الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم: دموع أمي وطفلي الجنين وراء خروجي من بئر الإدمان

25 فبراير 2009 00:52
سعادة لحظات قد تتحول لآلام سنين أو قد تفضي بحياة الإنسان للنهاية، وتدفعه في هوة سحيقة من الآلام غير المتناهية، بإرادة أو بغيرها قد يجد الإنسان نفسه في دائرة من الأوجاع والأوحال والأمراض التي تدمر حياته للأبد، هكذا حال بعض من ساقتهم الظروف لتعاطي المخدرات بأنواعها، أو الاقتصار على بعضها، يبدأون بتحقيق اللذة ليدركوا في وقت متأخر أنهم لم يتذوقوا طعم الحياة وفرحتها، بل تاهوا بين دروب السعادة المزيفة، يصعب حالهم وتتشابك خيوط الآفة وتلتف حول أعناقهم، ويصعب الخلاص من قبضتها، لكن هناك حالات حققت المعجزة وأدركت أن التغيير ممكن وأن الإقلاع صعب ولكنه ليس مستحيلا، عملت وجاهدت النفس ودربتها على الإرادة وطوعتها للتخلي عن الذمائم والرذائل والعادات السيئة· كلمة غيرت حياتي حالات الإدمان الشديد يصعب علاجها لأن الإدمان يتحول إلى مرض مزمن، لكن هناك دائما قصصا لقهر الذات وترويضها والتغلب على ضعفها، وهناك دائما رسائل أمل قوية تكمن في أن الإرادة قاهرة المستحيل وأنَّ من كان له الإقدام ركابا، يحقق النجاح في أصعب الظروف، ولعل قواعد الحياة تزود العالم بقصص النجاحات المبهرة التي تكاد تكون مستحيلة، هذا حال بطل القصة الذي تعافى وتماثل للشفاء بعد أن كان ميئوسا من حالته، دون تدخل علاجي، برغبته القوية في إسعاد من حوله، وهذا حال بطل قصة اليوم، وهو إبراهيم حيدر، كان شابا في مقتبل العمر، مقبلا على الحياة، يحب السفر بحثا عن الجديد، ويرغب في اقتحام كل ما هو غامض، أحب أن يجرّب كل شيء، والممنوع مرغوب عنده، وما برح أن سقط في هوة لا قرار لها، ولم يستطع الخروج منها أو بالأحرى لم يرد الخروج منها إلا بعد سنوات وبعد أن تعرض جسمه للهلاك والصدأ، لكن في يوم من الأيام استجمع قواه وبدأت الغشاوة تزول من أمام عينيه، مسح الضباب الذي كان يحجب الرؤية الواضحة للأمور، وقال كلمته، وكانت بعزيمة من ذهب، هذا سر إبراهيم حيدر وسر حياته مع كبوة المخدرات وبالتحديد الكحول، ومع نهضته وتألقه من جديد، ويقول بافتخار: الدلال سر الهلاك '' كنت مدلل العائلة فأنا الوحيد بين البنات، ولم تكن والدتي ترفض لي طلبا أبدا وتغدق علي بدون حساب، كان كل شيء في متناول يدي، عشقت السفر، وبحثت عن المتع في كل اتجاه، وأدركت أن لاشيء يحقق لي ذلك، لم أذق طعم الجوع حتى أعرف سعادة الشبع، ولم أعرف الحرمان يوما لأدرك أن هناك من يعاني من ذلك، تمرّدت على كل شيء، وزاد عنادي عندما تعرفت على مجموعة من الأصدقاء، وهنا بدأ التحول من تمرد طفولي للإحساس بكياني كرجل وخصوصا أمام أصدقائي الذين كانوا ينظرون لي نظرة الطفل المدلل، وكانت رغبتي قوية في تغيير مفاهيم الطفولة لرجولة، باقتحام المخاطر والصعوبات