الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شتلة التبغ رفيقة الهم والصمود

17 سبتمبر 2006 00:56
عنصران صاغا حياة الجنوبي اللبناني على مدار عقود، أولهما مواجهة الظلم والفقر، وثانيهما مقاومة الاحتلال· وما بينهما كان للجنوبي رفيقه الدائم، يدرأ عنه غائلات الدهر ويمده بعزيمة الصمود: إنها شتلة التبغ التي شكلت وجبة مرة مغمسة بالدم والدموع· حكاية نبتة التبغ، هي حكاية الجنوبي والعكس صحيح· كلما سقط جنوبي شهيدا، سقطت معه نبتته مصدر الحياة· وكلما تعرض جنوبي لظلم كان لنبتته منه نصيب· فقبل اسرائيل تحكم بهذه الزراعة جشع الاقطاعيين وتلاعبات السياسيين وجور الادارات الرسمية المعنية المانحة للرخص والتحكم بأسعار الانتاج· مصدر معيشي وتعتبر زراعة التبغ المصدر المعيشي الأول للأغلبية الساحقة من العائلات الجنوبية، وقد عانى مزارعوها الكثير في السابق من التعب للحصول على إنتاجهم إذ كانت كل الطرق الزراعية صعبة وكانوا ينقلون الاشتال على الدواب ويرشون المشاتل من برك للماء في وسط القرى بأيديهم، ولم يكن يحصل المزارع على بدل تعبه إلا النذر القليل· بعد تحرير المناطق المحتلة في العام ،2000 شهدت زراعة التبغ انتعاشا ملحوظا اذ حظيت باهتمام رسمي، فعاد الآلاف من المزارعين الى هذه الزراعة بعد أن كانوا تخلّوا عنها، في سنوات الحرب، كما جذبت مزارعين آخرين لا يملكون رخصاً إلى الانخراط فيها· يستفيد من زراعة التبغ في الجنوب 16500 عائلة من بينهم 2500 عائلة في منطقة النبطية، التي تنتج حوالى مليون كيلو غرام من التبغ سنوياً· وتعتبر بلدة عدشيت (النبطية) من أكبر القرى المنتجة للتبغ في الجنوب، حيث يصل إنتاجها الى حوالى 180 ألف كيلو غرام أي بنسبة عشرين في المئة من زراعة التبغ في منطقة النبطية· ومع بداية شهر نيسان (ابريل) من كل عام يباشر مزارعو التبغ في منطقة النبطية بزراعة موسم العام، فيبدأون بغرس شتلات التبغ في الحقول المحروثة· ولا تزال الطريقة المتبعة في زراعة التبغ تعتمد على الوسائل التقليدية التي عرفها المزارعون الجنوبيون قبل عشرات السنين، وتتلخص بقيام المزارع بغرز ''سكة المياه'' (الود) أو (النبوت) كما يسميه المزارعون في الأرض المثلمة جيداً على شكل صفوف، حيث يفتح في كل ثلم عشرات الثغرات الصغيرة التي تبعد كل واحدة عن الأخرى حوالي 10 سنتيمترات، ويقوم بسقايتها بخرطوم مياه يحمله بيده الأخرى، و يمتد من خزان قريب أو من تجمع براميل مملوءة بالمياه ينقلها إليها جرار زراعي كلما أفرغت منها، في حين يقوم أحد العمال أو العاملات برمي شتلات التبغ على الثغرات المفتوحة شتلة شتلة· بعدها يعمد عمال أو أفراد العائلة إلى غرس كل شتلة في ثغرتها بعد توسيعها وتعميقها بواسطة عود خشبية محدبة الرأس قبل إهالة التراب على هذه الثغرات لتغطية جذوع الشتلات المغروسة، منعاً لتسرب أشعة الشمس إليها· زراعة عائلية وزراعة التبغ في الجنوب هي زراعة عائلية يشترك فيها معظم أفراد الأسرة كباراً وصغاراً، أو يعاون فيها المزارعون بعضم البعض، في الوقت الذي يعمد فيه البعض إلى استخدام عدد من العمال والعاملات من ذوي الخبرة في الزراعة المذكورة إذا اقتضى الأمر· تبدأ زراعة التبغ بزراعة البذور في مشاتل خاصة خلال شهر شباط (فبراير)، حيث تروى، وترش بالأدوية والمبيدات الزراعية وتصبح شتلات صالحة للزراعة في الحقول منتصف فصل الربيع· بعد ذلك بفترة من الزمن يبدأ المزارعون بقطاف أوراق التبغ الناضجة رويداً رويداً· ومن ثم يعمدون إلى شكها بواسطة أسياخ حديدية يسمونها (الميابر) قبل إفراغها في خيطان كتانية تعلق على مناشر خاصة بها تحت أشعة الشمس أياماً عديدة حتى تجف· بعدها يقومون بتجميع الخيطان وأوراق التبغ اليابسة على شكل رزم تعلق في سقوف بعض الغرف المخصصة لهذه الغاية في منازلهم، ومع بداية فصل الخريف يبدأون بإنزال هذه الرزم إلى أماكن رطبة لتليين الأوراق اليابسة فيها، ومن ثم يقومون بترتيب هذه الأوراق وتصفيفها وتوضيبها في طرود مغلفة بمادة الجنفيص تمهيداً لتسليمها إلى إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)· في الحرب الأخيرة، تعرضت زراعة التبغ الى ما تعرض له الجنوب· مرت عليها آلة الحرب الاسرائيلية في الحقول فاصبحت عرضة للتلف والبوار··· لكن مع عودة النازحين الى ديارهم المنكوبة، كانت بانتظارهم تمثل لهم مصدر خير ومنبعا للحياة والصمود·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©