الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

18 عاماً في جنة آدم

18 عاماً في جنة آدم
3 نوفمبر 2010 21:16
تعد هذه الدراسة الوثائقية التي كتبتها د. لطيفة محمد سالم عن حياة الزعيم المصري أحمد عرابي ورفاقه في المنفى، من أهم ما صدر عن مصير قادة الثورة العرابية بعد فشل الثورة واحتلال بريطانيا لمصر في 14 سبتمبر 1882. وتقول المؤلفة إن كتابها “عرابي ورفاقه في جنة آدم” يبدأ من حيث انتهى المؤرخون للثورة العرابية. وتمتد فترة دراستها بين عامي 1883 و1901، وقد قسمت كتابها إلى أربعة فصول فضلا عن أربعة ملاحق. وأعطت المؤلفة الفصل الأول عنوان “الطريق إلى المنفى” وهو يمثل الطريق الذي اجتازه عرابي ورفاقه عقب الانكسار حيث عانوا خلاله العذاب حتى استقر بهم المقام في منفاهم الذي اختير لهم. ويسرد هذا الفصل معلومات أساسية بشأن محاكمة عرابي ورفاقه، منها أن الخديو توفيق ورجاله كانوا يرغبون بشدة في إعدام الثوار. أما الجانب البريطاني فقد تبلورت لديه وجهة نظر أخرى تتفق مع المصلحة العليا لبريطانيا، وتصدت الصحافة البريطانية لرغبة رئيس الوزراء جلادستون ووزير خارجيته في تلبية طلب الخديو بإعدام عرابي وقاد حزب الأحرار حملة لإقناع الرأي العام بضرورة إجراء محاكمة عادلة لعرابي ورفاقه، كما توافدت على لندن تقارير من الهند درة التاج البريطاني أشارت إلى التفاعل الإسلامي تجاه المحاكمة ونوهت إلى ضرورة قياس الأبعاد وانعكاساتها على المنطقة. وتغلبت وجهة النظر البريطانية وتولى المحامي “برودلي” مهمة الدفاع عن قادة الثوار. وتركزت جهود برودلي على نوعية العقوبة التي ستوقع على المتهمين، وتم الانتهاء إلى عقوبة النفي خارج مصر في مكان تحدده الحكومة البريطانية، وبعد أن أعطى عرابي ورفاقه تعهدا مكتوبا بالبقاء في المنفى وعدم العودة إلى مصر تم تعيين جزيرة “سرنديب” كمنفى لهم وهي الجزيرة التي يعتقد المسلمون أنها كانت مهبط آدم بعد خروجه من الجنة. استقالة غاضبة ومن الغريب أن رياض باشا رئيس وزراء مصر وقتها استقال من منصبه غضبا لإكراه الإنجليز الخديو على إصدار الأمر العالي بتخفيف عقوبة الإعدام إلى النفي. وبلغ تعنت حكومة الخديو حدا تعلق فيه عرابي ورفاقه بالحكومة البريطانية التي أنقذتهم من حبل المشنقة وسعت إلى تأمين حياتهم ومعاشهم في المنفى. وارسل المنفيون عقب وصولهم إلى “سرنديب” برقيات سجلوا فيها الشكر لبريطانيا وبذلك نجحت بريطانيا في تخطيطها إذ جعلتهم يلهجون بالدعاء لها. وتشير المؤلفة إلى الاستقبال الحافل الذي لقيه عرابي ورفاقه من أهل سرنديب ولاسيما من المسلمين ذوي الأصول العربية في أغلبهم. ويرصد الفصل الثاني “العلاقة مع بريطانيا” كل جوانب هذه العلاقة ولا سيما تردد السياسة البريطانية بين التضييق على المنفيين ومراقبتهم وتقييد حركتهم ومراقبة رسائلهم وبين تبني سياسة اكثر انفتاحا. ومما له مغزاه أن العلاقة توثقت بين بعض المنفيين وتوماس ليبتون صاحب مزارع الشاي الذي وجه دعوته اليهم عام 1891 فلباها عرابي وعلي فهمي بهدف التغيير نظرا لأن منطقة المزارع جبلية مرتفعة وذات مناخ ملائم وسمحت السلطات