الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي الشامسي: تعلمنا من رمضان التراحم والتكافل وفتح أبوابنا للآخرين

علي الشامسي: تعلمنا من رمضان التراحم والتكافل وفتح أبوابنا للآخرين
2 أغسطس 2013 21:47
تنعم إمارة رأس الخيمة بتربة زراعية ذهبية، جعلت منها الإمارة الخضراء قبل أن يعرف الناس الاتحاد وخيراته، حيث كانت مليئة بمزارع الليمون والمانجو والنخل والتين والجوافة وأشجار اللوز المحلى، وعلى مسافة قريبة كانت الشواطئ تعج بمجموعات الصيادين، الذين يأتون من أعماق البحر محملين بمختلف أنواع الأسماك، بعد أن سكنوا سواحل الإمارة عشرات السنين، ومنهم علي عبدالرحمن درويش الشامسي، أحد سكان منطقة «البحر العود»، التي تعرف بـ»رأس الخيمة القديمة»، الذي يروي ذكريات رمضانية تعكس الترابط الاجتماعي الذي كان سائداً في ذلك الزمن الجميل، بما فيه من زيارات عائلية، ومجالس الرجال، وغيرها من المشاهد التي تحكي عن إمارة رأس الخيمة، بكل ما فيها من عادات وتقاليد مميزة. موزة خميس (رأس الخيمة) - على الشاطئ الأقدم لإمارة رأس الخيمة، وبعد سوق السمك، يذهب الطريق إلى البيوت القديمة التي كانت تضم الأسر، التي عاشت هناك عهد ما قبل النهضة الحديثة التي تعيشها دولة الإمارات حالياً، والتي تمثل إمارة رأس الخيمة جزءاً مهماً منه ومن تاريخ الإمارات الموغل في القدم. بصمات التاريخ لا تزال آثار تلك الحضارات شاهدا حاضرا الى اليوم، ويمكن لأي زائر رؤية ذلك سواء من خلال متحف رأس الخيمة للآثار أو من خلال بقايا القلاع والحصون، وللإنسان في تلك الإمارة بصمات مزجت ذلك التاريخ، كما أصبح لذلك الإنسان فيما بعد إنجازات إنسانية وحضارية صنعت كل اللوحات الجميلة لإمارة رأس الخيمة. من أبناء رأس الخيمة الذين عاصروا هذا الزمن الجميل، علي بن عبدالرحمن بن درويش الشامسي، أحد سكان منطقة البحر العود، التي تعرف بـ «رأس الخيمة القديمة»، ويوجد منزلهم في تلك المنطقة مباشرة على الشاطئ، لأن والده وأجداده عملوا في المحامل أو سفن السفر عشرات السنين، وكانوا يسافرون للبحرين والكويت وغيرهما من دول الخليج العربي، لأجل التجارة وجلب المؤن. يخبرنا بن درويش عن ذلك المكان قائلا: «رغم بساطة تلك الدور المصنوعة من حجارة البحر والجص والطمي، إلا أنها قوية ودافئة ولطالما تحملت الأجواء المتقلبة، وكثيرا ما كان البحر يغضب في فترات العواصف، فتدخل الأمواج حتى البيوت ولم يكن يحدها شيء، فتصبح كارثة على الأهل وتتضرر المفارش والأثاث البسيط، بينما كان ذلك مصدر مرح وفرح لنا كأطفال، لأن البحر وصل إلى بيوتنا ومنحنا الفرصة كي نلعب ونسبح دون خوف من أمواج». مصدر الفرح يتابع الشامسي، وفي أوقات الفراغ كان أبناء المنطقة يقضون وقتهم في اللعب على ساحل البحر، فهو مصدر فرحهم، وكان البحر معلماً دون أن ندري، فمن خلال تلك الألعاب تعلمنا كيف نتصادق وجمعتنا ألعابنا وهواياتنا، خاصة صيد الأسماك بطريقة الحداق البسيطة. يذكر أنه في الزمن القديم، كانت معظم المساكن عبارة عن بيت واحد لكل الأسرة، فالأخوة جميعا يعيشون مع الوالدين، وحين يتزوج أحدهم، يأتي بزوجته للإقامة في ذات المكان، وكان