السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد المصري: خمس خرافات متواصلة

الاقتصاد المصري: خمس خرافات متواصلة
5 أغسطس 2011 23:20
إذا ما فشل الانتقال الديموقراطي في مصر وانتهجت البلاد شكلاً قمعياً سلطوياً، فإن المضاعفات ستكون عميقة حقا. فالفشل في مصر سيدفع بلداناً أخرى في المنطقة إلى إدارة الظهر لفكرة الإصلاح الديموقراطي نفسها. أماإذا ما حاز هذا البلد على حكومة ديموقراطية، فعّالة وقابلة للمساءلة، فمن المحتمل أن يُصبح نموذجاً قوياً، ويكون في خاتمة المطاف قوة استقرار في منطقة مُضّطربة. إن المظالم التي قادت إلى ثورة 25 يناير كانت سياسية أساساً. بيد أن المظالم الاقتصادية القديمة لعبت دوراً أيضاً. فالانتخابات البرلمانية المزوّرة عام 2010، وإجراءات "الطوارئ" القمعية التي دامت عقوداً، وفقدان حرية التعبير والتجمّع... كل ذلك جرّد المصريين من حس الكرامة. وفي الوقت نفسه، أنحى المصريون باللائمة على حكومتهم بسبب الوتائر المرتفعة من الفقر، وبطالة الشباب، والفساد، والأمّية، والفروقات الحادة بين الأغنياء والفقراء. والواقع أن الحكومة المصرية، التي ستتشكّل في أواخر 2011 أو أوائل 2012، ستُواجه تحديات اقتصادية كبيرة. فعلاوة على ضرورة وضع الدين العام المرتفع والمتصاعد قيد السيطرة، سيكون على حكّام مصر الجدد أن يضمنوا بأن الاستثمارات، والنمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل... ستواكب المسارات الديموغرافية. وهذا يتطلب توفير 700 ألف وظيفة جديدة، ومُنتجة، ومُستدامة كل عام في القطاع الخاص، لاستيعاب نمو القوة العاملة. ولأن الثورة اندلعت أيضاً بسبب الامتعاض الشعبي من محسوبيات حكم مبارك وفساده، فسيتوجب على الحكومة الجديدة المُنتخبة ديموقراطياً أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الممارسات. حتى الآن، ظلت السياسات الاقتصادية للحكومة الانتقالية تتحرّك بحفز من اعتبارات شعبوية. وهذا أمر مفهوم نظراً لأن الحكومة ليس لها تفويض انتخابي وتُواجه توقعات شعبية كبيرة بأن الأمور ستتغيّر بسرعة نحو الأفضل. ومع ذلك، استمرار السياسات الراهنة بعد الانتخابات سيُسفر عن كارثة اقتصادية. إن عمليات الدعم الكبيرة مستمرة رغم الإدراك الواسع داخل مصر بأن هذه يجب تقليصها وإدارتها بشكل أكثر تحديداً. بل أن دعم المواد الغذائية زاد بهدف موازنة الارتفاع في أسعار السلع العالمية. كما أن بيروقراطية الدولة المتضخمة أصلاً والتي تضم ستة ملايين شخص، توسّعت بعد أن أُضيف 450 ألف عامل مؤقت إلى جداول الرواتب الدائمة. وفي الوقت نفسه، أثار رد الفعل الشعبي الحاد ضد محسوبية حقبة مبارك وفسادها موجة من التحقيقات الجنائية حول صفقات الأعمال في تلك الفترة؛ وثمة خشية لدى قطاع رجال الأعمال من ملاحقات كيدية. وهذا أمر لا يخدم الاستقرار. فهذه المحاكمات ذات الخلفية السياسية تُفاقم من مخاطر نزع الملكية وتُثبط المستثمرين المحليين والأجانب. وكما الحال في كل الثورات، يُحتمل ألا تتحقق التوقعات الشعبية بتغيير فوري. وفي استطلاع أُجرته مؤسسة "انترناشنال ريبابليك انستيتيوت" قالت أغلبية