الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حزب «الإخوان»... استنساخ لـ «الوطني»!

7 أغسطس 2011 22:56
حتى سنوات قليلة ماضية كان مجرد طرح فكرة إنشاء حزب سياسي لـ"لإخوان المسلمين" يعد تحولاً في نهج الجماعة حول قضية طالما كانت تعتبر من الأسس الفكرية التي كان يتمسك بها مؤسس الجماعة حسن البنا في رفضه لفكرة التحزب. وهو ما يفسر الجدل حول إنشاء الحزب على مدار السنوات الماضية، والذي طرحت خلاله تصورات لبرنامج الحزب المزمع إنشاؤه، والذي لاقى مضمونه تحفظاً من جانب الكثيرين حول قضايا أساسية. واستمرت حالة التذبذب هذه إلى أن جاءت المفاجأة وهو نجاح ثورة 25 يناير في إطاحة النظام وإسقاطه بطريقة دراماتيكية أدهشت الجميع، خاصة أن "الإخوان" ليسوا هم من فجرها بل الشباب الجديد غير المتحزب وغير المؤدلج، وإن التحق بها "الإخوان" بعد قيامها، دون أن يميزهم ذلك عن غيرهم من باقي القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت محل جدل عند "الإخوان" أنفسهم. ثم إنه على مدار العقود الماضية كان "الإخوان" رواد المظاهرات، لاسيما في الجامعات، وهو الأمر الذي كان يعطي الثقة لقياداتهم بأنهم موجودوين ويستطيعون تحريك الشارع لصالحهم عندما تسنح الفرصة، فإذا بهم يفاجئوا بأن الشارع يتحرك بدونهم وليس تحت قيادتهم. لقد سقط النظام الديكتاتوري الذي كانوا يستمدون منه شرعيتهم وتعبئتهم لقطاع كبير من الشارع، كونهم مقهورين ومكبوتين تحت سلطويته، وهم في ذلك لم يكونوا استثناءً من كل القوى وباقي الشعب المصري، لكن تسليط الإعلام عليهم والتوظيف السياسي من قبل النظام بتخويف المجتمع منهم، جعل منهم شأناً مختلفاً. لذلك نجد أن سقوط النظام جعلهم في حالة من البحث عن شرعية جديدة يعيدون تقديم أنفسهم بها. فشرعيتهم كانت قائمة في الماضي على محاربة النظام الذي سقط. ومع تسارع النتائج الإيجابية للثورة، تم الإفراج عن "حزب الوسط" الذي يمثل صورة معتدلة في مرجعيته الإسلامية، حيث إن مؤسسيه معظمهم من المنشقين عن جماعة "الإخوان المسلمين"، لكنهم ذوو رؤية عصرية للواقع السياسي تتعارض مع الرؤية المحافظة للجماعة. كل تلك الظروف جعلت "الإخوان" يسارعون لمناقشة خيار إنشاء حزب سياسي، ولم يمر أكثر من شهرين حتى حسم مجلس شورى "الإخوان" في اجتماعه يوم 30 أبريل 2011 قرار إنشاء حزب باسم "العدالة والحرية"، واختيار رئيس له ونائبين وأمين عام، كلهم من كوادر الجماعة. إلا أن طريقة ميلاد الحزب وتعاطي الجماعة معه، هذا بخلاف البرنامج الذي كانت عليه تحفظات من الرأي العام، أمور باتت تثير الكثير من علامات الاستفهام: فأولاً، الحزب سوف يمثل الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين"، على حد تعبير خيرت الشاطر في حواره في جريدة "الأهرام" عدد 5 مارس 2011، وهو ما يعنى أن الجماعة لن تتحول إلى حزب وإنما هي تخلق مؤسساتها السياسية متمثلة في الحزب ومؤسساتها الاقتصادية، متمثلة في مشاريعها الكثيرة، والتي يعد الشاطر نفسه أحد رجال أعمالها. ومن ذلك نتوقع أنه قد يتم الحديث عن الجناح العسكري أيضاً، وهو ما يعني بطريق غير مباشر نفياً للأسس التي قامت عليها مدنية الدولة المصرية الحديثة. وثانيا؛ إن الشكل الذي أعلنت به الجماعة عن إنشاء حزبها يذكرنا بالطريقة التي جاء بها "الحزب الوطني الديمقراطي" الذي أنشأه السادات في أواخر السبعينيات ليكون حزب الدولة ونخبة السلطة بمستوياتها المختلفة. وبالمثل، فـ"الإخوان" يتصرفون على ذلك النحو، لكن بدل الدولة هناك الجماعة بمرشدها، والحزب بمثابة ذراعها الذي يأتمر ويخضع لقادتها. بتلك الطريقة أنشأ "الإخوان" حزباً يحاول الظهور كما لو أنه منفصل عن الجماعة، لكنه في الواقع -كما قال خيرت الشاطر- هو الجناح السياسي للجماعة، مما يؤكد أنهم لم يستوعبوا الظروف التي قادت إلى ثورة 25 يناير وحققت نتائجها بهذه السرعة، حيث كان شباب الثورة في تحركهم أكثر عقلانية من معظم القوى السياسية، بما فيها "الإخوان المسلمون"، فقد انطلقوا من العالم الافتراضي وترجموا أحلامهم وأفكارهم على أرض الواقع ولم يتكتلوا داخل إطار تنظيمي يقيدهم كما فعل "الإخوان" الذين يقدسون الأشخاص والأفراد، وهي المفردة التي ضربت بها ثورة الشباب عرض الحائط عندما تحول الجميع إلى كيانات فاعلة دون تمييز في روح جماعية. لكن يأتي "الإخوان" الآن لينشؤوا حزبهم، وبدلاً من تحول الجماعة إلى حزب سياسي يصرون على رؤيتهم القديمة حول إنشاء دولة موازية داخل الدولة، ليؤكدوا بذلك أنهم يسيرون بنفس نهج ديكتاتورية النظام السابق في طريقة بناء شرعيتها، والتي سوف تكون عند "الإخوان" ميسورة مادامت مرتكزة على الخلفية الدينية. وعلى ما يبدو، لم يستوعب قادة وشيوخ "الإخوان" فلسفة ثورة الشباب التي يفترض أنها غيرت من عقلية الجماعات الدينية، بمراجعة الكثير من الأفكار والرؤى التي قد يكون الإصرار عليها بداية النهاية لهم كجماعة، مثلما حدث للنظام السابق نفسه. إن إنشاء حزب سياسي أمر محمود في ظل هذا الحراك السياسي، لكن ليس بعقلية الديكتاتورية والسخرية من الواقع المدني والمجتمعي لدولة تزخر بتراث ثقافي وحضاري تم تدشينه عبر مائتي سنة من عمر المجتمع المصري الحديث. عزمي عاشور - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©