الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صالح رضا: الفن الإسلامي خلاصة كل الإبداعات الإنسانية

صالح رضا: الفن الإسلامي خلاصة كل الإبداعات الإنسانية
8 أغسطس 2011 23:15
وُلد الفنان التشكيلي صالح محمد رضا في حي الحسين العريق بالقاهرة، ويقول إنه ولد في شارع الصالحية بمنزل على ناصية الشيخ صالح، الذي طالما باركته أمه به وهو في أحشائها، وكان حي الصالحية في مدخل خان الخليلي يضج بصناع النحاس مما جعل المنطقة تسمى “النحاسين”، وكانت أمه قد تعوَّدت أن تقرأ القرآن قبل ساعات الولادة، وإذا بها تقف قبل نزوله إلى الحياة عند قصة النبي “صالح”، فكان اسمه مع ارتباطه أيضاً بضريح الشيخ صالح قال صالح محمد رضا إن تجارة والده كانت في شارع خان الخليلي مركز الفنون الإسلامية، وتخصص في الفيروز الذي يأتي من سيناء، وعلمهم كيف يصقلون تلك الحجارة ذات اللون الأزرق، وكان هذا اللون من الألوان المحببة إلى نفسه، وكانت محلات المجوهرات بذلك الشارع تتشكل، كما لو كانت رقعة ألوان زيتية متعددة الدرجات، ففي هذا الحي العريق عاش طفولته إلى بداية مرحلة شبابه، وبعد أن أكمل التعليم الثانوي والتحق بكلية الفنون رفض الأهل ذلك وطلبوا منه التحول إلى التجارة، حيث كان الفن غريباً على المجتمع، وهو ما أطلق في نفسه العناد. الحنين للوطن بعد إنهاء الكلية سافر في بعثة إلى تشيكوسلوفاكيا داخل المصانع، فقد كانت البعثة لدراسة صناعة الخزف، وهناك بدأ الحنين إلى الوطن يعاوده، فصنع أول تمثال، وكان لعروس النيل في حجم كبير يقترب من طول قامته، ثم حاملة الجرة وبعدها حاملة القلة، حيث كانت “القلل” تزين فتحات الشبابيك في منازل الحسين، وتعد من سمات ذلك الوقت وهي تتغير في أشكالها بين الرشاقة والحجم الكبير وألوانها بين الاصفرار المخضر ولون طينة مصر الحمراء التي تكون طمي النيل، ومن القلل الصيفي والشتوي تبعاً للاستخدام. وقال إنه حينما كان في إنجلترا حدَّثه أستاذه بأن يترك التراث القديم ويتعلَّم الفن الحديث، فشعر بأنه شخصية ذات تركيبة غريبة، وربما ذلك جاء من مخزونه البصري من الفنون القديمة ومنها الفن الإسلامي، بالإضافة إلى إنتماءاته المحلية، وأنه أحياناً يحن إلى المواضيع التراثية القديمة من دون أن يحققها في أعماله، ولكنها تشحن مخيلته، واكتشف رغم تقديره للفنانين القدامى من الجيل الأول في مصر. ويتذكر ذلك اليوم الذي صحب أمه فيه إلى القلعة لزيارة جامع السلطان حسن، موضحاً أنه أحد قمم التاريخ المعماري للفن الإسلامي، حيث يعتبر وجهة صادقة في مفهوم العمارة الإسلامية من الناحية الصرحية التي تميز بها الفنان المعماري المصري، وأنه هالته الرؤية الفوقية لتلك المقرنصات النحتية المنظمة بشكل علمي يذهل العقل والعين معاً، وكانت تتدلى من سقف الباب الرئيسي على هيئة تكوينات هندسية في أشكال مدلاة كأنها ثريات تنير المكان، شاهدها وهو صاعد درج سلم الجامع، كما راعته تلك الأشكال الحجرية الهندسية الشكل عند المدخل وبدأ الدخول إلى الجامع ماراً في دهاليز حتى صحن الجامع المتسع المترامي الأطراف ذي الأروقة الأربعة التي نقش على جدرانها آيات قرآنية، وكانت