، فقد كان حلم الوصول إلى الشرق هو الذي دفع بالموجات الاستعمارية خارج القارة الأوروبية. كان برزخ السويس موقعا عبقريا جعل من مصر مطمعا استعماريا وبأقل قدر من الضمير الإنساني مضى «ديليسبس» ومعاونوه ومساعدوه من مختلف الجنسيات الأوروبية في تنفيذ هذا المشروع على وجه لا يمكن أن يتصور الإنسان أبشع ولا أشنع ولا أوجع منه. يقدم هذا الكتيب الذي يقع في 104 صفحات فقط من القطع الصغير، دفاعا مجيدا عن تضحيات وبطولات المصريين والثمن الفادح الذي تكبدوه عرقا ودماء وسخرة في سبيل إنجاز مشروع القناة، ويوضح أن المشروع في بدايته لم يكن يستهدف صالح مصر بقدر ما كان يخدم مصالح الدول الاستعمارية الكبرى، وما كان للقناة أن تحتل مكانتها التي تحتلها الآن وصارت محل إجماع العالم بأسره لولا كفاح طويل وممتد ومستمر من المصريين لاستعادة هذه القناة والدفاع عنها وتطويرها كي تكون حقا «هدية مصر إلى العالم». «حكاية قناة السويس»، رغم صغر حجمه، واندراجه ضمن ما يسمى بالكتب المفاتيح، التي تقدم معرفة أولى ومدخلا مناسبا لمن أراد أن يتعرف على الموضوع ويلقي نظرة طائر على ما يتعلق بقناة السويس، فإنه كُتب بروح مشحونة بالعاطفة والرفض لكل الممارسات العدائية والعنيفة التي شابت حفر القناة، وركزت المؤلفة على النضال والكفاح المصري في استعادة القناة والدفاع عنها، مبرزة التضحيات البشرية الهائلة التي قدمتها مصر للمشروع والتي لا تقدر بثمن، بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي خسرها الاقتصاد المصري طوال تلك السنوات التي كانت فيها الشركة العالمية لقناة السويس خارج سيطرة السيادة المصرية. كانت قناة السويس جرحا في قلب وضمير كل مصري وكانت استعادتها لمصر حلما من أكبر الأحلام وإن بدا أكثرها استحالة وصعوبة، لهذا تؤكد المؤلفة أن «تأميم قناة السويس» كان حتمية سياسية واقتصادية، فلم يكن ليستقيم شعار الثورة آنذاك مع وجود احتكار أجنبي مقيت في بقعة من أعز بقاع الأراضي المصرية، وفي جزء شديد الحيوية من البلاد. اتخذ عبد الناصر قراره التاريخي بالتأميم، وخاضت مصر المعارك، وعادت القناة لسيطرة وسيادة المصريين، وها هي الآن تقدم للعالم هدية جديدة تتوج بها رحلة نضال وعرق وكفاح طويل. ملحمة من البذل والتضحية ارتبطت بالكفاح الوطني لنيل الاستقلال ....................... «ديليسبس الذي لا نعرفه» يحفل بصور مثيرة ونادرة تحتم إعادة النظر في تاريخ القناة ....................... افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 كان حدثا أسطورياً بكل المقاييس ....................... عبد الناصر اتخذ قرار التأميم بناء على رسالة دكتوراه عشق البحر للبحر في نص منسوب لرفاعة الطهطاوي ورد في النص الفرنسي من كتاب «افتتاح قناة السويس رحلة الملوك» يقول: «نعم. ها هو خليج السويس العتيق، فضاء من الحصباء، وصحراء مكفهرة ومقفرة، سوف يخضعه البحر لسلطانه، ويطيل سواحلنا. إن عشق هذا البحر للبحر الآخر، هو كعشق اللآلئ لصدور الحسناوات، هنالك ستذهب سفننا تتنزه نوهة الخُطّاب، ويهوي إليها من نحبهم من البشر». بأقل قدر من الضمير تقول إيمان عبد المنعم عامر، إن مصر كانت محور تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ طرحت كأفكار ومشروعات، فقد كان حلم الوصول إلى الشرق هو الذي دفع بالموجات الاستعمارية خارج القارة الأوروبية. كان برزخ السويس موقعاً عبقرياً جعل من مصر مطمعاً استعمارياً، وبأقل قدر من الضمير الإنساني مضى «ديليسبس» ومعاونوه ومساعدوه من مختلف الجنسيات الأوروبية في تنفيذ هذا المشروع على وجه لا يمكن أن يتصور الإنسان أبشع، ولا أشنع، ولا أوجع منه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©