الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فكر الفقر في وكر الفأر!

20 يناير 2015 22:35
هب أن ألف فأر راحت تحفر في وقت واحد بجبال الهيمالايا لتتخذ لها في هذه الجبال الشاهقة ألف جحر، فهل من خوف على هذه الجبال؟ هل هناك أي احتمال ولو صفري لأن يؤدي ذلك الحفر الفأري إلى تصدُّع الجبال أو انهيارها أو زوالها من الوجود؟ هل هناك ما يدعو إلى الانزعاج من تحالف الفئران ضد جبال الهيمالايا؟ تقول العرب في أمثالها: «إنَّ البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِرُ» .. والبُغاثَ ذلك الطائر الضعيف التافه المهيض الجناح يصبح في أرض الضعفاء نسراً.. تماماً كما يقول المصريون في مثلهم العامي (الأعور وسط العمي سلطان). المشكلة الكبرى ليست في قوّة الآخر الذي يسيء للإسلام وللقيم الإنسانية، ولكن المشكلة في ضعفنا نحن، ذلك الضعف والخور الذي يجعل البُغاثَ بأرضنا يستنسر، ويجعل الفأر في أمتنا يستأسد، والإساءة للإسلام التي أقمنا الدنيا ولم نقعدها من أجلها هي بالضبط نفس إساءة الفئران لجبال الهيمالايا، المشكلة التي تكلمت عنها من قبل ولن أمل الحديث عنها هي أننا نفرح جداً ونرقص ونغني وتنتفخ أوداجنا إذا تلقينا مدحاً من الغرب. وننزعج جداً ونموت كمداً وحُزناً إذا تلقينا من الغرب قدحاً أو إساءة. المأساة في هشاشتنا الفكرية والعقلية، وأننا قابلون للكسر ولو لمسنا فأر صغير. وقبول العرب والمسلمين للكسر هو الطامة الكبرى وليست المشكلة أبداً في قدرة الآخرين على الكسر. نحن ننكسر بلمسة أو همسة أو إيماءة، ودائماً نحتاج إلى الغربي الذي يجبر كسرنا بعبارة مدح وإشادة ولو كذبت. نحن غير معنيين بالإساءة للإسلام إلا إذا جاءت هذه الإساءة من الغرب. ونحن لسنا معنيين بمدح الإسلام والإشادة به إلا إذا جاء ذلك من الغرب. نحن نحتفل ونقيم الأفراح والليالي الملاح إذا اعتنق غربي الإسلام، بينما لا نحرِّك ساكناً إذا بدل ألف منا دينهم أو ألحدوا. فالغربي عندنا يساوي ألفاً منا. مع أننا لا فضل لنا في اعتناق الغربي للإسلام، ونتحمَّل تماماً خروج ألف منا عن دينهم بممارساتنا الشنيعة التي تقسمنا إلى فريقين. الأول ينغمس في الإرهاب باسم الدين والثاني يهجر الدين تماماً بسبب الغلو والتطرف وموجة التكفير. حساسيتنا الشديدة أمام الغرب وهشاشتنا وضعفنا تجاهه هي السبب المباشر في سعادتنا بالمدح الغربي وتعاستنا بالقدح الغربي، إنه الشعور بالدونية لدى العرب والمسلمين، وهو شعور لا يبدو أن له علاجاً، كما أن الغرب يستغل بذكاء هذه الهشاشة لدينا في الضغط علينا بالمدح أو القدح. ولست أدري ما هذه الضجَّة التي أثيرت الآن ومن قبل حول الأفلام والرسوم والمقالات التي سميناها مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، بل لست أدرى أيضاً سبباً للفرح العارم والسعادة الغامرة بأفلام أو مقالات أو رسوم تشيد بالإسلام مثل كتاب «الخالدون مئة أو العظماء مئة وأعظمهم محمد»، رغم أن الكتاب فيه أيضاً نابليون وهتلر وغيرهما. لا بل إنني أدرى السبب وهو الهشاشة المقيتة لدى العرب والمسلمين. هناك