الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحوار مع الجوار خوار!

4 أغسطس 2015 22:35
فور توقيع الاتفاق النووي مع إيران تغيرت تماماً لهجة التحليل العربي للحدث.. بل لكل الأحداث الإقليمية المرتبطة بالاتفاق الغربي الإيراني، ورأينا وسمعنا مقاربات ومقارنات لم يكن لها وجود قبل توقيع الاتفاق، وركزت التحليلات العربية على ضرورة إجراء حوار عربي إيراني تركي والبحث عن العوامل المشتركة، بل والدعوة إلى محور أو تحالف عربي إيراني تركي، ولست أدري ضد من هذا المحور أو حتى لصالح من! وهذه التحليلات العربية التي تصاحب كل حدث أو تتلوه تؤكد أن العقل العربي الجمعي والسياسي بالتحديد هو عقل رد الفعل، وليس عقل الفعل أو هو العقل التابع وليس المستقل.. وهو العقل الذي يبرر ولا يقرر.. والذي يشخِّص المرض بعد استفحاله ولا يصف ولا يعرف العلاج كما لا يعرف الوقاية التي هي خير من العلاج.. كما أنه عقل مستهلك للأحداث وليس صانعاً ولا منتجاً لها، وكذلك هو عقل المتفرج على المسرحية أو المباراة وليس عقل المشارك في أي منهما. والعقل العربي تابع للسان العربي وليس قائداً ولا سابقاً له، فالعربي يقول قبل أن يفعل أو دون أن يفعل أو يقول ما لا يفعل (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). ويقال إن العاقل من سبق عقله لسانه، وإن الأحمق من سبق لسانه عقله، والمرء مخبوء تحت لسانه، فإذا نطق أزال الخفاء والاختباء والغطاء، والتفكر رداء العقل واللسان الثرثار هو عري العقل، فمن سبق لسانه عقله كمن تعرى وتجرد من ثيابه. والحق أن العرب عراة فكر وعقل بسبب الثرثرة التي لا معنى لها سوى الحماقة. فجأة وبعد التقارب الأميركي الإيراني رأى العقل العربي التابع أن إيران يمكن أن تكون حليفاً وصديقاً، فالرأي ما رأى الغرب وبالذات أميركا.. وهذه التبعية الفكرية والسياسية توقعنا دائماً في السذاجة وتسطيح الأمور وسياسة المناقصات والمزايدات، بمعنى أننا ننقل العطاء من جهة إلى جهة، وندخل المزاد لنبيع أو نشتري المواقف.. ولا يرسو على العرب أي مزاد.. فلا أحد يشتري مواقفنا ولا أحد يبيع لنا مواقفه.. وبضاعتنا كاسدة، وليس عندنا ما نساوم به أو نقايض به. الكلام هو بضاعتنا الرائجة التي عندنا منها فائض كبير يكفي العالم كله، بينما عندنا ندرة وجدب وجفاف في الفكر والفعل إلا الفعل الشرير والإرهابي ضد بعضنا.. فالتدين كلام، والسياسة كلام، والإنجازات كلام، والعمل العربي المشترك كلام، والقوة العربية المشتركة كلام، والأمن القومي العربي كلام، كما كانت الوحدة العربية كلاماً، وكانت وستبقى القمم والمؤتمرات واللقاءات العربية كلاماً.. ولو فعلنا عشر ما نتكلم به وعنه لأصبحت أمتنا سيدة الأمم، ولم يحدث مرة واحدة أن كانت المواقف والحروب والأفكار العربية فعلاً استباقياً سواء كانت مواقف مع أمر ما أو ضده، لكنها كانت دوماً مواقف ردود أفعال دفاعية تالية للأحداث ومتأخرة جداً اعتماداً على المثل العربي الشهير والخاطئ والكارثي «أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً»، والحق أن عدم الوصول أبداً خير من الوصول متأخراً.. لكننا نبرر التأخر والتقاعس وخلف الوعد الذي هو آية من آيات المنافق. وعندما انطلق المحللون العرب أو المنجمون السياسيون العرب أو الدجالون