الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس من تحت الصفر

24 يناير 2014 21:42
شاهدت برنامجاً حول طائر البطريق في «ناشيونال جيوجرافيك»، حيث تذهب الأنثى للصيد، بينما يتجمع الذكور حول البيض لغايات منحه الحرارة المناسبة للتفقيس، وهي مهمة شاقة وعسيرة تجري في ظل أجواء بالغة البرودة، حتى على البطريق، ابن القطب الجنوبي، الذي يحيا ويموت على الجليد. يُشكل الذكور دوائر متتابعة عملاقة حول البيوض، حيث قد يشكل الدائرة الأولى، أربعة أنفار تلتصق البيوض، ثم دائرة قد تكون من ثمانية، ثم تليها دائرة أكبر، وهكذا تكبر الدوائر على شكل متوالية هندسية، حتى تشمل جميع ذكور المجموعة. لكن جميع البطاريق المشاركة في الدائرة العملاقة الأخيرة، سوف تتعرّض لبرد شديد قارس وقارض، وقد تموت جراء ذلك، لكن مجتمع البطريق المتكافل لا يمكن أن يسمح بهذه النتيجة، لذلك عرف البطريق الطريقة السليمة لتجنب هلاك أبناء الدائرة الأبعد، بتطبيق أسلوب يضمن العدالة الاجتماعية الكاملة والشاملة. لاحظت كاميرا الـ «ناشيونال جيوجرافيك»، أن حركة ما تحصل في الدائرة البطريقية، تشبه الحركة «التكتونية» للصفائح الأرضية، وهي حركة موقوتة على الساعة البيولوجية لطائر البطريق، حيث يتم تبديل المواقع كل فترة من أول دائرة حتى الأخيرة. يتم أولاً استبدال الأربعة في الدائرة الأولى بما يليها، ثم يتم توزيع هذه الدوائر، بحيث يحصل كل فرد من أفراد المجموعة على دوره في الوقوف في كل دائرة، من الأولى «الأكثر دفئاً» حتى الأخيرة «الأشد برودة».... ويستمر ذلك في دقة تامة، حتى يتم تفقيس البيض. وتخرج الأجيال الجديدة للحياة. لا بل إنه، وبعد تفقيس البيض، وخروج الأجيال الجديدة من البطاريق إلى الحياة، تقوم الذكور بوضع أقدام البطاريق الصغيرة فوق أقدامها والسير، حتى لا تتضرر أقدام الصغار الهشَّة من برودة الثلج،؟ ويستمر هذا الأمر عدة أيام حتى يقوى الصغير على الوقوف على الثلج. تخيلوا لو يمتلك هذا الطائر وعياً - ولو متوسطاً - فإنه بهذه العقلية سوف يسود العالم. وتخيلوا لو أن مجتمعاً بشرياً يستطيع أن يقسم العمل من أجل بناء المجتمع بهذه الطريقة العادلة تماماً.... أنا قلت:- تخيّلوا. إنه تخيّل صعب - أدرك ذلك - لكن هل نستطيع، - أو بالأحرى - هل نجرؤ على تخيل حد أدنى من هكذا عدالة في العالم العربي، مثل أن يتم تداول المناصب بأقل قدر ممكن من الواسطة والمحسوبيات، ونقبل بالمناصفة في المرحلة الأولى، نصف بعدالة ونصف بوساطة، لغايات تجنب الاحتكاك السلبي الذي يكسّر مسننات المجتمعات، كما يحصل حالياً في الكثير من الدول العربية، حيث تموت المجتمعات وتفني نفسها عن سابق تصميم وترصد من أبنائها. لست متفائلاً، ولست متشائماً، ولست أتمنى الأمنيات، لكن أعتقد أن علينا السعي إلى مجتمع عادل نسبياً حيث: - لا إقليمية ولا مناطقية. - لا أبناء عشائر، وأبنا..... - لا طائفية - لا وساطات ولا أبناء داية - لا شرق ولا غرب - لا منسف ولا ملوخية الكل سواسية يستجيب لحاجات المجتمع بشكل عادل تماماً. لأننا إذا لم نصل إلى هذه المرحلة قريباً - مرحلة السعي على الأقل - فإننا سنتحول إلى مجتمع يقوم بوأد نفسه بكل سادية ومازوشية..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©