بهذه الزيارة. أما الفصل الثالث فكان عنوانه “الحياة في جنة آدم” وتبدأه المؤلفة بحقيقة مفادها أن حياة المنفيين في “سرنديب” حملت بين طياتها البؤس والشقاء والضياع حيث أحيطوا بظروف مادية ونفسية ومرضية صعبة انعكست على تصرفاتهم ولم تثمر أي مجهودات للتحسين من أوضاعهم إلا بالنزر اليسير. ويضم هذا الفصل حشدا من المعلومات الشائقة عن مسعى المنفيين لزيادة رواتبهم التي قدرت بناء على اتفاق مصري ـ بريطاني بثلاثين جنيها لكل واحد منهم وهي لا تكفي لأجرة المنازل ونفقات التعليم والعلاج والطعام والشراب خاصة مع وجود عائلات كبيرة لبعض المنفيين. وبعد طول مراسلات وافقت مصر على إعطاء زيادة سنوية إجمالية قدرها 500 جنيه يتولى حاكم سرنديب البريطاني توزيعها وفقا للاحتياجات الفعلية لعرابي ورفاقه، فخص الحاكم عرابي منها بأكثر من 18 جنيها شهريا ووزع الباقي وقدره 275 جنيها على ثلاثة فقط هم محمود فهمي وطلبه عصمت وعبدالعال حلمي الذين لا يمتلكون سوى معاشاتهم فيما كانت لزوجتي محمود سامي وعلي فهمي ممتلكات تسمح لهما بالعيش، وقد أثار هذا الإجراء حنق علي فهمي وكذلك يعقوب سامي الذي رآه الحاكم ميسور الحال. عداوة وبغضاء وقد أوقع ذلك العداوة والبغضاء بين رفقاء الثورة فضلا عن الغيرة التي دبت بينهم بسبب المكانة الشعبية التي تمتع بها أحمد عرابي في سرنديب. وقد ظهر الخلاف بينهم عندما جرى الاحتفال بعيد جلوس الملكة فيكتوريا في عام 1887 فشكل يعقوب سامي وعلي فهمي ومحمود فهمي مجموعة وعرابي ومحمود سامي وعبدالعال حلمي مجموعة أخرى، واكتتبت المجموعة الأولى بمبلغ لصالح الاحتفال وأعدت كلمة بهذه المناسبة وبناء عليه خصص لها مكان متميز في الاحتفال بينما المجموعة الأخرى احتلت المقاعد العادية. وتسجل المؤلفة تجاذبات السياسة البريطانية التي انتهت إلى ضرورة العمل على عودة عرابي ورفاقه إلى مصر لتحسين صورة بريطانيا أمام الرأي العام المصري ومن أجل ذلك نشرت عدة مقالات في الصحف البريطانية من أهمها مقال نشرته صحيفة “مول جازيت” في 27 يناير 1892 حيث تناول مراسلها في كولمبو رؤيته لعرابي بعد انقطاع دام سبعة أعوام فذكر أن ملامحه تغيرت واتسع عقله وأصبح يتكلم الإنجليزية بطلاقة وبعد أن كان رجلا طويلا ذا جسم عسكري قوي غدا رخو العضلات وقد أنهك من إصابته بالملاريا وتعثرت قدماه من مرض الروماتيزم واشتعل الرأس واللحية شيبا وبالرغم من أن عمره لا يتجاوز 51 عاما فانه يبدو في السبعين إذ انحنى ظهره. وأخيرا يأتي الفصل الرابع بعنوان “الخلاص” حيث تشير د. لطيفة سالم إلى أن عزل رياض باشا عن رئاسة الوزارة وتولي مصطفى فهمي المنصب في 12 نوفمبر 1895 فتح الباب أمام إمكانية عودة عرابي وبالفعل أعيد أولا محمود سامي البارودي من منفاه. ثم أرجأ المندوب السامي كرومر النظر في التماس عرابي وعلي فهمي آخر من بقى بجنة آدم الى وقت مناسب ولم يأت هذا الوقت إلا في عام 1901 فعاد عرابي إلى القاهرة في 30 سبتمبر ورغم انه كان هناك تكتم شديد فإن الناس ودعوه في محطة السويس واستقبلوه على محطتي الزقازيق وبنها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©