الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استراتيجية مصر تجاه غزة

25 فبراير 2009 01:00
كان واقع الأمور قبل حرب غزة غير مقبول لأي من الأطراف ذات العلاقة، ولم تكن ''حماس'' مقتنعة بوقف إطلاق النار الذي أبقى قطاع غزة معزولاً عن العالم، وتحدت معاناة الفلسطينيين داخل غزة المحاصرة ادعاءات ''حماس'' بالفاعلية كحكومة قادرة على تحقيق احتياجات شعبها· لم تشعر إسرائيل، من ناحية أخرى إنها مرتاحة من اختباء عدوتها اللدودة وراء وقف إطلاق نار هش بينما تقوم ببناء ترسانة من صواريخ بدائية، لكنها مزعجة· لم يكن قلق إسرائيل نابعاً من هذه الصواريخ، بل من المعاني الضمنية طويلة الأمد في حال استمر هذا الوضع· كانت تلك هي الحالة بالذات عندما لم تثبت عملية تشديد الخناق على قطاع غزة إنها فاعلة في تلطيف موقف ''حماس''، لذا اضطرت إسرائيل، أن تلجأ للحرب هرباً من شرك وقف إطلاق النار الذي استمر ستة شهور والذي روضتهما مصر لقبوله· تقف مصر محشورة بين إسرائيل و''حماس'' لا يوجد من وجهة نظر مصر أية معادلة دائمة للمصالحة بين ''حماس'' اليوم وإسرائيل· وهناك فقط ترتيبات انتقالية مثل هدنة تدوم ستة أشهر، يمكن التوصل إليها تحت هذه الظروف المقيدة· استراتيجية مصر نحو الوضع في غزة هي استراتيجية متجزئة وطويلة الأمد، بينما يسارع الطرفان المباشران في الصراع نحو التوصل إلى نتائج فورية· لدى القاهرة مصادر قلق متعددة فيما يتعلق بالوضع في غزة، واهتمامها الرئيسي هو منع الفصل- تحت الأمر الواقع- بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ليصبح تقسيماً ثانياً لفلسطين· كذلك تحرص مصر على عدم تجويع شعب غزة، فمعاناة هذا الشعب تضع مصر تحت ضغوط محلّية وإقليمية لا تحتمل· وتؤمن مصر أن ''حماس'' يجب أن يتم احتواؤها بشكل تدريجي كجزء لا يتجزأ من القوة المتطرفة التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط· وفي الوقت الذي تتشارك فيه إسرائيل مع مصر هدف احتواء الراديكالية والتطرف، إلا أنها تظهر عدم اكتراث تجاه توجه مصر التدريجي· وتشهد حرب غزة الأخيرة على الخلافات المصرية- الإسرائيلية في هذا المجال· ويشكّل النزاع في غزة حرباً أخرى غير حاسمة في الشرق الأوسط، وهي غير حاسمة فيما يتعلّق بطبيعة العلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وكذلك فيما يتعلّق بالعلاقات بين مصر وإسرائيل· ما يدعو للسخرية في حرب غزة هو أن ثمنها الإنسانيّ لا يؤهّلها لأن تكون نقطة تحوّل في سياسة الشرق الأوسط· وتخلق الأسئلة العديدة التي تُرِكَت دون إجابة مع انتهاء الحرب الكثير من الشكوك وعدم الوضوح· وضمن المنطق نفسه، لا تبدو حرب غزّة نقطة تحوّل في العلاقات بين مصر وإسرائيل، والتي ستسودها على الأرجح غيوم من الشكوك الإقليمية· يتوجب مراقبة ثلاثة مصادر لمثل هذه الشكوك عن كثب في الأشهر القليلة القادمة: طبيعة التحالف الحاكم الجديد في إسرائيل، واستراتيجية ''حماس'' ما بعد الحرب، والفاصل الإقليمي بين المتشددين والمعتدلين في الشرق الأوسط· وسيكون توجه مصر نحو إسرائيل على الأغلب محكوماً بسياسة عامة تهدف إلى إحداث توازن بين القوى المتصارعة في المنطقة· وتنقل المفاوضات المطولة المتعلقة بتعزيز وقف إطلاق النار الهش في غزة شعوراً بكيف يمكن للعلاقات بين مصر وإسرائيل و''حماس'' أن تبدو في المستقبل· سوف تسير مصر على حبل مربوط بين ''حماس'' وإسرائيل ومتطرفي الشرق الأوسط لشهور عديدة قادمة· ورغم أن مصر تمكنت من إفشال المحاولات المتطرفة لوضعها في الزاوية خلال نزاع غزة، فإنها مهتمة كذلك بإصلاح الضرر الذي أصاب صورتها من قبل وسائـــل إعــلام المتطرفين· وما زالت مصر بحاجة للحصول على تعاون ''حماس'' حتى تتمكن من متابعة سياسة تسوية فلسطينية، خاصة وأن تجديد العملية السلمية هو طريق الخروج الآمن من المستنقع الحالي في الشرق الأوسط· جمال سلطان أستاذ زائر في العلوم السياسية بالجامعة الأميركية - القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومون جراوند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©