الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى

إذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى
4 أغسطس 2011 22:47
ذات يوم، كنت عند أحد الأصدقاء فطرق الباب طارق، فقال صاحب الدار لولده افتح الباب وقل للطارق أبي ليس في البيت، فمضى الولد وفتح الباب، وقال إن أبي يقول لك إنه ليس في البيت!! وبعد ذهاب الرجل أراد الأب تعنيف ولده فزجرته وقلت له لقد تصرف ولدك بالصواب والصدق، ولو عنفته لغرست فيه الكذب، وينبغي عليك أن تبين أمام ولدك أنك أنت المخطئ، وأن ما قمت به كان كذباً وتهرباً من لقاء الرجل لأسباب معينة!! فانظروا كيف يغرس الآباء والأمهات الكذب في نفوس أولادهم بتصرفاتهم التي لا يتنبهون إلى خطورتها! فما أجمل الصدق في حياتنا والله تعالى يأمرنا أن نكون دائماً مع الصادقين، كما قال في سورة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). وعلينا أن نتعلم كيف نكون مع الصادقين، من سيرة سيد الصادقين سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجد الباحث أي عناء عندما يبحث في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يجد أن الصدق صفة ملازمة له من قبل أن يبعث وبعد بعثته، سواء في حياته الخاصة مع أهله وأولاده أو مع عامة الناس. فقبل أن يبعث شهد له قومه بالصدق، فلم يعهدوا عليه كذبة في حياته بينهم، كما أخرج مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ “لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَ(أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ) خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهْ فَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ قَالُوا مُحَمَّدٌ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَا لِهَذَا ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ”. وفي صحيح البخاري (قالوا ما جربنا عليك إلا صدقاً) فمن منا لم يجرب عليه إلا الصدق في حياته مع الناس؟ ولم يكن التزامه بالصدق تظاهراً أمام قومه، بل كان خلقاً نابعاً من ذاته يتجلى في أخلاقه داخل حياته الخاصة كما شهدت به زوجته خديجة رضي الله عنها ففي حديث بدء الوحي (فلما ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ قَالَ لِخَدِيجَةَ أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ). فقد يتمكن الرجل من التظاهر بالصدق أمام الآخرين ولكنه لا يستطيع تصنع ذلك أمام زوجه وأولاده!! وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التزام الصدق حتى في المزاح مع الأولاد لنعزز فيهم قيمة الصدق، ونهانا أن نعطي لأولادنا وعداً لنسكتهم ثم نخلف ذلك الوعد! لئلا يغرس في أذهانهم مشروعية الكذب ففي مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: (كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يعني ابن مسعود رضي الله عنه يَقُولُ إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ... وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيًّا ثُمَّ لَا يُنْجِزُ لَهُ قَالَ وَإِنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا). وعلى أرض الواقع نبه النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الأمهات إلى التزام الصدق مع ولدها، كما في سنن أبي داوود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ “قَالَ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَـمْرًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ”، والحديث واضح الدلالة على حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق في التعامل مع الصغار لغرس الصدق فيهم حتى بالمزاح واللعب والهزل، ولا يجوز أن تعد الأم طفلها بشيء ثم لا تنجز وعدها! وقد يعتقد بعض الناس أن الكذب ينجيهم من بعض الورطات والمآزق! لكن الحكماء يقولون: (إذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى). وقد ذكر المؤرخون مثلاً لأحد الرواة الصادقين الذين لم يعهد عليهم الكذب أبداً، قال أبو مسلم صالح بن عبد الله العجلي حدثني أبي قال: “ربعي بن حراش كوفي تابعي ثقة يقال إنه لم يكذب قط وكان له ابنان عاصيان زمن الحجاج فقيل للحجاج إن أباهما لا يكذب قط ولو أرسلت إليه فسألته عنهما فأرسل إليه فقال له أين ابناك قال هما في البيت قال قد عفونا عنهما لصدقك”!! وأحب أن أقول: كم من موظف كذب فتمارض ليهرب من العمل، وكم من زوجة كذبت على زوجها لتتقي المحاسبة!! وكم من تلميذ كذب على أستاذه هرباً من العقاب على تقصيره في الواجبات، ولكن حبل الكذب قصير، وإذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى!!وقال أرسطو (الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب). ومعلوم أن الإسلام يتنافى مع الكذب في كل أحواله، فقد يقع الإنسان في خطايا كثيرة ويبقى في دائرة الأمان، لكنه إذا وقع في الكذب فقد وقع في دائرة الخطر على دينه وإيمانه! كما أخرج الإمام مَالِك عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لَا)، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ). فما أجمل الصدق في حياتنا، وما أجملنا حين نكون صادقين مع الله تعالى، وصادقين مع أنفسنا، وصادقين مع أولادنا والناس من حولنا، لنكون دائماً مع الصادقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. د. محمد بسام الزين
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©