ساحقة من المصريين (80 في المئة) إنها تتوقع أن يتحسّن الوضع المالي لأسرهم في غضون السنة المقبلة، فيما قال 32 في المئة إنهم يعتقدون أن الوضع سيكون "أفضل بكثير" مما هو عليه راهنا. كما أشار استطلاع آخر لغالوب أُجري في أوائل إبريل إلى وجود موجة تفاؤل متنامية مماثلة في ما يتعلق بمستقبل البلاد. لكن، مالم تتحقق هذه التطلعات، فإن هاجس الأزمة الاقتصادية قد يُعزِّز صعود الشعبويين السلطويين، والسياسيين الإسلاميين الراديكاليين، أو يُسفر عن ردة إلى الحكم العسكري. هذا التقرير المُقتضب هو حصيلة رحلة استطلاعية إلى مصر قام بها مؤلفوه في أواسط يونيو 2011، بهدف المساعدة على بلورة الحوار حول اقتصاد مصر، والسياسة الاقتصادية، والمساعدة الدولية، من خلال التطرق إلى الأساطير العديدة المتواصلة حول الوضع الراهن. الخرافة الأولى: اقتصاد مصر حالة ميؤوس منها. فرغم أن مصر تُواجه تحديات اقتصادية خطيرة، فإن الوضع ليس فاجعاً كما يُصوّّر غالبا. فمصر لديها اقتصاد نشط ومتنوّع. وعلى عكس اقتصادات التخطيط المركزي لدول أوروبا الشرقية والوسطى في أوائل التسعينيات، لا تحتاج مصر إلى خلق أسواق حيث لا توجد مثل هذه الأسواق. ثم إنه قبل الثورة، تمتعت مصر بوتائر ثابتة من النمو الاقتصادي تراوحت بين 6 و7 في المئة في الفترة بين 2003 و2009. وقد نما الناتج المحلي الإجمالي، وفق معطيات البنك الدولي، بمعدل 7,4 في المئة في 2009 و3,5 في المئة في 2010، رغم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وهذا أداء لافت للنظر. الخرافة الثانية: حان الوقت للتركيز على السياسات، فلإصلاحات الاقتصادية تستطيع الانتظار. اقتصاد مصر قادر على مواصلة النمو السريع إلى حد ما، لكن لكي يكون هذا النمو مستداماً، ثمة حاجة إلى إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق. بعض هذه الإصلاحات لا يمكن أن تنتظر. وإذا ما تم تنفيذ هذه الإصلاحات على نحو سويّ، فقد تحصد دعماً شعبياً، خاصة من جانب فقراء مصر. الخرافة الثالثة: المشاكل المالية الرئيسة -مثل دعم السلع- لا يمكن معالجتها في أي وقت قريب. فحتى مع وتيرة النمو النشط نسبياً لمصر، فإنه معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بما يفوق الـ80 في المئة وعجز الموازنة المرسوم بنسبة 6،8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2011/2012، لا يمكن إدامتهما. فبدون سيطرة أكبر على العجز، ستبقى مصر عرضة للصدمات الداخلية والخارجية. فللدين تأثير فوري على مدى توافر الأموال القابلة للإقراض طويل الأجل للقطاع الخاص، ما يؤدي إلى استبعاد الاستثمار الخاص وصعوبات في الدخول إلى حقل الائتمان. الخرافة الرابعة: الحكومة المصرية بحاجة إلى دعم عاجل للموازنة في مايو، تعهدت مجموعة الثماني الكبار بتقديم 20 مليار دولار كمساعدات لمصر من كل المصادر، بهدف دعم عملية الانتقال الديموقراطي. بيد أن الحكومة الانتقالية فاجأت المانحين الدوليين في أواخر يونيو برفضها بعض الدعم الهام الموعود للموازنة، استناداً إلى أن هذه المساعدة لم تعد ضرورية. فقامت الحكومة بإعادة النظر مجدداً