الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوسطية توجه فكري يناهض الغلو والتطرف والتفريط

5 أغسطس 2011 22:20
إن موضوع الوسطية أصبح من أكثر المواضيع تداولاً في السنوات القليلة الماضية، وكثرت حوله الكتابات والمؤلفات، حتى أضحت الوسطية توجها فكرياً يناهض الغلو والتطرف والتفريط والتقصير، بهدف ترسيخ الهوية الإسلامية في صورتها الحقيقية، فكلما شاعت ثقافة الاعتدال والتوسط كلما انتكست المفاهيم العكسية وتراجعت. والوسطية قيمة ثابتة في الدين دعا إليها القرآن الكريم في أكثر من موضع واعتبرها صفة ملازمة للمسلمين وعاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته وسار على نهجه المسلمون من بعده، فهي الاعتدال والاستقامة والاتزان والبعد عن كل غلو وتنطع وتشدد. وستظل الوسطية الصراط السوي الذي لا تستقيم الحياة إلا به، كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) “الأنعام، 153). ابتداء ما هي الدلالة اللغوية لكلمة الوسطية؟ لكلمة وسط في اللغة دلالتان: دلالة حقيقية وأخرى مجازية. الدلالة الحقيقية: يطلق الوسط في عرف اللغة على وجهين: الوجه الأول: وسط بسكون السين وترد ظرفاً بمعنى “بين”، وتطلق على ما بين طرفي الشيء أو هو النصف، يقال: جلس فلان وسط القوم، أي صار في وسطهم، ووسط الشيء ما بين طرفيه، جاء في لسان العرب: وأَما الوسْط بسكون السين فهو ظَرْف لا اسم جاء على وزان نظيره في المعنى وهو “بيْن”، تقول جلست وسْطَ القوم أَي بيْنَهم (لسان العرب: 7/426). الوجه الثاني: إذا وردت اسما متحركاً فإنه يطلق على الشيء الذي لا ينفك عن المحيط به، وإذا وردت صفة فإنها تطلق على الخيار والأفضل والأجود. ووسط القوم هو أوسطهم حسباً وأرفعهم محلاً، والأوسط الخيار مصداقاً لقوله تعالى: (قالَ أَوْسَطُهُمْ) “القلم، 28” أي أخيرهم وأفضلهم وأحكمهم. - وما هي الدلالة المجازية لكلمة الوسطية ويطلق الوسط في اللغة أيضاً للدلالة على ما توسط من المعاني والقيم تجوزا، يقول الزمخشري: من المجاز هو وسط في قومه، وقوم وسط وأوساط: خيار (أساس البلاغة: 495)، لأن الوسط هو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه من الجوانب، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط. فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين أي الإفراط والتفريط، فكان معتدلاً فاضلاً، فالعدل سمي وسطا لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والظلم له طرفان، فإذا مال الحاكم إلى أحد الخصمين فقد ظلم، والعدل وسط بينهما دون حيف إلى أي منهما. الاستعمال الاصطلاحي هو المقصد، فما هي الدلالة الاصطلاحية للوسطية؟ الدلالة الاصطلاحية لكلمة الوسط لم تخرج عن المعنى اللغوي، قال الجوهري: “أمة وسطا” قال بعضهم عدلاً، وقال بعضهم خياراً، واللفظتان مختلفتان والمعنى واحد، لأن العدل خير والخير عدل (الصحاح: 127/20)، فالوسط العدل وذلك معنى الخيار، لأن الخيار من الناس عدولهم، (تفسير القرطبي: 7/2). والوسطية بهذا المعنى تدل على الاعتدال، أي التعادل بين طرفين متقابلين بحيث لا يطغى طرف على آخر، فكثير من أفعال الخير هي بين خصلتين من الشر، فالفضيلة وسط بين رذيلتين على حد تعبير أرسطو، كالكرم بين البخل والإسراف، والشجاعة بين الجبن والتهور، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، ولا تبذير ولا تقتير، والجنوح لأحد الطرفين هو عين التطرف المنبوذ شرعاً وخلقاً. قال الشاعر: لا تذهبن في الأمور فرطا ولا تسألن إن سألت شططا وكن بين الناس جميعا وسطا ومن دلالات الوسطية الخيرية فالمتوسط من كل شيء أفضله وأخيره وأحسنه، لذلك قال تعالى منوهاً بأمة الإسلام: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة، 143)، أخبر سبحانه عن كون هذه الأمة وسطاً، والوسط من كل شيء خياره، لأن الزيادة على المطلوب في كل أمر إفراط والنقص عنه تفريط وتقصير، وكل من الإفراط والتقصير ميل عن الجادة القويمة، فهو شر ومذموم، فالخيار هو الوسط بين طرفي الأمر أي المتوسط بينهما. لهذا اكتسبت الوسطية صفة العموم والاستغراق، فأصبحت تطلق على كل خير من الأمور وأعدلها وأجودها وأكملها، وعلى كل أمر سوي مستقيم وإن كان طرفاً، يقول تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) “الملك، 22”. ولا يذهب الظن إلى أن الموقف الوسطي يعني الحل الوسط أبداً، بل هو رفض للجنوح ذات اليمين أو ذات الشمال، والحل الوسط قبول لأجزاء من هذا ومن ذاك، بل هو وسطي بشموليته وموضوعيته وإدراكه لمطالب الحياة والإنسان، وبقدرته الفريدة على وضع الحلول المناسبة التي تراعي إمكاناته وتوازن بينها وتقرأ الواقع وتستجيب له وفق منهج الله تعالى. د. سالم بن نصيرة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©