الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى عقدي وليس انفعالاً عابراً

ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى عقدي وليس انفعالاً عابراً
21 أغسطس 2014 20:10
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: وافقت يوم أمس الخميس الذكرى الخامسة والأربعون لإحراق المسجد الأقصى المبارك، في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1969م، حيث أصاب الحريق المشؤوم المنبر الأثري الذي أمر بصنعه الشهيد نور الدين محمود زنكي ليوضع في المسجد الأقصى، كما أمر بإحضاره إلى القدس السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد أن حَرَّر مدينة القدس من أيدي الفرنج في سنة 583 هـ- 1187م، وأصبح منبر البطل صلاح الدين أثراً بعد عين، كما أُضرمت النار في محرابه وزواياه وأروقته. المسجد الأقصى: أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين أولى القبلتين: لقد كانت القدس القبلة الأولى للمسلمين منذ فُرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج حتى أَذِنَ الله بتحويل القبلة إلى بيت الله الحرام، كما جاء في الحديث الشريف: عن البراء بن عازب- رضي الله عنه- قال: «صَلَّيْنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحوَ بيتِ المقدس ستةَ عشرَ شَهْراً أو سبعةَ عشر شهراً ثم صُرِفْنَا نحْوَ الكعبة»، (أخرجه مسلم). وثاني المسجدين: المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد بُني على الأرض بعد المسجد الحرام، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر- رضي الله عنه- أنه قال: قلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَيُّ مَسْجد وُضعَ في الأرْضِ أوَّلاً؟ قَالَ: اَلْمسجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: اَلْمَسجِدُ الأقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيِه، (أخرجه البخاري). وثالث الحرمين الشريفين: فالمسجد الأقصى المبارك هو ثالث المساجد التي تُشَدّ إليها الرحال، كما جاء في الحديث الشريف، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إَلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، وَالمَسْجِدِ الأقْصَى»، (أخرجه البخاري). ومن خلال الحديث السابق نتعرف مدى الاهتمام الكبير الذي أولاه الرسول- عليه الصلاة والسلام- للمسجد الأقصى المبارك، حيث ربط قيمته وبركته مع قيمة شقيقيه: المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة وبركتهما. جزء من العقيدة إن المسجد الأقصى المبارك مسجد إسلامي بقرار رباني لا يلغيه أي قرار صادر من هنا أو هناك، وأن ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك ارتباط عقدي، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً، ولا موسمياً مؤقتاً، حيث إن حادثة الإسراء من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية. فلسطين أرض مقدسة قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، «سورة المائدة: الآية 21». جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: «المراد بالأرض المقدسة: بيت المقدس وما حوله»، (مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 1/ 502). كما جاء في تفسير التحرير والتنوير للإمام ابن عاشور في تفسير الآية نفسها: «والأرض المقدسة بمعنى المطهّرة المباركة، أي التي بارك الله فيها، وهي هنا أرض كنعان، وهذه الأرض هي أرض فلسطين»، (تفسير التحرير والتنوير للإمام ابن عاشور6/162). والآية تشتمل على خطاب موسى- عليه الصلاة والسلام- لقومه بدخول الأرض المقدسة، وفيها دليل على أن القدس وفلسطين مقدسة في الأزل، قبل أن يَحِلَّ بها قوم موسى؛ لأن وجود المسجد الأقصى في القدس وفلسطين، قبل حلول بني إسرائيل في فلسطين، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم. فلسطين أرض الأنبياء قال تعالى: (وَلِسُلَيمَ?نَ ?لرِّيحَ عَاصِفَة تَجرِي بِأَمرِهِ إِلَى ?لأَرضِ ?لَّتِي بَ?رَكنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيءٍ عَ?لِمِينَ)، «سورة الأنبياء: الآية 81». قال المفسرون: «الأرض التي باركنا فيها هي أرض الشام وتشمل بيت المقدس»، (روح المعاني للألوسي 17/99)، وقال الزمخشري: «وبركاته الواصلة إلى العالمين أنَّ أكثر الأنبياء بُعثوا فيه، فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية»، (الكشاف للزمخشري 4/155). وقال تعالى: (وَجَعَلنَا ?بنَ مَريَمَ وَأُمَّهُ ءَايَة وَءَاوَينَ?هُمَا? إِلَى? رَبوَة ذَاتِ قَرَار وَمَعِين)، «سورة المؤمنون: الآية (50)». ذكر الإمام الطبري في تفسيره: «عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: الزموا هذه الرملة من فلسطين؛ فإنها الربوة التي قال الله: (وَءَاوَينَ?هُمَا? إِلَى? رَبوَة ذَاتِ قَرَار وَمَعِين)، كما وذكر أيضاً: عن قتادة، قال: هو بيت المقدس (تفسير الطبري لابن جرير الطبري 8/287-288). كما ذكر مجير الدين الحنبلي رواية مقاتل بن سليمان في بركة هذا المكان المقدس: «ما فيه شبر إلا وقد صلَّى عليه نبي مرسل أو قام عليه ملك مقرب. . . وتاب الله على زكريا وبشره بيحيى في بيت المقدس، وكان الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- يُقَرِّبون القرابين في بيت المقدس، وَأُوتيت مريم- عليها السلام- فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس، وَوُلِد عيسى- عليه الصلاة والسلام- وتكلم في المهد صبياً في بيت المقدس، وَرَفعه الله إلى السماء من بيت المقدس، وأُنزِلَت عليه المائدة في بيت المقدس، وَأَعْطَى الله البراق للنبي- صلى الله عليه وسلم- تحمله إلى بيت المقدس»، (الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 1/361-362). فلسطين الملجأ وقت اشتداد المحن أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ، أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ، يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ»، (أخرجه أحمد). نستنبط من هذا الحديث فضل المقام في بيت المقدس، كما جاء فيه: «عليك ببيت المقدس»، «عليك» اسم فعل أمر، أي الزم بيت المقدس لفضل المقام فيه، كما نتعرف فضل الغدوّ والرواح إلى مسجد بيت المقدس، بما جاء في الحديث نفسه: «فلعله أن ينشأ لك ذرية، يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون»، ففلسطين عامة، وبيت المقدس خاصة هي الملجأ وقت اشتداد المحن والكروب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©