السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نظريات إبداعية إسلامية في صناعة قوارير العطور

نظريات إبداعية إسلامية في صناعة قوارير العطور
7 أغسطس 2011 22:16
رغم أن الإسلام منع النساء من إبراز زينتهن وإتاحة شم عطرهن للغرباء فإن هذا التقييد لم يكن وارداً، وهن داخل بيوتهن وأمام بعولتهن، بل كان العكس هو الصحيح إذ أمرت المرأة بالحرص على التزين والتطيب. وكانت زجاجات العطور وقماقم الطيب من أهم ما تحرص النساء على اقتنائه فهي من مقتضيات الاهتمام بالزينة، وسعى الفن الإسلامي إلى تلبية هذه الاحتياجات فصنع قنينات العطور والقماقم من الزجاج والبللور الصخري، فضلاً عن المعادن وأكثرها شيوعاً البرونز مع أمثلة قليلة صنعت من الفضة والذهب. ولدينا على مر العصور الإسلامية قنينات عطر زجاجية تبرهن على العناية التي أعطتها النساء لأدوات التعطر فهي جميعاً جاءت حافلة بالألوان والزخرفة حتى في الأمثلة المبكرة التي صنعت في العصرين الأموي والعباسي. ومن المعروف أن المسلمين استلهموا في صناعتهم الزجاجية نفس التقاليد القديمة فشكلوا منتجاتهم بالنفخ في قالب أو بالنفخ الحر، فضلاً عن الصب في قوالب. أما من ناحية الزخرفة فقد استخدمت الألوان والتضليع الذي يتخذ هيئة خلايا النحل، وكذا الضغط على جدار الأواني بآلة خاصة تشبه الملقاط يضغط بها على جدار الإناء وينتج عن ذلك زخارف غائرة من ناحية وبارزة من ناحية أخرى، وهي عادة صور حيوانات أو طيور أو كتابات عربية. وعرف صناع الزجاج أيضاً الزخرفة بالحز أو الحفر أو القطع بواسطة العجلة، كما تحدث الزخارف أيضاً بواسطة الإضافة وتكون هذه الإضافة خيوطاً من الزجاج تثبت وهي لينة على جدار الآنية ثم تضغط عليه وتسوى بسطح الإناء وعندئذ تكون ما يشبه عروق الرخام المتعرجة المتعددة الألوان. وقد تكون الخيوط الزجاجية ملصقة فقط على الجدار من دون ضغطها فتبدو بارزة. ابتكارات أضاف الفنانون المسلمون ابتكارات خاصة بهم للصناعات الزجاجية فقلدوا هيئة البللور الصخري وأعطوا بعض قنينات العطور المصنوعة من زجاج سميك بنفس الأضلاع المنشورية المألوفة في أحجار الكريستال، كما استخدموا ألوان البريق المعدني الذهبية بدرجاتها المختلفة في زخرفة الزجاج، وهي عبارة عن أكاسيد معدنية يتم الرسم بها ثم تثبت بالحرق تحت درجات حرارة منخفضة. وبلغت إبداعاتهم الفنية ذروتها باستخدام التمويه بالمينا المتعددة الألوان في زخرفة الأواني الزجاجية المختلفة وخاصة قنينات العطور ومشكاوات الإضاءة. أما أشكال القنينات التي استخدمت لحفظ العطور فقد تباينت في الفترة الإسلامية المبكرة قبل أن تستقر على أنماط تعتمد الفوهة الضيقة كصفة رئيسة مميزة لها فحتى القرن الثالث الهجري “9م” كانت هناك قنينات ذات فوهات متسعة نسبياً اعتماداً على استخدام أغطية زجاجية محكمة أو سدادات وساعد على ذلك أن معظم الروائح كانت زيتية ولا تتعرض لمخاطر التبخر السريع بمجرد تعرضها للهواء. ويغلب على قنينات العطور المبكرة استخدام النفخ في القالب لإنتاج قنينات سميكة لا تتعرض للكسر بسهولة للحفاظ على محتوياتها الثمينة، ولذا جاءت ذوات أبدان مضلعة وبعضها له هيئة خلايا النحل والبعض الآخر تتحد خطوطه البارزة عند قاعدة القنينة وانتشرت أيضاً قنينات من أشكال مختلفة منها ما هو كروي