الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحكواتي» يروي قصصاً حماسية تنتهي فصولها بانتصار الخير

«الحكواتي» يروي قصصاً حماسية تنتهي فصولها بانتصار الخير
4 أغسطس 2011 22:54
"الحكواتي" مهنة الفن والأدب والشعر.. و"السيطرة" على المستمعين، عبر الإصغاء الكلي وشد انتباههم وخيالهم، لسيرة "عنترة بن شداد" أو "ابو زيد الهلالي"، أو صلاح الدين.. والسيرة والسرد وجذب الانتباه، تطول مدته لأيام او أسابيع، مع نهاية سعيدة في فوز بطل الرواية، والقضاء على الأشرار والمجرمين والخارجين عن القانون. يعد “الحكواتي” شخصية شعبية محببة لدى الكبار والصغار، والأجداد يروون عن “الحكواتية” قصصاً حماسية اقتبسوها اي “الأجداد” في نبرتهم العالية عن الراوي الذي كان يجمع أبناء الاحياء الشعبية “والقبضايات” ووجهاء المناطق في شهر رمضان المبارك، ليجسد لهم بالصوت والصورة إحدى الملاحم التاريخية، المليئة بالبطولة والمغامرات، وما يعرف الآن بـ”فن الاكشن”. من الصحيح أنها حرفة قديمة وعريقة، لكن “الحكواتي” يحتاج الى خبرة ومهارة في سرد الروايات، مع “الفلاش” والتوقف عند نقطة حساسة في القصة الى اليوم التالي، وهذا ما يجعل الجمهور “يترنح” شغفاً وشوقاً لمعرفة التفاصيل وبقية “الحبكة” بلهفة، ويزيد من “مرارة الانتظار”، أن جمهور أيام زمان كان يتحلق حول “الحكواتي” في المقاهي والنوادي والخيم الرمضانية، ووقتها كان “التلفاز” و”الراديو” غير منتشرين كما الحال اليوم، وهل هناك أفضل من أمسيات وسهرات شهر رمضان لسماع حكايات الأبطال والمغامرين بعد الإفطار؟ فنون الإلقاء إن ما يميز “حكواتي” الأمس هو القيم والفضائل والشجاعة التي كانت تتسم بها الشخصيات والملاحم، والهدف من سرد القصص التاريخية أنها تحمل معاني نحتاجها اليوم، وان الغاية توجيه الشباب الى الطريق المستقيم المليء بالقيم والاخلاق ونجدة المحتاج، وهذه المهنة لا يقدر عليها أياً كان، لانها تحتاج الى فنون في الإلقاء والسرد والصوت الجهوري، وهي تمثل التراث الشعبي الذي يحبه كل الناس من دون استثناء، وبروز هذه المهنة يتم في شهر رمضان المبارك، حيث من الصعب ان نجد خيمة رمضانية أو مقهى الاّ وبه “حكواتي” يكمل عادات وتقاليد أحبها الصائمون وينتظرونها بلهفة كل عام. وسيلة تسلية بيروت، صيدا، طرابلس بمقاهيهم ومنتدياتهم كانوا على موعد مع “الحكواتي”، الذي لم يعد ظهوره مقتصراً على شهر رمضان المبارك، بل أصبحت هذه الشخصية مطلوبة في كثير من الاحتفالات والمناسبات، ويقول الدكتور طلال المجذوب الباحث في شؤون التراث، عن أهمية هذه الشخصية البارزة، إنها انتهت بانتفاء الحاجة إليها، في ظل بروز “الانترنت” والبث الفضائي. فهي كانت وسيلة تسلية جماعية، ان لم نقل وسيلة تثقيف وترسيخ للقيم والأخلاق التي تحلى بها أبطال الملاحم والقصص التي كان يسردها “الحكواتي” بشفافية وبساطة، وحتى ولو كانت الروايات غير واقعية، الاّ أنها بمجرد استنادها الى اسماء تاريخية معروفة مثل الظاهر بيبرس وعنتره والزير سالم، فإن نكهة وجدانية حماسية ونفحة أدبية معبرة من الراوي سوف تدير رؤوس المستمعين، فتدب النخوة ويعلو الصراخ وتنقسم آراء البعض الى الحلقة المقبلة، مع “التخمين” بمسار الاحداث وتطورها. يضيف د. المجذوب: عرفت صيداً قديماً خمسة “حكواتية” أولهم كان من حلب ويدعى الحاج محمد الحلبي، وهو قدم الى المدينة في عام 1837 وكان أول من مارس هذه المهنة، ليأتي بعده الحاج عبد الرحمن الحكواتي، ومن ثم الثلاثة الذين مارسوا هذه المهمة وآخرهم الحكواتي ابراهيم الذي توفي سنة 1981. ومن المهم ذكر أن عائلة الحكواتي الصيداوية أصلها من عائلة السروجي، وان فرعاً منها اتخذ اسم الحكواتي بعدما عمل وامتهن هذه “الصنعة”. شخصيات تاريخية وشعبية وعمل الحكواتي كان يتركز في المقاهي والمنتديات والخيم الرمضانية وفي الاحياء الشعبية، وقهوة “الخيرية” و”الفزاز”، كانتا تستضيفان هذه الشخصية، والمقهى الاول كان تابعاً لجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في صيدا، وعمل الراوي يمتد يومياً على فترتين