في مسودة الموازنة؛ لأن المسودة الأوّلية كانت تتضمن إنفاقاً كثيفاً على الرفاه الاجتماعي. قلّصت الموازنة الجديدة النفقات بنسبة 7,4 في المئة مقارنة بالموازنة السابقة، ما سمح للحكومة بتنقيح وخفض العجز المتوقع من 11 في المئة إلى 6,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وإضافة إلى خفض النفقات، باتت الموازنة الجديدة تعتمد بكثافة أكثر على الاقتراض المحلي. وعلاوة على النفور من أي نوع من الشروط، قد تكون التعهدات الهامة بالمساعدات من الحكومات العربية، عاملاً ساهم في التغيير المفاجئ لموقف المجلس العسكري إزاء الحاجة إلى قروض من المؤسسات المالية الدولية. قدّمت الدول العربية تعهدات كبيرة- بلغت بالإجمال 18 مليار دولار مساعدات. الولايات المتحدة، التي كانت تاريخياً أكبر مانح لمصر، ستشمل مليار دولار في شكل تبادل ديون، إضافة إلى برنامج المساعدات السنوية العادية التي تبلغ 1,3 مليار دولار كمساعدات عسكرية و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية. وبالمثل، كانت المساعدات الأوروبية لمصر متواضعة حتى الآن.فألمانيا وافقت على شطب ربع دين مصر البالغ 7,4 مليار دولار، وسيتم تبادل دين آخر بمساعدات صحية لإثيوبيا. والمملكة المتحدة تُخطط لتقديم نحو 180 مليون دولار كمساعدات لدعم الانتقال الديموقراطي في مصر وتونس وبعض الدول العربية التي تشهد إصلاحات. والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية أعلن عن نيته استثمار 5، 3 مليار دولار سنوياً في المنطقة، فيما رصد الاتحاد الأوروبي مبلغاً إضافياً كمساعدات تنمية. الخرافة الخامسة: المجتمع الدولي فعل كل ما في وسعه لمساعدة عملية الانتقال. الإصلاحات بعيدة المدى التي ستُنشِّط نمو القطاع الخاص وتنشر الفرص الاقتصادية ستكون العمود الفقري للانتقال الديموقراطي الناجح في مصر. لكن، حتى الآن تجاوب الأسرة الدولية، وعلى الأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كان متواضعاً للغاية إذا ما قسناه بأهمية مصر وبحجم التغيير الجاري على قدم وساق في المنطقة. أفضل طريقة للولايات المتحدة وأوروبا لتفعلا ذلك ستكون عرض آفاق التجارة المتوسّعة. إذ لطالما سعت مصر إلى إبرام اتفاقية تجارة حرّة مع الولايات المتحدة. وعلى رغم أن لديها اتفاقية ارتباط مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لاتزال ثمة عقبات كبيرة وهامة تعترض سبيل صادرات المنتوجات المصرية إلى أوروبا، وأمام المداخل للعمال المهرة. و رغم التعب الراهن من الاتفاقات التجارية في واشنطن، إلا أن اتفاقية تجارة حرة مع مصر ستكون أفضل وسيلة لإبداء اهتمام عميق ومتواصل من قِبَل الولايات المتحدة بنجاح عملية الانتقال المصرية، بشكل مترادف مع اتفاقية موازية أعمق وأكثر شمولية يعرضها الاتحاد الأوروبي. ويتعيّن أن تكون اتفاقات التجارة المستقبلية مع مصر مُصمّمة لزيادة ولوج الزراعة المصرية والصناعات التحويلية كثيفة العمالة إلى الأسواق الأميركية والأوروبية. معهد ليغاتوم البريطاني للدراسات الاستراتيجية ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©