الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما... كيف يراه معارضوه؟

24 يناير 2014 23:11
في عام 2009، عندما قادت الحملة الانتخابية الناجحة باراك أوباما إلى البيت الأبيض، نظمت مكتبة «ماكنالي جاكسون» لبيع الكتب في مانهاتن معرضاً لنحو 50 كتاباً كان أوباما قد قرأهم في شبابه. وتم اختيار عناوين الكتب بصورة انتقائية، من بينها عدد كبير لمؤلفين أميركيين من أصول أفريقية، مثل «رالف أليسون» و«جيمس بالدوين» و«توني موريسون». وكمرشح رئاسي، أبدى أوباما قدرة ملحوظة عبر تصريحاته الرنانة على تقديم نفسه باعتباره منتسباً هارباً من تلك العوالم التي أنشأها هؤلاء الكتاب، وحذا في كتابة مذكراته الأكثر شهرة «أحلام من أبي» حذو رواية أليسون «الرجل الخفي» المنشورة في عام 1952. وفي حين ظل بطل رواية «أليسون» الذي كان شاباً أسود نموذجياً، شخصاً مغموراً عندما انتهت به الرواية وحيداً في شقته المتواضعة، فاز أوباما في الانتخابات لينتقل إلى البيت الأبيض، مستهلاً ما كان كثيرون يأملون في أن يكون عصراً جديداً لأميركا «ما بعد العنصرية». وعلى رغم ذلك، ثبت أن هذا التفاؤل كان سابقاً لأوانه، ولا سيما أن إشارات مناهضة لأوباما تحمل لغة عنصرية، باتت تظهر في الوقت الراهن أثناء مظاهرات «حزب الشاي»، لدرجة رفع علم «الكونفدرالية» أمام البيت الأبيض للاحتجاج على الإغلاق الحكومي. وفي معرض «ماكنالي جاكسون» كان هناك كتاب استشرف في ذلك الوقت، ما كان يمكن أن يساعدنا في توقع جميع ما يحدث الآن، هو «بينيتو سيرينو»، وهو عمل أدبي رائع ومنسي للكاتب «هيرمان ميلفيل». وفي ضوء البيئة السياسية المشحونة في الوقت الراهن، تستحق الرسالة التي يحملها كتاب «ميلفيل» القراءة مرة أخرى. ويسرد «بينيتو سرينو» قصة «أماسا ديلانو»، القبطان البحري من نيو إنجلاند، الذي قضى يوماً كاملاً في سفينة إسبانية تائهة في جنوب المحيط الهادئ، كانت تحمل أعداداً من الأفارقة، وكان يعتقد أنهم عبيداً، لكنهم لم يكونوا كذلك. وما لم يكن معلوماً لـ«ديلانو»، أن هؤلاء الأفارقة كانوا قد ثاروا وذبحوا طاقم السفينة وطالبوا قائدها بينيتو سيرينو، بإعادتهم إلى وطنهم السنغال. وبعد أن اعتلى «ديلانو» متن السفينة، عارضاً مساعدته، أبقى الأفارقة على ثورتهم سراً وتصرفوا وكأنهم لا يزالون عبيداً، وتظاهر زعيمهم، الذي كان يُدعى بابو، بأنه خادماً مخلصاً لسيرينو، لكنه في الحقيقة كان يراقبه عن كثب. ويسرد «ميلفيل» الأحداث من منظور «ديلانو» الذي لم يكن يعلم شيئاً، وظل طول معظم الرواية يعتقد أن سيرينو هو المسؤول، ولكن بمرور الوقت أثناء اليوم، زاد هوسه ببابو وما يبدو أنه عاطفة لأفريقي يخدم قبطانا إسبانياً. وتخيل ديلانو المنحدر من نيو إنجلاد، والذي كان ليبرالياً في آرائه ومعارضاً للاستغلال بالطبع، أن يخدمه مثل هذا الخادم المطيع والمخلص. وكان «ديلانو» يعتقد نفسه حراً، ويشعر بهذه الحرية في مواجهة «بابو» ذي الوجه المبتسم، مفترضاً أنه ليست لديه حياة خاصة، أو أفكار واهتمامات خاصة. وبذلك، رأى «ديلانو» ما أراد أن يراه، لكن عندما اكتشف في النهاية حقيقة أن «بابو» هو في الواقع من كان يمارس باحترافية كبيرة ضبطاً لأفكاره الداخلية، وأن «ديلانو» وقع أسيراً لأوهامه، رد بعنف وحشي. وربما أن أوباما تفادى مصير بطل رواية «الرجل الخفي»، لكنه لم يتمكن من الهروب من ظلال «بابو»، فهو «بابو»، على الأقل بنسبة لجزء كبير من الشعب الأميركي، ومن بينهم البيض وشريحة من السياسيين «الجمهوريين» وحزب «الشاي» الذين ساعدوا في انتخابه. وتعتمد رواية «بينيتو سيرينو» على حادثة تاريخية واقعية، كنت قد بدأت البحث عنها أثناء إعلان أوباما عرض ترشحه للرئاسة في الفترة الأولى. ومنذ ذلك الحين، أدهشني استمرار المخاوف التي بدأت حتى قبل انتخاب أوباما، من أنه على خلاف ما يبدو، فبدلاً من أن يكون موظفاً عمومياً مخلصاً، ينفذ مؤامرة يسارية حيكت خيوطها قبل عقود لتدمير الولايات المتحدة، أو ربما أنه مسلم سراً يعتزم استبدال الدستور الأميركي بالشريعة الإسلامية، أو أنه مناهض للاستعمار ولد في كينيا يرغب في الثأر لأصوله الأفريقية. ولم يواجه أي رئيس أميركي آخر ـ قبل أن يتولى السلطة ـ معارضة مقتنعة تمام الاقتناع ليس فقط بعدم شرعيته السياسية، ولكن أيضاً بعدم شرعية تواجده في الولايات المتحدة. وكي ينجح كسياسيا، تعين على أوباما أن يحقق ما وصفه كثيرون بأنه سيطرة فائقة على ذاته الداخلية، ومثلما أوضح الرئيس الأميركي نفسه، أصبح مثل «شاشة فارغة» يعرض عليها الآخرون نماذجهم، مثلما كان «بابو» بالنسبة لـ«ديلانو». وعلى رغم ذلك، يبدو أن هذه السيطرة الشديدة على الذات هي ما يدفع أكثر المعارضين الحانقين على الرئيس إلى الغضب، إذ يملؤون تلك الشاشة بالكره المتأصل في اللاشعور التاريخي للولايات المتحدة. وتعتبر رواية «بينيتو سيرينو» التي نشرت في نهاية عام 1955، مع اقتراب الولايات المتحدة من الحرب الأهلية، واحدة من أكثر قصص اليأس في الأدب الأميركي، إذ يمثل «أماسا ديلانو» نوعاً جديداً من العنصرية، لا تعتمد على المذهب الفلسفي أو الديني، وإنما على الحاجة العاطفية لقياس الحرية المطلقة على علاقة معكوسة مع عبودية مطلقة. ولا يزال أوباما يثير قصصاً خيالية تبدو مستمدة من خيال «ميلفيل»، وهو ما يشير إليه حمل أحد الأعضاء «الجمهوريين» في مجلس البلدية بولاية ميتشيجان، أثناء حضوره إحدى المظاهرات، صورة لرأس أوباما على سن رمح، وهو المصير الذي واجهه بابو بمجرد انكشاف حيلته. ‎جريج جارندين محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©