السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الماضي العتيق

21 سبتمبر 2006 00:27
شهر رمضان المبارك له في قريتنا القديمة كما في القرى المجاورة، له روحانيته وقدسيته التي لا يمكن أن تمحى من ذاكرتنا أبداً خاصة وانه يرتبط بذلك الرجل المسمى ''المسحراتي'' الذي يتحفنا بسماع صوت طبله القادم من بعيد والذي نشتاق إليه من رمضان الى رمضان الذي يليه، العيد هو كذلك له نكهته الخاصة جداً، ولن نتوانى في سردها وذكرها لأبنائنا وأحفادنا جيل اليوم والغد· تلك الصورة البديعة لأغنامنا وهي عائدة عصراً بعد رحلة طويلة مع الراعي للبحث عن شيء من الكلأ والماء حيث تغدو صباحاً خماصاً وتعود في المساء بطاناً مليئة بحليب جوفنا، موسم المطر كان له في قريتنا طابع خاص وله أهازيجه التي لا تحلو إلا به وطقوسه التي لا تكون إلا فيه، كنا نحتمي من شدة المطر والبرد الشديد القارس الذي يصاحبه بتلك الخيشة المفزعة من العيش (الأرز) لنضعها فوق رؤوسنا فيما تشبه اليوم - الواركوت - وعلى الرغم من بساطتها إلا أننا كنا سعداء بها· تلك كانت صورة بهية من الماضي ولكن بعد مرور الأيام وبعد تقلب الأحوال وتعاقب الأجيال كتب على قريتنا تلك بأن تخرج من عالمها القديم وحدودها الجغرافية الضيقة المتواضعة كتب عليها كما كتب على الكثير والعديد من قرانا القديمة أن تخرج من ماضيها الجميل وتدخل مجبرة لعالم المدينة الحديثة فزالت كل تلك الشواهد التي قضينا فيها أحلى أيام العمر وأمتعها وتلاشت معها كل تلك الأهازيج وكل ذلك الصراخ الطفولي الذي كان يملأ مدينتنا ونحن أطفال صغار، نعم لقد طوى الدهر والأحداث والسنون والمستجدات والتغيرات الحديثة كل شيء في قريتنا وتغيرت تلك الصورة بشكل لم نتوقعه، تفرقت كل تلك الصحبة التي كانت تجتمع ملتفة حول بعضها البعض كل يوم في البراحة، وسكيكها اختفت تحت وطأة شوارع الأسفلت فأصبحت تئن تحتها وكأنها تنادي علينا وبأعلى صوتها أنا هنا يا أحبائي ويا صبيتي الصغار حتى أشجار السدر هي الأخرى ماتت ولحقت بأبناء هذه القرية من أجدادنا وآبائنا وجداتنا وأمهاتنا وبكل أحبائنا الذين فارقونا ورحلوا عنا في غمرة وعنفوان شبابهم، الكثير منا اليوم يمر عليها مرور الكرام مجرد عابر سبيل وكأنه قد نسي ما قد كان في هذه القرية الجميلة، بالنسبة لي أنا شخصياً فقد كانت ولا تزال وستبقى قريتي الجميلة المتواضعة تلك هي عالمي الخاص الذي عشته في تلك الأيام الجميلة ومنبع سعادتي وفرحتي واشتياقي في تلك الفترة من الزمن وهي بمثابة الحضن الدافئ الذي ضمني بين جنبيه حتى كبرت وتعلمت وارتميت أخيراً بين يدي الدنيا كي تقول كلمتها في مصيري وما تخبئه لي من مفاجآت قد تكون سارة حيناً وقد تكون محزنة مفجعة أحياناً أخرى· قريتي اليوم تلك تصعب علي إن لم أكن أمر بجانبها وألقي عليها التحية وألتفت إليها أناجيها، أتأملها وأتأمل كل موقع قدم سرت عليه أيام طفولتي وشبابي في ذلك الوقت، كل خطوة خطوتها على ترابها أسترجع من ذاكرتي كل شبر فيها، كل حادثة جرت على ترابها، كل عراك جرى بين شبابها وصبيانها، أتأمل ذلك المكان الجميل الذي كان يقف عليه بيتنا على شاطئ البحر ومن خلفه تلك المزارع الخضراء والجبال الشاهقات الصماء، نعم ما زلت أتذكر الجيران طيبي القلب، نعم ما زلت أتذكر قريتي الصغيرة (السور) التي غادرتها الى مكان آخر لأكمل به رحلتي على هذه الدنيا البسيطة الفانية، ولأستمر في أداء دوري على مسرح الدنيا الكبير، آآآه يا قريتي أين كل أولئك الأصحاب والرفاق والأهل والجيران؟ لقد تفرقوا وابتعدوا كل في ناحية وزاوية من زوايا هذه الحياة، لقد تغيرت الصورة فلم يعد الأصحاب هم الأصحاب، ولم يعد ذالكم الرفاق كما كانوا، بل شط بهم الدهر وأخذهم في عالم آخر، لم نعد نلتقي ونتسامر ونتجاذب الحديث كما كنا، لم تعد تلك الحياة القديمة قائمة لقد تغير كل شيء حتى قريتي الصغيرة المتواضعة تغيرت هي الأخرى كما تغير الآخرون من أبنائها، ولكن على الرغم من ذلك يستمر أبداً ودائماً الشوق والحنين الدافئ إليك يا قريتي الجميلة، وعهداً منا يا قريتي الحبيبة بأننا سوف نعود إليك في يوم من الأيام مهما طالت بنا هذه الأيام سنعود لنراقصك رقصة بحرارة اللقاء بعد طول الفراق، سنضمك بين جناحينا كما تضم الأم وليدها بعد طول انتظار وألم الفراق· حمدان محمد كلباء
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©