الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لعيبي يسائل حيرة «اللوحة» بين فن الخط وفوضى المصطلح

لعيبي يسائل حيرة «اللوحة» بين فن الخط وفوضى المصطلح
4 أغسطس 2013 01:11
دبي (الاتحاد) - روى ابن النديم في الفهرست ما يلي: «اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَذَكَرَ كَعْبُ الأحْبَارِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِهِ آدَم عليه السلام ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ إسْمَاعِيلُ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِهَا وَوَضَعَهَا إسْمَاعِيلُ عليه السلام عَلَى لَفْظِهِ وَمَنْطِقِهِ. وَحَكَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ الاوَائِلِ أَسْمَاؤُهُمْ أَبْجَدُ، وَهَوَّزُ، وَحُطِّي، وَكَلَمُنْ، وَسَعْفَص، وَقَرْشَت، وَكَانُوا مُلُوكَ مَدْيَنَ. وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيِّ مُرَامِرُ بْنُ مُرَّةَ مِنْ أَهْلِ الانْبَارِ وَمِنْ الانْبَارِ انْتَشَرَتْ. وَحَكَى الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِهَا مُرَامِرُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَسْلَمُ بْنُ سَدْرَةَ وَعَامِرُ بْنُ حَدْرَةَ. فَمُرَامِرُ وَضَعَ الصُّوَرَ،، وَأَسْلَمُ فَصَّلَ وَوَصَلَ، وَعَامِرٌ وَضَعَ الاعْجَامَ». لقد قطع ذلك في الخلاف حول نشأة الخط العربي في الثقافة العربية والإسلامية على نحو يكاد يكون نهائيا، حيث تمّ الخلط في فهرست ابن النديم (الذي هو واحد من أهم المصادر التاريخية الكلاسيكية العربية) بين ما هو محلّ خلاف ويتصل بالمقدس وبين ما هو وثيقة بلا سند في ما يتصل بنشأة أرقى الفنون التي حملت اسم العرب واستمر ذكرهم بين الناس بسببه في كل الثقافات التي تنتمي إلى قوس الحضارة العربية والإسلامية حتى اليوم. القطع واليقين غير أن هذا الأمر، في صدد القطع واليقين حول نشأة الخط العربي وفنه، هو أمر يحمل منطقه التاريخي الخاص به، على نحو يناقض تماما البعض من التسميات المرتبطة بهذا الفن وظهرت في العصر الحديث التي من المفترض أنه قد جرى التوثيق لها. وباختصار، وقد شهدنا أمس في ساعة متأخرة انطلاقة فعاليات الدورة الخامسة من فعاليات الدورة الخامسة من «ملتقى رمضان لخطّ القرآن الكريم» بدبي وبمشاركة ثلاثين خطاطاً إماراتياً وعربياً ومسلماً، فقد استُدخل الخط العربي إلى اللوحة الحديثة في التجربة التشكيلية العربية المعاصرة منذ قرابة الثمانين عام من الآن، وكان ذلك عندما طرقت أسئلة الهوية جدران وعي الفنانين العرب ما دفع بالكثير منهم إلى البحث عن توازن بين أصالة ما ومعاصرة تتيح للفنان العربي الحديث أن يعيش أزمنته الخاصة به بكل ما تحمل من صراعات وتناقضات تميّز أنماط هذه الحياة عن غيرها من الأنماط التي كانت سائدة سابقا إنما تتصل بها بخيط معرفي عبر الخط العربي الذي غالبا ما يدخل إلى اللوحة المعاصرة من قبل فنانين ربما درسوا الرسم لكن معرفتهم بأصول فن الخط العربي وأصوله ومقاساته ظلّت محدودة في حين لم يتميز سوى أولئك الذين جمعوا الفن الحديث إلى فن الخط العربي وفقا لفهم عميق للفنين معا والميازات بينهما وكذلك حظوا بموهبة خاصة في التعامل مع كل منهما على سطح تصويري واحد. أيضا، أخذ العمل الفني الحديث الذي يحمل صنيع الخطاطين وفقا لمقاييس فن الخط العربي بعيدا عن المقاصد التزيينية منه وأخذ الصفة الأكثر عمومية من «الحروفية»، وأصبح أي عمل فني تنتمي لفن الخط العربي وخاصة الكلاسيكي منه: «لوحة» مشتركا في ذلك بالتسمية ذاتها مع اللوحة العربية الحديثة التي هي غربية الطابع والمنشأ. وذلك دون تمييز معرفي، حتى وفقا لأي معطى ابستمولوجي أو موسوعي يحدد ملامح لهذا العمل الفني أو ذاك ويعين الباحث على الانطلاق منه للتأصيل لمعطيات أخرى أكثر حداثة وراهنية وصلة بالمستقبل والماضي معا. أغلب الظن أن هذه التسميات قد جاءت اعتباطا وليس في سياق تأصيل نظري علمي يحتفظ برصانته المقنعة أمام النقد التشكيلي في مختلف حقول الفنون التشكيلية عموما لكن ما الذي حدث في حقل النقد التشكيلي المتداول، والذي تجري ممارسته في الصحف والدوريات وحتى في الكتب؟ إن من الصعوبة البالغة على المرء أن يجد تعريفا أو توصيفا علميا دقيقا لما يُطلق عليه «الحروفية» أي تلك اللوحة التي تنتمي للفن العربي والمعاصر وتدخل في نسيجها حروف عربية سواء أكانت وفقا للمقاييس الخاصة بفن الخط العربي أم لا؟ ومَنْ هو الباحث في الجماليات أو الناقد التشكيلي أو حتى الفنان أو الخطاط الذي اجترح مثل هذا التوصيف: الحروفية، لتلك اللوحة وعلى أيّ الأسس الثقافية والفلسفية قد جرى ذلك؟ ينطبق هذا المر على اللوحة عندما يقصد المعنى لوحة الخط العربي. فن بصري لا تجيب قراءة كتاب شاكر لعيبي «الخط العربي - نظرية جمالية وحرفة يدوية»، الصادر عن منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة العام 2007، عن أسئلة من هذا النوع وهو الذي قراءته قد حفّزت عليها، وليس هذا بموضوعه وحقله أصلا، إذ الكتاب يبحث في شكل الخط العربي ومضمونه من حيث هو فن بصري في المقام الأول وذلك وفقا لمقاييس الدرس النقدي التشكيلي الحديث، لكن ثمة ما يذكّر بحضور مثل هذه الإشكالية فيه. في القسم الثالث من هذا الكتاب: الخطّاط في السُلّم المهني والاقتصادي، وفي مطلع الفصل الأول منه الذي يحمل العنوان: «دور الخطاط في الحضارة العربية والإسلامية هو دور الرسام في الحضارة الغربية» يتساءل الباحث والشاعر لعيبي: «متى ظهر مصطلح الرسّام في التراث العربي؟ وماذا يعني؟»، فيعود إلى مصادر تاريخية لاستجلاء أصل هذه التسمية التي يلاحظ أيضا أنها قد جاءت استبدالا لمصطلحي «المصور» و»النقاش» وليس لمصطلحي الكاتب أو الخطّاط. وبحسب الكتاب فإن جذر مصطلح «الرسام» يرقى، في التداول بين أهل الفن وصنعته وحِرفته والعالمين بأمره، إلى القرن الثاني عشر وبدأ شيوع استخدامه في الثقافة العربية حصرا في المغرب العربي وليس في مشرقه. ويناقش لعيبي مثالين مرجعيين هما الرسام كما وردت في الفتوح المكية لابن عربي إذ أنه «يستخدم مفردة الرسام بالمعنى الذي نقول به اليوم. ويفرّق بينه وبين الكاتب تفريقا جليّا. مثل هذا التفريق لم يكن واردا في كتابات القرنين السابقين» ويقصد الباحث هنا القرنين العاشر والحادي عشر. أما النص الآخر، الذي يبدو أنه أكثر قيمة وأعلى شأنا من هذا النص فهو «رسائل فلسفية» لابن باجة الذي عاصر ابن عربي، ففرّق في إحدى رسائله بين المصوِّر والرسام، حيث للمفردتين المعنى ذاته الدارج في الكتابات النقدية التشكيلية اليوم إنما تسخدم كل منهما بدرجة أقل من كلمة «الفنان» وكذلك مفردة المصور التي تستخدم بدرجة أقل من كلمة الرسام. وهنا يرى لعيبي أنن «أمام تفريق نادر في تاريخ الوعي التشكيلي بين «المصور» من جهة»، و»الرسام» من جهة أخرى الذي يبدو أن ابن باجة يقصر عمله على الخطوط البسيطة في رسم الأشكال الحية.. وهي الخطوط التي ربما كان يقصد بها الخطوط الخارجية فحسب من دون تلوين. يُخيل لنا أن هذا التاريخ (أي القرن الثاني عشر الميلادي) هو أقدم تاريخ لظهور المفردة». بهذا المعنى يكون لعيبي لأول مَن كشف من الباحثين في الجماليات في النقد التشكيلي العربي. غير أن هذا الباب الذي انفتح لم يعبر منه أحد على الأرجح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©