الاحترام والأدب هو السائد بين كل أفراد الأسرة، فزوجة الأخ تكون علاقة محبة وصداقة مع الأم ومع بقية زوجات الإخوة، ويتعاونّ في أعمال المنزل، وكل واحدة منهن كان عليها دور تؤديه بحب ورغبة في إسعاد أهل البيت جميعاً، ولذلك عاش الأعمام الخمسة مع الوالد في منزل واحد، وكانوا يخرجون للعمل في ذات الوقت، كي يمنحوا النساء فرصة لترتيب أمور البيت وملاقاة الأخريات من سيدات المنطقة. يتحدث علي بن درويش عن فترة دخوله المدرسة: سجلني والدي في المدرسة القاسمية وكانت تتبع لمكتب المعارف الكويتية، وما زلت أتذكر أستاذ زغلول، ومحمود، وعلي أحمد، وكانوا عبارة عن رجال أمن أو مثل الشرطة، يبحثون عن الطلبة أينما كانوا ويأتون بهم للمدرسة، وفي تلك الفترة لم تكن الكهرباء قد وصلت بيوتنا، وكانت المدرسة تبعد حوالي خمسة كيلومترات سيرا على الأقدام، وقد ضمتني تلك المدرسة مع أصدقاء ما زلت أذكرهم، ومنهم سعيد راشد عسكر، وعبدالرحمن محمد البناي وسعيد راشد البادي، وكنت خلال تلك المرحلة أشعر بالسعادة للرحلات التي تذهب فيها لمشاهدة معلم أثري. حياة بسيطة وأكد الشامسي، أن حياتهم في تلك الأيام كانت جميلة وبسيطة، وكانوا يعتقدون في طفولتهم أن رمضان عبارة عن ساعات إضافية لمزيد من اللعب، لأن الناس يسهرون فيه لعدة أسباب، ولم نكن نعرف يومها ما هي، أو بالأحرى لا نعقلها، وكان أجمل ما نراه وما نحس به تجمع الأمهات ليتحادثن وهن يعملن على إنهاء مهامهن، وكنا نشعر بالفرح والأمان لتلك التجمعات اليومية، ولكن اليوم لم نعد نرى ذلك لأن الغالبية من الأمهات أصبحن موظفات، وانحسرت تلك العادة منذ بدأت الدولة في النمو وحاجتها لتشغيل المواطنات، حيث لم تعد النساء يتجمعن لأن الغالبية أصبحن متعلمات، ولديهن أبناء يقضين الوقت معهم في استذكار الدروس. أهالي منطقة البحر العود باقون في الذاكرة، ورغم أنهن لم يدخلن مدارس، إلا أن ذلك لا يعني أنهن أميات وكن يحفظن القرآن ويعرفن الحروف نتيجة تعلمهن على يد المطاوعة، على حد قول الشامسي، الذي تابع، كان ما يميز عهدهن أنهن تعلمن أهم ما يحث عليه ديننا وهو التواصل مع الآخرين، فكانت أي أم إن غابت عنها جارتها، أرسلت ابنتها للاطمئنان على تلك الجارة، وإن أرادت أن تكرمها وتبدي لها محبتها، أرسلت ابنتها بطبق طعام أو شراب لتلك الجارة، ليس لأن الأم عاجزة عن مواصلة جارتها، ولكنها تريد أن تعود ابنتها أو بناتها على وصل الآخرين، وكيفية قضاء حوائج جارتها. يتابع ابن رأس الخيمة ذكرياته: «بين المدرسة والمنزل كان يمر علينا شهر رمضان، ومنه تعلمنا أن التراحم كان ميزة وصفة يتحلى بها الغالبية ويجدون لها الوقت، وكان الأهالي لا يغلقون بابا ولا مجلسا وكان التقاء أهالي المنطقة ببعضهم إحياء لروح التراحم والتكافل، وكنا نستمتع بمشهد الأمهات وهن يجهزن حبوب القمح بكميات كبيرة، وتنقيتها من صغار الحصى، ثم وضعها في هاون لدق الحبوب مصنوع من جذع شجرة، وكان ينحت على هيئة مناسبة لسحق الحبوب، وبعد يوم من دق الحب، كن يخصصن يوما آخر لطحن الحبوب بالرحى الصخري، وكان أهم ما يميز العادات الغذائية الرمضانية اعتماد الأهالي على النشا المصنوع من حبوب الذرة، حيث