الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر: فتح مدافن فرعونية لتنشيط السياحة

31 يوليو 2012
بعد أكثر من 4500 سنة ما زالت الألوان الزاهية على جدران المدافن المصرية القديمة ماثلة للعيان تشخص حياة الفراعنة في مصر وتصور عبقرية الإنسان المصري القديم في رسم جوانب حياته اليومية، ولكن هذه الرسومات التي تزين الحيطان وتضفي عليها ألقاً منقطع النظير ليست لتلك المدافن المعروفة والمفتوحة للناس، بل تعود إلى قبر الملكة ميريسانخ الثالثة التي حكمت مصر قبل آلاف السنين. وفي تفاصيل الرسوم يظهر بعض الصيادين على قواربهم الخشبية يلقون شباكهم ليس لاصطياد السمك، بل للإيقاع بالطيور المحلقة، فيما يبدو إلى جانبهم الحرفيون المصريون القدامى وهم ينسجون على أنوالهم ويحيكون الزرابي، هذا في الوقت الذي يحمل فيه آخرون سلالاً محملة بالطعام تقرباً للآلهة واستعداداً لمرحلة ما بعد الحياة التي عُرفت بها الثقافة المصرية القديمة حيث تحتفي بالموت وتجعله مرحلة أخرى في حياة الإنسان. وبالإضافة إلى الرسومات التي تزين الجدران تبرز أيضاً في مدفن الملكة الفرعونية تماثيل صغيرة تصورها في هيئات مختلفة، من بينها تلك التي تظهر فيها متدثرة بوشاح صنع من جلد النمور وهي واقفة إلى جانب والدتها في القارب الذي يقلها عبر مياه النيل، أو في وضع آخر يحيط بها الموسيقيون والمغنون.. وكل هذه الجوانب من حياة مصر القديمة تسعى وزارة السياحة المصرية للاستفادة منها وتعزيز حضورها لجذب مزيد من السياح وطرح منتج سياحي جديد بالقرب من أهرام الجيزة للخروج من الركود الذي ضرب القطاع وأثر سلباً على الاقتصاد المصري، ولاسيما في الأوقات الراهنة التي أعقبت الثورة المصرية وما ميزها أحياناً من اضطرابات أمنية وفوضى مرورية. ومن المقرر فتح مدفن ميريسانخ التي يعني اسمها باللغة المصرية القديمة "عاشقة الحياة" أمام الجمهور لأول مرة منذ أكثر من 25 عاماً نهاية العام الجاري، ليعقب ذلك فتح المزيد من مدافن كبار الكهنة المطمورة مقابرهم تحت رمال الصحراء أمام العموم في وقت لاحق. وعن هذا الموضوع يقول، المدير العام لهيئة الآثار المصرية بمنطقة الجيزة، علي أصفر: "نريد أن نمنح الناس سبباً إضافياً للعودة إلى هذه المنطقة، وإعطاءهم شيئاً جديداً عدا الآثار التي تعودوا على رؤيتها في مصر، وذلك كله من أجل تشجيع السياحة ودعم القطاع المتضرر". وبالعودة إلى الملكة ميريسانخ فهي كانت إحدى الشخصيات البارزة في الأسر الحاكمة القديمة، ويقع قبرها بالقرب من هرم "خوفو" الذي يعتبر جدها، كما كانت تربط والديها أواصر الأخوة، كما تزوجت أحد أبناء "خوفو" وهو حسب تسلسل العائلة يعتبر عمها "خفرع" الذي بنى ثاني أكبر هرم. ولكن ميريسانخ ماتت فجأة قبل والدتها ما اضطر هذه الأخيرة إلى منحها مدفنها الخاص. وكان أول من اكتشـف المدفـن عالـم الآثـار الأميركي "جورج ريزنـر" الذي كتـب عن دهشته وذهـول فريقـه عندمـا أطلوا في عام 1927 برؤوسهم عبر فتحة صغيرة في الرمال ليشاهدوا الألوان الزاهية والرسومات المزركشة التي حافظت على نضارتها لآلاف السنين، وتابع الأميركي في مجلة متحف الفنون الجميلة ببوسطن، حيث يوجد تمثال صغير لميريسانخ ووالدتها، قائلاً: "لم نرَ في حياتنا شيئاً بتلك الروعة والجمال". أما على الجانب الآخر من الأهرامات التي تقع فيها المقبرة الغربية فتوجد مدافن الكهنة ورجال الدين الذين كانوا في العصور الغابرة يسهرون على القيام بالطقوس الدينية المعقدة، وقد استغرق الوقت من مفتش الموقع، أشرف محيى الدين، وفريقه المكون من أكثر من 50 شخصاً خمسة أشهر كاملة لإزاحة الرمال التي غطت المدافن وتنظيفها استعداداً لعرضها على الجمهور، ويصف محيى الدين صعوده الدرج إلى داخل قبر كبير الكهنة بأنه "أفضل تجارب حياتي". والحقيقة أنه ليس من الصعب معرفة سبب هذا الانبهار، حيث يبرز المزيد من الألوان الفاقعة على الجدران، وهي ما زالت مشعة ومتألقة بعد كل هذه القرون السحيقة، ولاسيما تلك التي تُظهر صوراً من الحياة القديمة سواء على النيل، أو مشهد الجواميس وهي ترعى، أو تلد. وعندما يوجه محيى الدين ضوء مصباحه على أحد الجدران داخل المدفن تتراءى مشاهد حفل قديم تؤثثه أجسام الراقصات والموسيقيين الذين يعزفون على الناي. وبالإضافة إلى مدفن الملكة ميريسانخ وقبور كبار الكهنة تعتزم السلطات المصرية فتح معبد "سقارة" الذي يحتل حيزاً واسعاً تحت الأرض، حيث يُعتقد أن ثيراناً ضخمة دفنت تحت الرمال. وبعد عشر سنوات من أعمال الترميم التي طالت المعبد بدت واضحة الطرقات الأرضية والأقواس التي تزين السقف متيحة للمستكشفين والباحثين فرصة لا تعوض لدراسة الحياة المصرية القديمة والغوص في تفاصيلها. أما فوق المعبد فتوجد أهرامات "سقارة" الأصغر حجماً مقارنة بنظيرتها في الجيزة التي باتت شبه مهجورة الآن بسبب تراجع النشاط السياحي. وفي هذا السياق يلقي كمال وحيد، مدير الآثار في "سقارة"، باللائمة على وسائل الإعلام التي يقول إنها همشت المنطقة الغنية بالآثار مركزة فقط على ميدان التحرير، ولكن المسؤولين يؤكدون أن الأمر يحتاج أكثر من الاهتمام الإعلامي، ولابد من عمل متواصل لضبط الوضع الأمني غير المستقر وجمع القمامة التي تراكمت في الشوارع بسبب تعطل الخدمات، ثم حل مشكلة الاختناق المروري الذي يجعل من التنقل عبر شوارع القاهرة أمراً أشبه بالجحيم. سيمون دينير القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©