الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطابون الفلسطيني·· مهنة نسائية اخترقها الرجل

الطابون الفلسطيني·· مهنة نسائية اخترقها الرجل
25 فبراير 2009 00:44
تعتبر صناعة الطابون الفلسطيني من الصناعات المميزة في فلسطين، وخاصة في غزة، ورغم انقراض هذه الصناعة لسنوات طويلة، إلا أنها عادت وبقوة في غزة ليصبح لها حرفيوها وتجارها وزبائنها· تطلق كلمة الطابون على غرفة صغيرة تحتوي على الموقد، وهي غرفة صغيرة سقفها منخفض ومدخلها صغير للمحافظة على الحرارة في الداخل، وكذلك تطلق الكلمة على الموقد نفسه، والذي يدعى أيضا ''بيت الخبز'' أو ''بيت العيش'' والطابون اما أن يكون مدفوناً في الأرض، أو يمكن نقله من مكان لآخر وهو مصنوع من الطين الأصفر المخلوط بالقش، قطره 80-100 سم وعمقه حوالي 40 سم، والفتحة في الوسط بقطر 40-50 سم، وغطاء الفتحة من الحديد ويدعى ''صْـمامة الطابون''، وقاع الطابون مغطى بحجارة بازلتية سوداء، صغيرة ومستديرة ومنفصلة عن بعض، وتدعى ''الرضـف''· وإذا علقت هذه الحجارة برغيف الخبز أو علقت قطع صغيرة من الرغي بها، فإنها تدعى عندها ''شـباب الطابون''· والهدف من الرضف هو زيادة الحرارة والمحافظة عليها لوقت أطول بفعل توهجها البطيء، ويستعمل الطابون من الداخل للخبز والطبخ والشواء مثل الباذنجان والبطاطا الحلوة والتحميص (حبوب القهوة)، أما ''ساس الطابون'' وهو الجدار الخارجي المغطى بالرماد (السكن) فيستعمل لشي البطاطا والكستناء والبلوط، ولـ ''تجمير'' الفحم بهدف استعماله في كانون التدفئة، ولصنع القهوة في البيت· كما يسـتعمل الطابون لصنع ''المسـخـَّن'' أو ''المحـَمـَّر''، وهو خبـز طابون مغطى بخليط من البصل والزيت والبهارات، بالإضافة إلى الدجاج المحمـَّر وهي أكلة شعبية فلسطينية مميزة، ويتم تزويد الطابون يوميا بمواد الوقود في عملية تعرف بـ''التزبيل''· ويـُزبـَّل الطابون مرتين في اليوم، عند الفجـر، وعند الغروب، والمواد المستعملة للتزبيل هي زبل الماشية أو الجفت (بقايا الزيتون بعد عصر الزيت منه) أو خليط من الاثنين، وعند الحاجة إلى استعمال الطابون مبكراً يتم خلط الزبل أو الجفت بالقصل (عيدان القمح الجافة) الذي يشتعل بسرعة أما في الوقت الحالي فيستخدم أي نوع من الحطب والكرتون والعلب الفارغة وبقايا الورق · أم ايمن ربة بيت من المنطقة الجنوبية في غزة تقول: ''عدنا لمهنة الأمهات والجدات، رغم انقراضها واستخدامنا للأفران الكهربائية وشراء الخبز من المخابز، ولكن الظروف الحالية أعادتنا لصناعة الأفران من الطين الأحمر واستخدامها في خبز الخبز وأحيانا في اعداد الطعام''· وحول صناعة الفرن تقول مريم أبو جامع من منطقة شرق خان يونس إن العمل يستغرق في اعداده ثلاث ساعات، وأنها تصنع في اليوم الواحد عشرة أفران بقليل من السرعة والمساعدة، وتقوم ببيع الأفران الجاهزة لمن يرغب في ذلك من الزبائن الذين يقبلون على شرائه بسبب أزمة الغاز والكهرباء في غزة، وهي تمارس هذه المهنة منذ ثلاثين عاما· لا تتردد سمر الفتاة الجامعية في القول إنها تقوم بخبز الخبز قبل الذهاب إلى