واكتشاف عوالم الأكثر غموضا بحثا عن السعادة من جهة وتحديا لرجولتي، تنافسنا على البحث عن المحرمات ودخلنا عوالم المخدرات وبدأنا لحظات مزيفة، كنا نجلس الساعات الطوال في أحضان هذه الرذائل، ومرت سنوات وافترقنا، ولم أفترق أنا عن هذه البلوى، عانى أهلي كثيرا من جراء ذلك، بداية كنت أتعاطى في الخفاء، لكن عندما استفحلت حالتي لم يعد الأمر خفيا على أحد، تعذبت أمي كثيرا من جراء ذلك، مرت السنوات وازدادت حالتي سوءا فلم أعد أكتفي بالقليل، تضاعفت معاناة أهلي، فكل ما أقوم به يؤدّي إلى الفحشاء والمنكر، استمر ذلك سنوات، حتى لم تعد رجلاي تقوى على حملي، تهالك جسدي، ولم أعد إلا بقايا إنسان''· وكانت المعجزة ويضيف إبراهيم: ''كنت أرقب والدتي تبكي ليل نهار، لا تغادر البيت خوفا على إخواني الصغار من بطشي، وفي يوم أذكره جيدا جاءت إلي تحدثني، وقالت: ''هل تريد أن تتزوج يا إبراهيم؟'' فاجأني سؤالها، وقلت لها من ترضى بي زوجا وأنا بهذه الحال؟ قالت لا يهمك، فقط أنت قل نعم وسأتدبر الأمر، والعروسة ترغب بك رجل حياتها، وإذا وافقت سأقيم لك أجمل عرس، المهم كن رجلا ولا تخيب ظني بك، كانت كلماتها كوقع السيف على عنقي، كانت كلماتها نفاذة، اخترقت فشلي وإهمالي وجبني، قبلت بالزواج وقررت أن أتغير، وحقيقة أنهم لم يخبروا الزوجة عن حالتي، أغدقوا عليها في العطاء وجاءت للبيت، وكانت كلمات والدتي رنانة في أذنيّ ولم أستطع التخلص منها، بدأت أتحاشى الظهور في وضع غير لائق أمام زوجتي، وأتجنب حالات الضعف أمامها، مرت أيام بدأت أخفف من التعاطي للكحول، ومن حسن المصادفات أن قبل طلبي للعمل بأميركا، سافرت بداية ولم آخذ زوجتي، وهناك بدأ التغيير، أدركت معنى العيش بعيدا عن دفء الأهل والوطن، عرفت معنى الجوع والحاجة، فظروف العمل ليست سهلة، ولا تتيح أميركا للفرد كل ما يرغب به، قررت أن أبدأ من جديد، قررت ذلك من أجل أمي، من أجل زوجتي، وقلت في نفسي: لماذا تعاملني بكل الطيبة وأخدعها بهذه الممارسات؟ وتتالت الأسئلة وبدأت أبحث عن العزيمة بداخلي، وجدتها موجودة وقوية وتنتظر فقط إشارة الانطلاق، روضت نفسي وقهرتها واستحملت الآلام والأوجاع والمحن، لم يكن الأمر سهلا، لكني كنت سعيدا بتحقيق ذلك، وتحمل كل الآلام من أجل عائلتي، اعترضتني الصعوبات ونوبات الفشل مرات عديدة، وكدت أنهار من جديد، لكن ما منحني قوة الإرادة من جديد والعزيمة هو خبر حمل زوجتي، حينها فقط قررت أن أكون أبا صالحا، تحملت الوحدة والألم والمرض، فطريق الخلاص ليس سهلا ولكن النجاة ممكنة، وفي متناول يد الراغب بها بقوة شديدة، واستطعت ذلك، ومرت سنتان وأنا في بلاد الغربة أروض نفسي وأشتغل، ولما عدت من جديد لم تسع الدنيا والدتي فرحا، وذهبنا جميعا لقضاء مناسك الحج، أطلب الصفح منها، وأدعو الرحمن أن يتجاوز عن خطاياي''· هزيمة الإدمان إن من نعم الله على عبده المؤمن