الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إيطالو كالفينو: الطائر المتوحّد بنفسه

إيطالو كالفينو: الطائر المتوحّد بنفسه
31 يوليو 2015 22:36
حسونة المصباحي كان إيتالو كالفينو (1923-1985) الذي تحتفل إيطاليا، وعدة بلدان أخرى بمرور 30 عاماً على رحيله، كاتباً استثنائياً بالمعنى الحقيقي للكلمة إذ إنه ابتكر أساليب وطرقاً في الكتابة لم تكن معروفة من قبل. وللشبه بينه وبين الطيور، دأب النقاد على وصفه بـ«الطائر المتوحّد بنفسه». ولد إيتالو كالفينو في العاصمة الكوبيّة «هافانا» عام 1923 من أب وأمّ إيطاليين. وعقب مولده ببضع سنوات، عادت العائلة إلى موطنها ألأصلي لتستقرّ في «سان ريمو». وفي عام 1941، انتسب إلى كلّية الزراعة في مدينة «تورينو». مع ذلك ظلّ مشدوداً إلى الأدب الذي تعلّقت به نفسه منذ الطفولة. لذلك كان يلتهم كلّ الكتب التي تقع بين يديه. وبعض تلك الكتب سوف يكون له تأثير حاسم على نشأته الأدبيّة. وعن ذلك كتب: «هناك كتب قرأتها في فترة المراهقة وبداية الشباب. وهذه الكتب سيكون لها تأثير واضح على ما كتبت فيما بعد. وأول هذه الكتب واحد بعنوان: «اعترافات شيخ في الثمانين» لـ«إيبيليتو نيافو». في عام 1951، أصدر كالفينو كتابه الثالث: «الفيكونت المشطور». وقبل ذلك كان قد تصوّر أن يكون هناك إنسان مشطور إلى نصفين على مستوى الطول. وكلّ شطر يتحرّك مستقلاًّ عن الآخر، ويعمل لحسابه الخاص. بعدها اختار زمن الحروب بين الأتراك والنمساويين إطاراً لروايته المذكورة. وعن ذلك كتب: «بعد صدور «الفيكونت المشطور»، سار النقاد في طريق خاطئ معتقدين أن المقصود بالأمر هو موضوع الخير والشر. غير أني لم أقصد ذلك بأيّ حال من الأحوال. فما كان يهمني من هذا كلّه هو الانقسام، فالإنسان المعاصر مقسوم، ومشطور، ومشوّه، وغير مكتمل، ومعادٍ لنفسه على مستويات متعددة. ماركس يقول بأنه مستلب. وفرويد يقول بأنه مكبوت. ثمة حالة من الانسجام القديم باتت مفقودة. وهناك تطلّع إلى كماليّة جديدة. والنواة الأيديولوجية والأخلاقيّة التي كنت أرغب في الكشف عنها في روايتي هي هذه». عندما كتب كالفينو «الفيكونت المشطور»، كانت الحرب الباردة قد أصبحت تهدّد العالم. وكان هناك توتّر مخيف يهيمن على العلاقات بين المنظومة الاشتراكية بقيادة ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، وبين المنظومة الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. ويقول كالفينو بأنه وهو يكتب روايته المذكورة كان يعبر عن هذا الصراع من دون أن يدرك ذلك. كما أنه كان يعبّر عن الخوف الذي كان يعذّب الشعوب في ذلك الوقت العصيب. وفي نفس المنحى العجائبي، أصدر كالفينو رواية أخرى بعنوان: «البارون معلّقا». والفترة التي كتب فيها هذه الرواية كانت فترة التفكير حول الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون الإيطاليون في الحركة التاريخية في وقت كانت فيه الآمال الجديدة قد بدأت تصطدم بالانكسارات والخيبات المرة. وكان على كالفينو أن يعالج العلاقة بين الوعي الفردي، ومسار التاريخ. وبطل رواية «البارون معلقاً» طفل يتسلق شجرة. ويظلّ يصعد ويصعد إلى أن يدخل عالماً جديداً فيه يلتقي بأشخاص خارقين للعادة. ولم يكن كالفينو يريد من خلال الطفل أن يعبّر عن رغبة في الهروب من الواقع ومن المجتمع، وإنما كان يريد أن يقول بأننا نقدر أن نفيد الآخرين ونحن منفصلون عنهم. وذلك هو مصير الشاعر، والمكتشف الثوري. وفي «البارون معلقاً»، هناك أيضاً تعبير عن حرية الفرد في اختيار مصيره. ابتداءً من الستينيات، أصبح كالفينو مشهوراً على المستوى العالمي. وكان كثير السفر. ولسنوات عدة أقام في باريس مقيماً علاقات وثيقة مع رموزها الفكرية والأدبية، كما أحب نيويورك التي كان يشعر فيها بأنه أحد مواطنيها. وفي كلّ مرة يزورها يجدها أجمل من ذي قبل. عنها كتب يقول: «إنها- أي نيويورك- مدينة مثالية بالنسبة إليّ. وقد يعود ذلك إلى أنها مدينة هندسيّة، بلوريّة، من دون ماضٍ، ومن دون عمق، وظاهرياً دون أسرار. وهي المدينة التي توهمني بأنه باستطاعتي أن أمتلكها، وأن أسيطر عليها بالفكر». وفي صيف عام 1985 كان كالفينو يتجول في حديقة بيته متصفّحاً كتاباً. فجأة سقط على الأرض بعد أن اصطدم رأسه بصخرة. وبهذا الحادث، انتهت حياة واحد من أعظم المبدعين الذين عرفهم العالم خلال القرن العشرين!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©