سيف الصريدي يقتنص «اللقى» الأثرية بحدسه

هناك في أعماق الوطن وبعيدا عن صخب المدينة وضوضائها رأى سيف الصريدي أن تكون البيداء الواسعة المترامية أمام عينيه هي مجال بحثه وهوايته؛ فبدأ بتنمية هوايته في حب الآثار والتنقيب عنها بفطرته وسليقته العربية الأصيلة، معتمدا في ذلك على حدسه وحاسته السادسة التي تذهب بالطبع لحب تلك اللقى الأثرية المغمورة في صحراء لا حد لها. اعتاد سيف الصريدي (27 سنة) منذ سنواته الأولى على الترحال حيث أن جيناته الوراثية تحمل قدرا كبيرا من حب الترحال والتجوال بين جبال عالية ووديان وسهول هي أكثر ما يمتع الصريدي في حياته البدوية لاسيما وأنه ولد وعاش في وادي السدر بإمارة الفجيرة، وهو واد تتعرج طرقه وتتراقص دروبه وتتلوى كالثعبان الأحدب بين جبال تتلون بألوان الطيف فتارة حمراء وتارة صفراء وتارة تكسوها خضرة الشتاء الذي غالبا ما يكون وجوده هنا لفترات قصيرة للغاية. علم وموهبة عن أول اكتشاف أثري له، يقول الصريدي “كنت في سن السادسة عشرة من العمر حيث كنت دائم التنقل بين الجبال والوديان وكنت أرى بعض القطع الأثرية المتناثرة والمختلطة بالحصى فكنت أعرفها من بعيد وأقوم بالتقاطها. وقد شكلت تلك المكتشفات البسيطة في هذا السن دافعا كبيرا لحب هذا الشيء في المستقبل، وفي تلك الفترة أيضا اكتشفت موقعا أثريا في أحد مناطق الفجيرة حيث عثرت فيه على بعض اللقى الأثرية وهي عبارة عن فخاريات بعضها سليم والبعض الأخر متكسر في موقع قريب من مدينة الفجيرة بنحو عشرة كيلو مترات”. ويضيف “قمت باكتشاف خمسة مواقع في إمارة الفجيرة وثلاثة في إمارة رأس الخيمة، وثلاثة أخرى في الشارقة، وأعتبر أن أي آثار أكتشفها هي أمانة في ذمتي أتمنى أن تقوم المتاحف المختصة في كل إمارة بتسلمها ووضعها في مكانها الصحيح لأنني أقوم بهذا العمل بدافع حبي للوطن ولا أريد من خلفه أي شيء”. ويوضح “قمت بزيارة متحف الفجيرة لتسليمه تلك اللقى الأثرية وجاري التنسيق لهذا الغرض. كما قمت بعمل اتصالات مع متحف رأس الخيمة والشارقة من أجل تسلم هذه القطع الأثرية التي أحفظها بشكل دقيق بحيث لا تختلط القطع المكتشفة في الفجيرة بغيرها من القطع الأخرى في رأس الخيمة أو الشارقة”، مشيرا إلى أنه تم عرض بعض القطع الأثرية على أحد المختصين بالآثار في متحف الفجيرة فيما يخص القطع المعدنية والاكسسوارات النسائية التي عثر عليها في أحد المواقع بالقرب ممن وادي السدر فأكد أن تاريخها يعود إلى عصر ما قبل الميلاد”. ويشير إلى أن متحف الفجيرة مستعد لضمها إلى باقي الآثار الموجودة به. تجنب الحفر حول دراسته، يقول الصريدي “أتمنى أن أدرس الآثار كعلم لتنمية موهبتي وشغفي الكبير بتلك الهواية ولتأطير تلك الموهبة على أسس علمية سليمة خاصة وأن معظم المكتشفات التي قمت بها تأتي بناء على الحدس الشخصي وبعض القراءات والمتابعات عبر شبكة الإنترنت”. ويؤكد أنه حتى الآن لم يقم بالتنقيب عن الآثار بواسطة الحفر العميق ولكن بشكل سطحي جدا حيث يترك عمليات التعمق تلك للمختصين حتى لا يحدث أي ضرر بتلك الآثار في حال العثور عليها، مبينا أن تلك العملية ليست إلا مجرد هواية يتمنى أن تنمى بشكل علمي دقيق عن طريق إدارات الآثار في الدولة. ويقول “أمتلك حتى الآن أكثر من 200 قطعة أثرية عبارة عن عملات معدنية واكسسوارات وبعض من آلات الحرب القديمة ولكن بحجم صغير وغيرها من القطع وإن كانت هناك من الـ200 قطعة تلك حوالي 31 قطعة تعد رئيسية وذات قيمة كبيرة كما علمت من المختصين في المتاحف”. ويضيف “أحتفظ بتلك القطع الأثرية منذ ما يزيد على عشر سنوات وأتمنى أن أسلمها للمتاحف في الفجيرة ورأس الخيمة والشارقة لأنها تعد أمانة ثقيلة على كتفي. كما أتمنى أن أعمل مع تلك المتاحف بشكل مقنن وعلمي وليس من تلقاء نفسي لأنني أشعر أن لدي موهبة في هذا المجال”. وحول كيفية اكتشاف الموقع الأثري، يقول الصريدي “لدي حاسة في هذا الشيء حيث إنني أذهب إلى المواقع التي توجد بها آبار مياه متجددة أو تلك التي أعلم أنها كانت تحفل بالعديد من الآبار القديمة والتي تمتاز تربتها بالخصوبة ما يشير إلى أن هذه المناطق كانت في السابق مكانا ملائما لتجمعات بشرية فحيث يوجد الماء توجد الحياة وهي قاعدة أعمل بها كأساس في حلي وترحالي للبحث عن مواقع الآثار في كل مكان”. تنسيق مع متحف الفجيرة يقول أحمد الشامسي، رئيس هيئة الفجيرة للسياحة والآثار “التقيت سيف الصريدي في متحف الفجيرة ودار بيننا نقاش حول تلك القطع الأثرية التي عثر عليها وبادرنا كمتحف بأن نقوم باستلام تلك القطع في إطارها القانوني السليم والعمل على عرضها في المتحف ضمن الآثار الأخرى ولكن بشرط أن تكون من مواقع أثرية داخل حدود إمارة الفجيرة فقط وليست من أي إمارة أخرى لأن لكل إمارة متاحفها ولا نريد التدخل في شؤون تلك المتاحف وما يتم العثور عليه من أثار تابعة لها”.