أن يجعل له بصيص أمل يبصر به النور في كل مصيبة تقع له، ومن خلاله تشع أنواره على الجوارح حتى يكون نبراسا يضيء طريق الخير والهدى والسعادة والراحة، ومن هذا المنطلق ونتاجا لقصة هذا الشاب الذي كان مثالا للتحدي والتغلب على مصاعب المخدرات، من هنا انطلق الدكتور أحمد يوسف محمد علي، استشاري نفسي ومدير المركز الوطني للتأهيل، لشرح كل الصعوبات للعلاج والتخلص من الإدمان، وقال: ''هذه القصة تلخص معظم الحالات التي تتقدم للعلاج في وحدات الإدمان وأقسام الطب النفسي سواء طواعية أو قصرا، وأحيانا يحدث التغيير دون مساعدة طبية، وكمثال على ذلك عندما يدمن الشخص في مرحلة المراهقة، يبدأ معظم المتعاطين بمسميات مختلفة في محاولات الاكتشاف سواء برفقة (رفقة السوء) أو عن طريق مسببات مورثة، وهنا الجينات تتفاعل سويا لتحديد من سيتوقف مستقبلا بعد أن يجرب ومن سيظل مقبلا عليها، وهناك مثلا مادة النيكوتين الموجودة بالسجائر قد تكون بوابات يدخل من خلالها المتعاطون إلى عالم الإدمان، هذه كأول نقطة، أما النقطة الثانية فهي أن الإدمان مرض مزمن يصيب الجهاز العصبي للإنسان، ويشارك الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والأزمة في كثير من النواحي، وكمثال على ذلك وجد العلماء أن تزامن المرض مع كل هذه الأمراض الأربعة تكون انتكاسة في السنة الأولى من الإدمان بين 40 و 60% رغم العلاج الطبي''· أما هذه القصة التي نناقشها اليوم فقد انتهت نهاية ناجحة، وهذا التغيير، الذي تم طبيعيا دون تدخل علاجي، هو تحديدا ما تحاول تطبيقه حالياً المدرسة العلاجية السلوكية، فهي تقوم بالعلاج الطبي من الإدمان بالتوازي مع العلاج النفسي، وهذا ما نقوم به كأطباء نفس، إذ نأخذ الإنسان ككل وننظر إلى خلفيته من نواحي صباه والعوامل التي أدّت به للدخول في الإدمان لفهم طبيعة المرض، ويكون العلاج مبنياً على الجانب الطبي والنفسي والاجتماعي''· الدافعية للعلاج يتابع الدكتور محمد علي: ''في الجانب النفسي نركز على التغيير من ناحية دافعية المرء للعلاج وهي عملية ديناميكية، فليس كل مدمن راغباً في تغيير سلوكه، وهناك دائرة معروفة في هذا المجال، أي يمر المرء بعدم الرغبة ثم الرغبة ثم القرار ثم التحرك نحو العلاج والمشاركة، وفي مرحلة من مراحل هذه الدائرة هناك يجب تدخل معين لتحريك الشخص من خلال الدائرة، وقد يؤدي ذلك إلى انتكاسة، ويجب أن نحتاط كثيرا في علاج الإدمان لأنه مرض مزمن، ويتخلص منه الجسم تدريجيا، وكمثال على التدخين فإنَّ أغلب المدخنين يسعون للتوقف عن التدخين، ويمرون بمختلف مراحل هذه الدائرة، أي بعدم الرغبة ثم الرغبة ثم القرار ثم التحرك نحو العلاج والمشاركة، وهم لن يستمروا في محاولاتهم دون رغبة قوية وعزيمة خارقة، حيث غالبا ما نجد معظمهم قد عاد للتدخين من جديد ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©