بين صلاتي المغرب والعشاء، وهي فترة قصيرة لا تزيد على الساعة، وبعد صلاة العشاء يقف “الحكواتي” مستعيناً بكتاب ضخم يصطحبه معه بشكل دائم، ويبدأ الرواية التي غالباً ما تكون عن شخصية تاريخية وشعبية، وتدور أحداثها عن البطولة والشرف والشجاعة والمرؤة ونصرة المظلوم والمحتاج، وفي نهاية كل قصة لا بد أن ينتصر الخير. ويبقى “الحكواتي” جمهوره ومستمعيه في شوق دائم لمعرفة وقائع الحكاية والاحداث أولاً بأول، واذا ما طالت الرواية لعدة ليالي فإنه يحرص ان تنهي مسار “ألملحمة” بموقف يكون البطل فيه بمأزق، حتى يزيد من حماسة الحضور في اليوم التالي، لمعرفة كيف سيخلص البطل نفسه، وهذا يزيد في فن التشويق و”الاكشن”... ممثل حقيقي كان “الحكواتي” يقوم بتجسيد شخصيات روايته حد التمثيل والإيحاء الرائعين، وهو يبدأ من تحريك اليدين وهزّ الرأس، الى ارتفاع حدة نبرة الصوت والالقاء، فيضخم الأحداث الى حد أن باستطاعته ان يجعل الجمهور يعيش انفعالاته مع البطل ان كان في مأزق او اجتاز المحنة، وكثيراً ما يرفض بعض المستمعين مغادرة الصالة الاّ بعد معرفة “حيثيات” ملامح فصل اليوم التالي، والطريف أن بعضهم كان يلحق “بالحكواتي” الى منزله لمعرفة بقية الرواية. عمل “الحكواتي” كان قديماً يتواصل على مدار السنة كلها، لكن خصوصيته المميزة كانت في شهر رمضان المبارك على أساس ان “حبكة” القصص تتناسب مع أجواء الشهر الفضيل والقيم التي يمثلها والمعاني التي يحملها، وكلها كانت تتجسد في تصرفات أبطال الرواية، لا سيما وأن رواج هذه المهنة كانت تتلخص بأن الصائم وبعد الجهد والعبادة والصيام بحاجة الى الراحة، فكانت جلسات “الحكواتي” هي الملاذ والحل، وإنما بعد صلاة التراويح. بطولات العرب يقول ابو محمد العتر وهو واحد من الذين عاصروا “حكواتية” أيام زمان عن هذه المهنة، بأنها تشكل عدة فنون في وقت واحد، لناحية القصة والسرد وحالة التمثيل والدراما ايضاً في تفاصيل القصص عن أبطال العرب القدامى. والرواد القدامى كانوا يتبوأون الصفوف الأمامية ما سيروي “الحكواتي” من أشياء عرفوا عنها النذر اليسير في التاريخ، وطبعاً ان النظرة الى “حكواتي” أيام زمان عكس اليوم، فقديماً كانت إطلالتهم “غير شكل” وحضورهم يطغى حتى على القبضايات، وتمثيلهم الرائع كان يرمز دائماً الى الشجاعة والرجولة، حيث كانوا يتمتعون بحس الإلقاء المستمد من الناس والحياة، حتى ان بعض “الحكواتية” كانوا أثناء وصلاتهم يرتدون الملابس التقليدية والأزياء الشعبية عند اعتلائهم المنصة، فيضخمون الأحداث والمعارك لإبقاء رواد الصالة في حالة جذب لتفاصيل القصة التي قد تستمر لمدة سنة وأكثر حسب ذكاء و”حرفنة” الراوي، وكلما شد عصب الجمهور عبر إبراز بعض الوقائع المثيرة، كلما نال “الحكواتي” فلان خطوة وشعبية ومناصرة تختلف عن غيره، وهذا ما يعزز رصيده حسب قوة عناصر الإثارة والتعبير وحركات ضرب السيف واستخدام الأيدي والأرجل في مجريات الأحداث. معايشة التفاصيل “الحكواتي” فاروق الحلواني تحدث عن وصلته التي يقدمها في أحد مقاهي مدينة صيدا، فقال: الراوي الناجح عليه أن يضفي الاثارة من عنده لدى سرد أي قصة شعبية أو تاريخية، ومن أولويات النجاح يجب ان يقدمها بطريقته هو مع إضافات لابد منها في الحكايات والكلام والحركات وطبقات الصوت الذي يحتد ويرتفع بما يتلاءم مع المجريات، فهناك الربح والخسارة، والمعارك والفداء والانتصارات، والوصول الى الذروة في هذه المشاهد يتطلب جعل المستمعين والحضور يعيشون الحدث بكل تفاصيله، حتى أنني في كثير من الأحيان أمازح البعض لإعطاء الحماسة فرصة استراحة خوفاً من الانفعالات والحدة والصراخ ضد شخصية ما في القصة، ارتكبت أهوالاً وفظائع، وهذا ما يساعد في تبريد الأعصاب لفترة معينة. ويضيف: ان طبيعة عملي في شهر رمضان الكريم، تجعلني أشعر بان طقوس وعادات وتقاليد هذا الشهر المبارك لا تزال كما هي، وان خف بريقها عن الماضي، وايضاً أشعر بأنني أقدم شيئاً مفيداً للجمهور، عبر خصوصية طيبة لا نراها إلاّ في هذا الشهر الكريم.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©