العرب، وراحوا يدعون إلى الحوار والتحالف مع إيران وتركيا بعد الاتفاق النووي الموقع بين الغرب وطهران، اندفعت أسئلة كثيرة إلى رأسي ورأيت وأيقنت أن كل إجاباتها (لا)؛ لتكون النتيجة الحتمية لمدرسة التحليل العربي وأكاديمية الثرثرة العربية «لم ينجح أحد».. فقد رأى الدجالون العرب الذين يقبضون ثمن الثرثرة على الفضائيات ملايين من مختلف العملات، أن قرار الحوار، أو التحاور، أو التحالف، أو التمحور مع إيران وتركيا عربي بطريقة «كن فيكون»، ولم ترد في أذهانهم كل الأسئلة التي إجابتها (لا).. ومنها وليس كلها: هل تقبل إيران وتركيا التحالف والتحاور مع العرب؟ هل مدت إيران يدها إلى يد الإمارات الممدودة منذ زمن طويل للحوار والحل السلمي أو التحكيم بشأن جزر الإمارات المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى؟ وهل هناك ما يضطر إيران وتركيا للتحاور أو التحالف مع العرب وهما تفعلان في المنطقة العربية ما يحلو لهما بلا حوار ولا تحالف؟ وهل العرب صوت واحد وكتلة واحدة في أي أمر حتى يكونوا صوتاً واحداً وكتلة واحدة في التحاور والتحالف مع إيران وتركيا؟ بل هل الساسة والفرقاء في البلد العربي الواحد صوت واحد وكتلة واحدة أمام إيران وتركيا؟ وهل نجح الحوار العربي العربي على مستوى الأمة كلها أو على مستوى البلد الواحد حتى ينجح الحوار العربي التركي أو الحوار العربي الإيراني؟ هل يمكن أن تتحالف تركيا وإيران مع العرب ضد الإرهاب وهما أكبر داعمتين للإرهاب في الدول العربية؟ وهل يمكن أن تتحالف تركيا وإيران مع العرب ضد إسرائيل وهما أكبر حليفتين لإسرائيل بعد أميركا في السر والعلن؟ وهل تعاني إيران وتركيا من الإرهاب لكي تتحالفا مع العرب ضده؟ هل يمكن أن تتخلى إيران وتركيا عن أطماعهما الإقليمية بعد أن حققتا كثيراً من هذه الأطماع وصار نفوذهما وتأثيرهما في المنطقة لا مفر منه؟ هل هناك شجاعة عربية كافية للاعتراف بأن إسرائيل لم تعد العدو الأول.. بل لم تعد عدواً على الإطلاق للعرب إذا قورنت بالعداء الإيراني التركي للعرب وبالتحدي الإرهابي المدعوم منهما ضد العرب؟ منتهى السذاجة والغفلة أن يقال إن الخلاف المذهبي أو الاختلاف المذهبي بين تركيا وإيران يمكن اللعب عليه عربياً -أي يمكن للعرب اللعب بورقة إيران ضد تركيا أو اللعب بورقة تركيا ضد إيران- فالمسألة المذهبية لا وجود لها إلا في العقل العربي المتطرف والتصنيفي والتقسيمي، بينما لا قيمة لها وليست حجر عثرة في التقارب والتحالف الإيراني التركي الأميركي ضد العرب، فإيران وتركيا تصدران للعرب ما لا تؤمنان به ولا تقيمان له وزناً وهو التصنيف والتقسيم المذهبي، فالأكراد في معظمهم سنة ومعتدلون جداً وعقلاء، لكن تركيا تحاربهم بكل ما أوتيت من قوة، بينما تدعمهم إيران الشيعية. فالمذهبية والطائفية توجدان وتزدهران في الأمة العربية، وهما مصنوعتان في طهران وأنقرة خصيصاً للعرب، لذلك لا توجد أي أوراق عربية يمكن أن نلعب بها على طاولة الحوار والتحالف مع إيران وتركيا أو أي قوة أخرى. وإيران وتركيا مثل إسرائيل تماماً تخلقان واقعاً على الأرض قبل الجلوس على طاولة التفاوض، وهكذا يكون التفاوض على المستحيل مستحيلاً، ويكون الحوار مع دولتي الجوار مجرد خوار! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©