نصنع منها الحلوى». بيوت الأثرياء يتابع الشامسي: أما بيوت الأثرياء، فلم تكن تخلو من العشرات من الرجال الذين يأتون للإفطار والبعض الآخر يتجمعون عند المسجد بعد صلاة العصر ويقضون وقتهم في التلاوة، وقبل المغرب تبعث النساء بالصبية والفتيات الصغيرات بأطباق الطعام على حصير كبير استعدادا للإفطار، وتلك العادة لم تنقطع إلى اليوم لدي الناس الذي يعرفون قيمة التواصل، ورغم اختلاف الأماكن والتطور العمراني، إلا أننا نشعر بالحنين لتلك الذكريات، ولهذا حولت حبي وهذا الحنين للتاريخ إلى واقع، حيث جعلت جزءا كبيرا من منزلي متحفا يضم الكثير من المقتنيات، ويعكس جزءا من ذلك الماضي. ويؤكد أنه لا يزال يذكر أن في كل بيت من بيوت المنطقة تنور، ودائما لدي الأسر المزيد من الحطب لإيقاد النار وعمل الجمر، وتخبرنا الأمهات إن بعض السيدات كن يدعين جاراتهن ليطبخن على الكوار أو في تنورها، من أجل أن تحظى برفقتهن وقت إعداد الطعام وكي توفر عليهن الوقود من حطب وكاز، وبتلك الطريقة تعرف من التي لا تملك ما تقوم بطبخه لأسرتها، فتبعث لها ما يكفي تلك الأسرة، ومن أشهر الأطباق الهريس وكل الأسر الموسرة تقوم بطبخه في قدور عملاقة، ثم يبعثون لكل البيوت المجاورة، والأسر الفقيرة لو قامت بطهي ربع كيلو من اللحم وصنعت منه هريسا، فإنها أيضا تطعم منه شيئا للجيران. أما أشهر أطباق الحلويات القديمة في تلك المنطقة من رأس الخيمة، القروص مع الصولة، والصولة هي خميرة محلية من بقايا العجين يحفظ في برم الفخار، كما كانوا يصنعون الخبيص وحلوى النشا والمحلا والرقاق، كما كان العرب يعتمدون على التمر في صنع الأطعمة المختلفة، فكانوا يضيفون التمر إلى الخبز كمادة غذائية مقوية ولتحلية الخبز بديلا عن السكر، وأيضا تضاف إلى مرق السمك مع الصبار الحامض، ومن الأغذية التي تعتبر مهمة وثمينة، حلويات الخنفروش والعقيلي وخبز مكسف، وتطعم للعرسان في الصباحية، ولكن المقتدرين يصنعونها في بعض أيام رمضان. عنصر الرعب ويستغرق الشامسي مع تلك المشاهد والصور الجميلة، ويقول: «كنت أدرس حتى وصلت للصف الثاني الإعدادي، ثم قررت أن أتوجه للعمل في الجوازات، حيث سمعت إن هناك دورة ستكون في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وفعلا غادرت مع 40 طالبا من مطار أبوظبي وكان عمري يقترب من الخامسة عشرة، وكنت طوال الوقت أفكر في أهلي، ولكن وجدت تشجيعا من الرفاق في تلك الرحلة، وما زلت أذكر حين وصلنا إلى الرياض في فترة الظهيرة، وأخذونا إلى منطقة تسمى الناصرية، حيث تم تحويل منزل أحد الأمراء إلى مقر للتدريب العسكري. بعد الغذاء ذهبوا بنا إلى الحلاق حيث تم حلق شعورنا على الصفر، كما تم توزيع أزياء رسمية على كل طالب، وكان مدير المعهد يشكل بالنسبة لنا عنصراً للرعب، وما زلت أتذكر في يوم الوصول بعد أن ارتدينا الزي، طلب منا أن نشكل طابورا، ثم أمرنا أن ندور حول المقر 20 مرة، ولم يكمل أحد منا بسبب حالات الإعياء والإغماء، وفي الليل تم تقسيمنا بحيث أصبح لكل ستة أفراد غرفة للنوم، وموعد النوم كان الساعة التاسعة مساء، وإذا سمع الحارس صوتا في إحدى الغرف، فإنه يخرج من فيها ويطلب منهم الزحف