الشكل ومنها ما هو متعامد الأضلاع مع ميل خفيف للداخل سواء عند القاعدة أو عند القمة وفي تلك الأنواع الأخيرة والتي تم تشكيلها بالنفخ الحر وليس في قالب غلبت عليه زخارف عروق الرخام وهي منفذة بخيوط زجاجية متعددة الألوان لصقت على جدر القنينات وهي ساخنة ثم ضغطت لتسوى بسطح القنينة تماماً وقد يحاكي بعضها عروق الرخام بطريقة حرفية ومنها ما يسعى لتعدد الألوان البراقة لإعطاء منظر بهيج دون التزام بمحاكاة هيئة الرخام الطبيعي. ما إن أخذ الفن الإسلامي في التطور حتى شرع الفنانون في ابتكار أشكال جديدة للقنينات وخاصة في إيران وتركيا بدءاً من العصر السلجوقي وفي مصر والشام منذ عهد الفاطميين حتى عدت قنينات ما تلا ذلك من عصور تحفاً فنية. النفخ الحر ومن أجمل أمثلة قنينات العطور التي أنتجت ببلاد الشام خلال العصر المملوكي قنينة من زجاج مشكلة بالنفخ الحر وهي ذات بدن كروي ينتهي من أسفل بقاعدة مستوية غير مرتفعة وبنهاية البدن الكروي المنفوخ عنق طويل دقيق يضيق كلما اقتربنا من فوهته للتحكم في تدفق العطر عند الاستخدام وقد أضيف مقبضان عند بداية العنق لتسهيل الإمساك بالقنينة. أما تزيين القنينة فجاء ليمزج بين تقليد قديم نجده في العنق الذي زخرف بخطوط زجاجية بيضاء على أرضية سوداء وفي ذلك محاكاة حرفية لهيئة الرخام، بينما زخرف البدن الكروي بخطوط زجاجية ألصقت تماما بالبدن الخارجي وفقا لخطة لونية تمزج برشاقة بين الألوان الزرقاء والبيضاء والصفراء على أرضية سوداء وهي من التطورات الزخرفية التي أضافها صناع الزجاج للتقليد القديم. ومن نفس الفترة لدينا قنينة من الزجاج صنعت بالنفخ الحر، وهي تنسب لسوريا في القرن السابع الهجري “13م”، وهي ذات بدن يشبه الدائرة التي تنتهي برقبة طويلة وضيقة وهي تزدان برسم لسيدة تمسك في يدها اليمنى كأسا وتحيط بها رسوم أوراق نباتية وأشكال المراوح النخيلية، وقد رسمت على أرضية سوداء باستخدام المينا المتعددة الألوان مع التذهيب وهي من أجمل القطع المعروفة من هذا النوع. الخزف الصيني والإيراني وقنينات العطور لم تصنع من الزجاج فقط، وإنما صنعت أيضاً من الخزف المتعدد الألوان، وكانت إيران صاحبة الريادة في هذا المجال بدءاً من العصر الصفوي. ومن أجمل أمثلة قنينات العطور الخزفية قنينتان متماثلتان من ناحية الشكل مع تباين في الخطة الزخرفية، فكل منهما له قاعدة منخفضة ينطلق منها بدن كروي رشيق ينتهي برقبة ذات سدادة من الفضة وهما من ناحية الهيئة غاية في الدقة بجمال نسبهما وتناسب البدن مع الرقبة الطويلة. أما من الناحية الزخرفية فقد قسمت واحدة منهما بواسطة خطوط باللون الأزرق التركوازي إلى مناطق بيضاوية تنتهي من جهة القاعدة بشكل القلب واستخدم اللون الذهبي في رسم عناصر نباتية من أوراق وورود تشبه إلى حد بعيد رسوم الخزف الصيني وإن تميزت بمراعاة التماثل والتوازن في توزيع تلك الرسوم، وهو ما يؤكد نسبتها لإيران في القرن الحادي عشر الهجري “17م”. أما القنينة الثانية فمزج الخزاف في زخرفتها بين اللونين الأزرق والذهبي وقسم البدن إلى مناطق بواسطة خيوط ذهبية تنتهي بخطوط زرقاء وزين المناطق بالتبادل فمنطقة بزخارف زرقاء بها رسوم عمائر ونباتات صينية الهيئة ومنطقة تالية باللون الذهبي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©