جامعتها على فرن الطابون وتقول: ''طعام ومذاق خبز الطابون لا يقارن، عدا عن كونه غير مكلف ماديا، رغم ما تتعرض له أصابعي من احتراق واختناقي برائحة الدخان، ولكن الفرن والجلوس أمامه من الطقوس الأصيلة التي يجب ألا ننساها''· أم عاطف المرأة الستينية تقول: ''لايمكن أخطب لابني بنتا لا تجيد الخبز على الطابون، هذا كان الشرط الأساسي في أيامنا لاختيار العروس ويجب أن يظل هكذا، يجب أن نحافظ على تقاليدنا الفلسطينية''· في أحد المحال التجارية، في مدينة رفح كان الشاب محمود أبو سرور يضع اللمسات الأخيرة على فرن طابون صغير الحجم انتهى لتوه من صناعته، ويملس جوانبه بيديه ليتأكد من استواء سطحه الخارجي، وقال: ''أستخدم لصناعة افران الطابون الطين المستخرج من باطن الأرض، تعلمت طريقة صنعه من جدتي، أذهب للمنطقة المحيطة بالأنفاق فأقوم بجمع الطمي الذي يستخرج من باطن الأرض والناتج من حفر الأنفاق، فأجمعه وأخلطه بالقش، وأصنع منه عجينة متماسكة نوعا ما، وأقوم بتشكيل الفرن بأشكال مختلفة وأحجام مختلفة أيضا، ولكن الاقبال شديد على الأفران ذات الحجم الصغير لأنها سهلة الحمل وتوضع في أفنية المنازل، ولكن أصحاب الشقق والعمارات السكنية لا يستطيعون اقتناء هذا الفرن لأنه يحتاج لأرض صلبة لوضعه عليها''· ويضيف محمود: يُعتبر الطابون جزءا من التراث الفلسطيني، يقتنيه الأغنياء كنوع من ''الديكور'' كما يقتنيه الفقراء للتغلب على مشكلة نقص الغاز والكهرباء، وكذلك بسبب ارتفاع ثمن الخبز الجاهز في الأسواق''· محمود لايرى غضاضة في ممارسة صناعة هي في الأساس من اختصاص النساء، وعن ذلك يقول: ''البطالة والفقر دفعاني للتفكير في هذه المهنة، والحمد لله حققت رواجا كبيرا خاصة مع ادخالي تحسينات على الفرن التقليدي ،ولكن أمامي مشكلة وهي عدم مقاومة الطابون للماء، وإنعدام القدرة بالتالي على اقتنائه في المطابخ العصرية· أكرم صلاح يقف أمام محل أبوسرور ليشتري فرن طابون صغيراً ويقول: ''مذاق الشاي المعد على فرن الطابون رائع ومميز، سأضع الفرن في باحة البيت، ليتني أستطيع استخدامه في شقتي السكنية في الدور الرابع''· أكرم يقول: ''يمكن استخدام فرن الطابون كمدفأة ايضا في هذا الجو البارد في غزة وعدم توفر الكهرباء للتدفئة''· ويتحدث الخبيير الاقتصادي عمر شعبان عن فرن الطابون فيقول: ''له مميزات كثيرة أبرزها أن الخبز المصنوع بواسطته طعمه لذيذ، واذا كان مخلوطا ببعض التراب، فان ذلك لحكمة الهية حيث هناك أنواع من الخبز تعرف بالدفين، وهي دفن العجين في الرمل حيث يكتسب قيمة غذائية من الكالسيوم الموجود ضمن مكونات الرمل، وفرن الطابون صحي أكثر من أفران الميكرويف الحالية التي تسبب السرطانات المختلفة وفقاً للتقارير الطبية· أما الباحث والمؤرخ الفلسطيني سليم المبيض فيروي أن الطابون هو أحد مميزات البيت الفلسطيني، وقد تحدث عنه ابن بطوطة وابن جبير في كتبهما عن تاريخ فلسطين، بالاضافة لكونه من علامات ثراء البيت الفلسطيني قديما، حيث كانت تعد بواسطته أفخم المأكولات الشهيرة حينذاك·
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©