على الأذرع والبطون كشكل من أشكال العقاب. أحب المناطق يضيف الشامسي: بعد مضي شهرين انضم لنا مئتا طالب سعودي، حيث تم دمج الجميع وبقينا لمدة عام كامل، وفي موسم الحج كانوا يحملوننا إلى نقاط الجوازات كي تختم جوازات الحجاج، وفي عام 1978 عدنا إلى أبوظبي، ومنحت فور عودتي رتبة وكيل وكلفت بالعمل في جوازات رأس الخيمة، ورغم عملي هذا إلا أني كنت شغوفا بالمكان والبحث عما كان الناس يحتفظون به في بيوتهم من أدوات يومية، وكنت دائم التذكر لمشهد الأمهات وهن يجلسن في منطقتنا في أي مكان بجانب البيوت، يسمى كسرة الضحى، وكانت من أحب المناطق إلى قلوبنا، ومازلت أذهب إلى هناك ما بين كل فترة وأخرى، حيث أشعر وكأني أرى الأهل مع الجيران، حين تأتي النساء بالمرافع التي توضع عليها المصاحف ويجلسن لتلاوة وحفظ القرآن حتى الظهر، وكانت بقية النسوة يجلسن في سكينة وصمت وأيديهن تعمل في التفصيل والتطريز، فلا تخيط المرأة بأنانية لنفسها بل تتشارك مع الآخرين في الإنجاز، وما زلت أؤمن أن أهم ما في رمضان التدرب على أتباع عادات جديدة، ومنها عدم الخوض في سير الآخرين، مع التأكيد على الدور الكبير للآباء في تشكيل شخصيتنا، حيث نكبر وتكبر معنا تلك القيم، ونجد في رمضان فرصة لطرح القصص التي تتضمن أمثالا ومواعظ تقال من خلال الجلسات. الأصالة والوفاء ويوضح الشامسي أن منطقة البحر العود باقية حتى اليوم، رغم المشهد الرمادي الذي يطغى عليها بسبب عمر المكان، ولأسباب كثيرة لها علاقة بقيمة المكان نجد أنها عزيزة على قلوبنا، وقد تعلمنا في تلك المنطقة كيف نعيش طفولتنا، ومنها عرفنا من نحن ومن هم من يسكنون إلى جوارنا، فهم ليسوا بأقل من مرتبة الأهل، وهناك تعلمنا العادات والأصالة والوفاء، والأجمل من هذا أن ذلك المكان أصبح أكثر بهاء بعد أن تم بناء البيوت بعد النهضة التي عمت الدولة، وأصبح مقر سوق السمك والسوق بمحلاته والمتاجر التي فيه، مكانا نذهب اليه كي للشراء أو استعادة ذكريات منطقتنا القديمة التي عشنا فيها صغار. الأخلاق والتربية «يشعر الشامسي بالفخر، يفخر بأنه ولد في فترة، اعتبرت فيها الأخلاق والتربية واحترام وطاعة الوالدين، أهم من الأمور أخرى، وكانت لقاءات الأخوة في البيوت عبر كل السنوات التي تمر عليهم، لقاءات لشحذ الهمة والعمل، حيث لا يترك أي شخص دون أن يوكل إليه عمل، كما كانت تجمع الرجال لقاءات يستعيدون من خلالها ذكريات ماضي أجدادهم، وكان الأطفال يحضرون تلك اللقاءات، ويتعلمون منها الكثير ويسمعون عن رأس الخيمة التي أحرقت بشكل كامل على يد الغزو البرتغالي، إلا أن التعاون والهمة عند رجالها، جعلهما يعيدون تشكيلها، وكثيرا من كان الصغار يذهبون للتوقف قرب بقايا حصون، وأبراج كانت تشكل في يوم ما تاريخ وعنوان للشجاعة». كسرة الضحى «كنـت دائـم التذكـر لمشـهد الأمهات وهن يجلسـن في منطقتنـا في مكان بجانب البيوت، يسمى «كسرة الضحى»، وهن يعملن في التفصيل والتطريز، وتتشارك كل سيدتين في صنع ثوب، ومن أشهر الأقمشة كف السبع، منسل، بوقفص، وجاز بوشجرة، ويقال له بوشيره واطلس بوشيره، بونسيعه، وسلطاني».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©