الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بناء الروح وترويض النفس والسير بها نحو الكمال

بناء الروح وترويض النفس والسير بها نحو الكمال
8 أغسطس 2011 23:13
قال الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: “أعلم أنَّ الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. فأمَّا صوم العموم فهو كفُّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأمَّا صوم الخصوص فهو كفُّ السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عمَّا سوى الله عزَّ وجلَّ بالكلية” كتاب إحياء علوم الدين. الصيام فريضة جامعة وعبادة كاملة، يعيش الصائم فيها حياة الإبرار الأطهار، الأصفياء المقربين، حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، ولا معصية حسية أو معنوية باطنة أو ظاهرة من خائنة الأعين أو مما تضم الجوارح والصدور. وإن فوائد الصيام تشمل كل أبعاد الحياة الإنسانية، وتلج في عملية بناء الروح والنفس وترويضها والسير بها نحو الكمال. فالصيام من أهم العبادات وأعظمها، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (كل عمل ابن ادم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به). أبعاد الصيام ولكي يحقق الصائم هذا المقاصد فلا بد له أن يدرك أبعاد الصيام ويحققها على أرض الواقع سلوكاً عملياً، فينتقل من صيام العادة إلى صيام العبادة. البعد الروحي: الصوم يصقل روح العبد، ويعمق صفاءها ويضاعف إقبالها على مولاها بصدق ورغبة وحب، فيعمق الصوم مفهوم الإخلاص ويثبته في وعي المسلم وسلوكه، ويغرس خلق المراقبة الذاتية في النفس، فينتقل العبد في درجات العبودية والترقي في مدارج السالكين الراغبين في الوصول، والصعود بها في معارج القبول. يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطين ومردة الجان، وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة). فمن فقد هذا البعد للصيام، ولم يجد آثاره الطيبة على روحه وقلبه، فقد حرم خيرات الشهر ومنع بركاته وضيّع فرصه. البعد الأخلاقي: عبادة الصوم ذات مغزى تربوي عميق، لكونها تسهم بقسط وافر في تهذيب سلوك الإنسان وتنمية الجانب القيمي في ذاته. وتبدأ الدلائل التربوية للوهلة الأولى بدعوة كريمة من الله تعالى لعباده بأن يدخلوا جميعاً في ضيافته، مهيّئاً لهم بذلك الجوّ النفسي الملائم والتربة التربوية الصالحة لإنبات بذور الفضائل الخيرة في أنفسهم. ففي ظلال هذه العبادة يتربّى الصائم على سلامة الصدر وطهارة القلب، ويتمرّن على إمساك لسانه عن كل ما من شأنه أن يؤدي به إلى الإفلاس في الدنيا والآخرة. وفي ظلال الصوم يتربى الصائم تربية عملية على مكارم الأخلاق من إحسان وصدق وأمانة وصبر وحلم وتواضع وحياء وزهد وقناعة وتسامح وحسن المعاملة وغيرها من أمهات الأخلاق التي جاء بها الإسلام وحث عليها ورغّب فيها وجعلها ميزان التفاضل عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة، كما أنه بالمقابل يطهر النفوس المؤمنة من رذائل الأخلاق كالشح والبخل والكبر والحسد والرياء وغيرها. فمن لم يستشعر هذا البعد في أخلاقه وتزكيته، ولم يحس بأن هناك تغيراً ملحوظاً وتطوراً محسوساً في سلوكه نحو الأفضل، فليعلم بأنه حرم بعداً مهماً من الأبعاد التي فرض من أجلها الصيام. البعد الاجتماعي: للصيام غايات اجتماعية تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان على مستوى الشعور بالمساواة معه والمسؤولية تجاهه، فرمضان فرصة كبيرة للتواصل الاجتماعي بكل صوره وأشكاله، فأجواؤه الإيمانية المفعمة بالحب والرحمة تساعد على إصلاح ذات البين، وتنقية القلوب من الشوائب والخصومات وملئها بالتآلف والود. كما يعتبر شهر الصيام فرصة لمضاعفة بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وتعميق العلاقات الاجتماعية، كما يعمق رمضان لدى الصائم الشعور بآلام الآخرين وحاجاتهم ومعاناتهم، عندما يعرف عملياً معنى الجوع وفقدان الطعام والشراب، فيدفعه ذلك إلى مواساة إخوانه الفقراء والمساكين والمعدمين والمحتاجين فيمدهم بالبذل والعطاء والجود والإحسان، وهذا من أعظم صور التكافل الاجتماعي. فهو يتأسَّى برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقد روى ابن عباس: (كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان). وعن أمِّ عمارة بنت كعب الأنصارية أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليها فدعت له بطعام فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ الصائم إذا أُكِل عنده صلَّت عليه الملائكة حتَّى يفرغوا)، وقال أيضاً صلَّى الله عليه وسلَّم: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء) رواه الإمام أحمد. فبهذه القيم والفضائل التي يبثها الصوم في المؤمنين يصبح المجتمع مترابطاً متماسكاً تذوب أمامه كل التحديات والصعاب. البعد الصحي: يفيد علماء الطب أن فوائد الصوم لصحة الإنسان وسلامة بدنه كثيرة جداً، منها ما يتعلق بالحالة النفسية للصائم وانعكاسها على صحته، حيث إن الصوم يسهم مساهمة فعالة في علاج الاضطرابات النفسية والعاطفية، وتقوية إرادة الصائم، ورقة مشاعره، وحبّه للخير، والابتعاد عن الجدل والمشاكسة والميول العدوانية، وإحساسه بسمو روحه وأفكاره، ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر بصورة تلقائية على صحة الإنسان. ومن فوائد الصوم، كونه يسهم في علاج الكثير من أمراض الجسم، كأمراض جهاز الهضم، مثل التهاب المعدة الحاد، وأمراض الكبد، وسوء الهضم، وكذلك في علاج البدانة وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وخناق الصدر والربو القصبي وغيرها. ولأهمية البعد الصحي والوقائي للصيام وفعاليته العلاجية والوقائية، جعلت بعض الدول الأوربية أن تفتح أقسام طبية تستخدم الصيام في علاجها لبعض الأمراض. يقول الله تعالى: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ “البقرة: 184”. وجاء في الحديث: ( صوموا تصحوا). خلاصة القول إن شهر رمضان بما فيه من غايات ومقاصد، تحول نفس الإنسان إلى نفس ملائكية تسعى نحو الخير والحب والسلام، فلابد أن نخطط لهذا الشهر الكريم لكي نحوله إلى طاقة روحية تربوية توقد مشاعرنا بمسؤوليتنا تجاه أنفسنا ومجتمعنا. الصيام جُنّة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (كل عمل بن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه). وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©