الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقوى حالة قلبية توسم صاحبها بطابع الخشية من الله

6 أغسطس 2011 22:11
أقبل علينا شهر رمضان الذي كتب الله علينا صيامه وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه حتى نحقق منه التقوى ونتحلى بها يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)”البقرة، 183”. فهذه الغاية التي أشار إليها القرآن الكريم من فضيلة الصيام غاية عظيمة، ومقصد نبيل فالصيام من أكبر أسباب التقوى، وشهر رمضان موسم للتقوى يصبح العبد فيه من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار. فقوله تعالى «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» تعليل لفرضية الصيام، ببيان فائدته الكبرى، وحكمته العظمى وهي تقوى الله، سأل أميرُ المؤمنين عمر رضي الله عنه الصحابيَّ الجليل أُبيَ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال: بلى .. قال: فما صنعت؟ قال: شمرتُ واجتهدت أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه، قال أُبي: فذلك التقوى. والتقوى كما عرفها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه (هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل). وعرفها العلماء بقولهم: (أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك). وذكر ابن جزي أن درجات التقوى خمس: ? أنْ يتَّقِي العبد الكفر، وذلك مقام الإسلام. ? وأنْ يتَّقي المعاصي والحرمات، وهو مقام التوبة. ? وأنْ يتَّقي الشبهات، وهو مقام الوَرَع. ? وأنْ يتَّقي المُباحات، وهو مَقام الزهد. ? وأنْ يتَّقي حضور غير الله على قلبه، وهو مقام المشاهدة. فالتقوى حالة قلبية ومنزلة إيمانية رفيعة، تطبع صاحبها بطابع الخشية لله في السر والعلن، كما تحمله على المراقبة الدائمة لأقواله وأفعاله ومقاصده وتتعاهد قلبه حتى لا يعكر صفو إيمانه شيء مما يدخل به الشيطان على النفوس، فإذا مر به الخاطر الشيطاني فإن تقواه تعصمه منه حتى يصير مستبصراً مستيقظاً وعارفاً بمداخله وضلالاته كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) “الأعراف، 201”. وجاء الأمر بالتقوى والوصاية بها لكل من أرسل الله تعالى لهم الرسل، فقال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) والذي يتأمل كتاب الله عز وجل يجد أن المقصد الأعظم والهدف الأسمى من كل التشريعات هو الوصول بالمسلم لمنزلة المتقين. وقد حشد القرآن الكريم كثيراً من الآيات التي تتحدث عن التقوى لتأصيلها في النفس الإنسانية قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة..) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) فقال تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) “البقرة، 197”. وقد بشَّر الله عز وجل عباده المتقين في كتابه ببشاراتٍ عديدة وجعل للتقوى ثمرات وفوائد جليلة فمن ذلك: ? البُشرى بكفّارة الذنوب وتعظيم المتقي بتعظيم أجره: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) “سورة الطلاق، 5”. ? التوفيق للعلم: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) “سورة البقرة، 282”. ? البُشرى بالمغفرة: (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) “سورة النساء، 129”. ? اليُسر والسهولة في الأمر: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) “سورة الطلاق، 4”. ? الخروج من الغمّ والمحنة: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) “سورة الطلاق، 2”. ولكن ما هو السبيل إلى تحقيق التقوى؟ هناك ثلاث وسائل لتحقيق التقوى وهي: أولاً: المعاهدة وهي أن يخلو المسلم بينه وبين ربه عز وجل ويعطيه العهد على أن لا يعبد إلا إياه، وأن لا يستعين إلا به، وهذا ما يخاطب به العبد ربه في كل ركعة من ركعات الصلاة (إياك نعبد وإياك نستعين، إهدنا الصراط المستقيم). ثانياً: المحاسبة وهي أن يحاسب المسلم نفسه، هل أدى حق الله عليه؟ هل أدى حق العباد عليه؟ هل داخل عمله رياء أو سمعة؟ فإن وجد خيراً حمد الله عز وجل، وإن وجد غير ذلك تاب واستغفر وهذا معنى قول سيدنا عمر رضي الله عنه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر). ثالثاً الإقبال على الطاعات: على المسلم أن يحسن الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى، وأن يؤديها أكثر مما كان يؤديه، حتى تصبح طاعاته لله أفضل، ونوافله في العبادة أكثر فبالمعاهدة يستقيم العبد على شرع الله تعالى. وبالمحاسبة يتحرر من آفات الذنوب، ويثوب إلى الله عز وجل. ويخلص لله في الطاعات، ويميت في النفس الخمول والكسل. د. أحمد نور الدين الزامل
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©