تلك الحجرات الأربعة تمثل المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي. ثوب جديد قال إن المستشرقين في كثير من الأحوال نسوا أشياء في تخيلهم لأصول الأعمال الإسلامية لبعدهم التاريخي عنها، فالحضارة الإسلامية ظهرت في ثوب جديد بعد أن جمعت الحضارات الأخرى وامتصتها بداخلها، ولعب الدين الدور الأساسي في ازدهار هذه الفلسفة، ومن المؤسف أن غير المفكر العربي يعجز عن هضم وتوضيح هذه الكنوز الحضارية التي لعبت دوراً خطيراً في تطور الشعوب والحضارات، ويتذكر قول الناقد العالمي السير “هربرت ريد” حينما التقاه في لندن عام 1960 وقت أن كوَّن مع عدد من الفنانين “جماعة الفنانين العرب” من مصر والعراق والسودان، وكانوا في لقاء دائم معه كل أسبوعين لمناقشة أحوال المجموعة وعرض أفكارهم عليه. وقال ريد وقتها إن على الفنان العربي أن يبتعد في صوره عن الزخرفة، حيث أن الفن التجريدي ليس هو الزخرفة، لأنه لو صار زخرفياً فسوف يفقد أهم عناصر العمل الفني، والمتمثل في الدراما، وبذلك يتحوَّل العمل الفني إلى سطحية مطلقة، ولذلك عليك أن تبدع الشيء من اللاشيء، وهذا هو التجريد الحقيقي ذو المعرفة الدلالية في محتواه، ورفض ريد المقولات التي تحدد أن الفن التجريدي مأخوذ من أو متأثر بالمشربيات الإسلامية. ومنذ تلك اللحظة أدرك صالح رضا ما يعنيه ريد تماماً، حيث أكد بشكل ما أنه لا يمكن أن تنتج في القرن العشرين فناً إسلامياً، بعد أن انعدمت المبررات التي صنعت ذلك الفن في عصره، لذلك قام بكسر الأطر في أعماله الأخيرة بإلغاء فكرة الصورة وتلك الأطر التي كانت غير قادرة على إنتاج فن جديد وهنا تكمن الحرية، كما أدرك هول المعرفة الشرقية للفنون الشرقية في كثير من أحوالها، أنها ليست زخرفية، حيث أن “هربرت ريد” وغيره من المستشرقين تناسوا إعادة الرؤية الفنية الخاصة بهم في زاوية حضارتهم وأفكارهم، وليس في ناحية إحساس الشرق بمدلولات ومعارف خاصة مغايرة للسيمولوجيا المعرفية العامة. ومن خلال التصادم الحضاري الذي حدث له من بوابة الجحيم لرودان أدرك أن القيمة الحجمية أو الشعور بالكتلة مسألة تخص إحساس الفنان الشرقي بمعرفته بموازيين هذه الأبعاد والكتل، فلم يكن جامع السلطان حسن هو جامع شامخ كبير الحجم فقط، وإنما كانت أبعاده الحسية المتغيرة من أول باب الدخول المرتفع إيقاعاً عالياً، يعطيك الفرق الحجمي بين البوابة الشامخة والإنسان وضآلة حجمه، وعلى العكس من هذا كبر حجم الرأس التي تمثلت في المقرنصات المتدلية من سقف البوابة الرئيسية للدخول، وهنا يمكن الربط الأساسي بين عنصر الدراما الذي جاء من خلال القياسات والأبعاد والأحجام وتنظيمها داخل قالب متحد، وأيقن رضا أن الدرامية الموجودة في جامع السلطان حسن ليست هي درامية ناشئة من الزخرف الذي تكلم عنه هربرت ريد الذي قد يكون تأخر عنه نظراً لبعده عن إحساسه الشرقي بهذه العناصر التي قد تكون جديدة وبعيدة عنه أيضاً، وهذا التصور ليس تعصبا للفنون الشرقية، بل هو محاولة لمساعدة الرائي على القراءة الجديدة للمفاهيم التي كانت غامضة في فنون الشرق عامة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©