الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حين تعرفنا على (...)

حين تعرفنا على (...)
7 فبراير 2010 20:24
كان يأتينا في المقهى أو المول وهو يتلفت في كل الاتجاهات ويقول: أخشى أن يكون (...) هنا. وإذا رنّ هاتفه قفز في مكانه، لأنه ربما اتصال من (...). وهذا الذي بين قوسين قريب لصديقنا يصفه بوصف غير لائق، لأنه ثرثار وثقيل وفضولي ولحوح ووجهه مثل اللوح ويعرف كل شيء عن كل شيء. وفي كثير من الأحيان يكون (...) هو محور حديثنا، فصاحبنا يحكي حكاياته ونحن نحلل شخصيته، حتى أصبح (...) فاكهة الجلسة. ذات مرة كنا جلوساً في مقهى بسيتي سنتر، وجاءه الاتصال وقفز كالمعتاد وفعلاً كان (...) هو المتصل. رفض صديقنا أن يرد وقال: لا بد أنه رأى سيارتي في المواقف وهو يعلم أنني هنا ويريد مرافقتي، لأنه بلا رفيق ولا صديق. قلنا له: انضمام (...) إلينا لن يقدم ولن يؤخر، فنحن الآن عشرة أشخاص، ثم إننا نود التعرف عليه لنحلل شخصيته مباشرة. فقال محّذراً: أنتم لا تعرفون (...) وستعضون أصابع الندم إذا جلس معكم. وفعلاً كان (...) يحوم في سيتي سنتر بحثاً عن صديقنا، فدعاه ولبّى وسلّم علينا. بمضي الدقيقة الأولى بدأ (...) مسيرته الطويلة معنا، فأخذ يصف لنا عمله، ويذكر بعض مواقفه مع مديره الذي لا يرى أبعد من أنفه. وانتهزنا فرصة كلامه مع النادل لنفتح موضوعاً جديداً، وكان عن آخر أخبار الأزمة المالية العالمية، لكننا تفاجأنا بشريط الأخبار يخرج من فمه. ثم فتح أحدهم ملف خروج فريق الأهلي من بطولة أندية العالم، فسحب المايكروفون وتحدث كأنه هو مدرب الفريق الذي يتحدث في المؤتمر الصحفي الذي يعقب المباريات. وذكر أحدهم اسم الرئيس الأميركي أوباما، فقال إنه درس في أميركا ويعرف المجتمع الأميركي جيداً وأن المسألة كذا وكذا. وسمع أحدنا يتحدث عن رحلات البر، فأخذ يصف لنا رحلاته وأفضل الأماكن التي زارها والمواقف التي تعرّض لها. استطاع (...) أن يجعل عشرة أشخاص مطرقين رؤوسهم يستمعون إليه وهو يشرّق ويغرّب، وكان الحل الوحيد هو أن نلتهي بأحاديث جانبية، كل شخصين أو ثلاثة يفتحون بينهم موضوعاً، ولكن (...) كان يقتحم موضوع هذه المجموعة، ثم يتركهم ويسحب بساط الكلام من المجموعة الأخرى، ثم يهجم على المجموعة الثالثة، وما يلبث أن يعود إلى الأولى، وهكذا. الغريب أن كلام (...) كان صحيحاً، ومعلوماته دقيقة، وخبراته حقيقية، والدليل أننا نعمل في مهن مختلفة، فهناك الإعلامي والعسكري والمصرفي وسمسار العقارات ووكيل اللاعبين وطبيب العيون ومهندس البترول، وبيننا شخص يبحث عن عمل، والأخير متقاعد. و(...) يتحدث في تفاصيل مجالاتنا ويطرح أسئلة دقيقة علينا.. ولا يترك لنا المجال للرد. والغريب أيضاً أن أي قضية أو قصة أو معلومة أو حادثة كنا نتكلم فيها، كان هو يمتلك شيئاً مشابهاً لما نقوله، وكانت دقته والتفاصيل التي يخوض فيها تسد كل المنافذ التي يمكن أن ننفذ منها للرد عليه أو تفنيد كلامه أو اكتشاف كذبه وادعاءاته وإخراس لسانه. الحق يقال إن (...) مثقف من الطراز الأول، لكنها ثقافة فوق المطلوب، ثقافة تتحول إلى عبء، لأنه لا يترك لجلسائه الفرصة ليقولوا كلمتهم أو يدلوا برأيهم، وفوق هذا، فهو ينافسهم في كل شيء. واستحق بذلك أن يكون (...) حقيقياً، وأصبحنا نتلفت في كل الاتجاهات كلما سرنا إلى مكان خوفاً من انضمام (...) إلينا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©