الآلاف بل والملايين منا الذين يسيئون إلى الإسلام والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يومياً، بل في كل لحظة، بل إن هؤلاء نجوم دائمون على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وإذا فتحت صنابير المياه ينزلون لك منها، ومع ذلك لم يطرف لنا جفن ولم نحرك ساكناً. رغم أن إساءة هؤلاء الذين منا هي التي ينبغي أن تكون الموجعة والمؤلمة.. فأنا لا أفاجأ على الإطلاق إذا أساء للإسلام ونبيه من لا يؤمن بهما، هذا أمر عادي ولا يثير الدهشة، بل المفاجأة الفاجعة هي إساءة أهل الإسلام للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي ينبغي أن يزلزلنا ويفجعنا ويوجعنا. كل الجماعات والخلايا السرطانية الإرهابية التي انتشرت في الجسد الإسلامي والعربي هي التي تسيء للإسلام ولرسوله أبلغ الإساءة - القاعدة الذهبية تقول: يوجعك نقد أخيك لك ولا يوجعك نقد من لا علاقة لك به - فالناس يصدقون ابن أمك الذي يسيء إليك ولو كذب - ولا يصدقون من لا تجمعك به صلة ولو صدق. ومع ذلك فإن هشاشتنا تجعلنا لا نكترث بأخ في الدين يسيء إلى الدين، لكننا نكترث لغربي لا يؤمن بديننا إذا أساء. نحن نفكر بالمقلوب، ونحب بالمقلوب ونكره بالمقلوب، وتحكمنا ثقافة الصدى ورد الفعل ولا يحكمنا الصوت والفعل. أليس هؤلاء الذين يسمون أنفسهم القرآنيين، يسيئون أبلغ إساءة للإسلام والرسول الكريم. وإذا كان الغربيون ينتقدون أو يهاجمون محمداً صلى الله عليه وسلم فإنهم يهاجمون من يعترفون بوجوده وحضوره الطاغي.. لكن هؤلاء القرآنيين الذين يفترض أنهم مسلمون ينكرون محمداً تماماً لأنهم ينكرون السُنة ويرفضون معلوماً من الدين بالضرورة. ومع ذلك هم ضيوف دائمون في الفضاء العربي ويكتسبون أتباعاً كل يوم ولم يعبأ بهم أحد.. كل أفعالنا الإرهابية وكل أفكارنا ومذهبيتنا وطائفيتنا وإبادتنا لبعضنا تحت راية الدين أخطر إساءة للإسلام ولا تساوي رسوم شارلي إيبدو أو كل رسوم العالم المسيئة مثقال ذرة من إساءاتنا نحن لديننا.. بالإرهاب تارة وبالدجل تارة.. وبضمائرنا الخربة وبتعاطفنا مع الإرهاب وتبريرنا له.. وبالغربان والبوم المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تارة ثالثة.. وبالغباء المقيت الذي نتحاور به ونتجادل مدفوعين به وبالحماقة التي أعيت من يداويها.. نحن نتحمل بغينا وبغينا وبسلوكياتنا بناء جيشين قويين متضادين ومخربين في أمتنا هما جيش الإرهابيين وجيش الملحدين.. وكل أفكارنا إلا من رحم ربي قائمة على الصدى ورد الفعل وثقافة القطيع والإمعات.. ثقافة النقل بلا وعي ولا عقل.. ثقافة الدعاة الحكّائين الذين لا عمل لهم سوى رواية قصص وهمية لمصادر مجهولة لدعم أفكارهم المشوهة وإثارة انفعالات الناس، لا أحد يسيء إلى الإسلام ورسول الإسلام أكثر من المنتسبين إلى الإسلام.. وداؤنا منا وليس خارجنا.. داؤنا الغباء والحماقة والهشاشة وإذا لم تصدقني فانظر إلى المواقع والشاشة والمواقع والصحف والكتب والسياسة.. ولن تجد سوى فكر الفقر في وكر الفأر! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©