الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سميح القاسم.. مرفوع الهامة يمضي إلى الضفة الأخرى

سميح القاسم.. مرفوع الهامة يمضي إلى الضفة الأخرى
20 أغسطس 2014 23:50
ساسي جبيل(أبوظبي)غيّب الموت أول من أمس شاعر المقاومة الفلسطينية سميح القاسم عن سن يناهز 75 عاماً، عاشها الشاعر مزدحما بقضايا الوطن والأمة، مسكونا بحالة الشرود العربي التي أتت على الكثير من المقومات في عصر الثورات والأحزان وسط ولولة حرائر غزة وصياح أطفالها وهم يرفعون علامة النصر من بين الأنقاض. رحل سميح القاسم تاركا كثيراً من المسودات ورؤوس الأقلام والنصوص الباذخة. كان يشعر باقتراب أجله لذلك أعد له العدة جيدا، أنهى كل التزاماته وتأنق في استقبال النهاية المحتومة، وجمع كل ما كتب ليطلقه في الريح عل نسماته توصله إلى قلوب المكلومين في مشارق الأرض ومغاربها. لم يكن غاضبا من الموت في ذاته، كان خائفا من الموت الممتد من حوله، لم يكن يخاف النهاية الذاتية، كان يخاف النهاية الموضوعية في الوقت الذي يمتد فيه السواد في ساحات الأرض العربية. ولد سميح القاسم في العام 1939 في الزرقاء غير بعيد عن العاصمة الأردنية عمان عندما كان العالم يتأهب لحرب عالمية ثانية يسلم اثرها فلسطين من لا يملك لمن لا يستحق، وقبل سنوات من العام 1948 المفصلي في تاريخ فلسطين المسلوبة، تعلم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) قبل أن يتركه ليتفرغ لعمله الأدبي. عاش القاسم منذ طفولته المبكرة أحداثا مختلفة صاغت مزاجه الشعري الذي تميز بالمقاومة والذود عن الأرض والأهل والعرض، وسطر بقصائده ورواياته ومسرحياته حالة أدبية فلسطينية متميزة ومدوية استطاعت أن تفرض حضورها في العالم، لكنه في كل كتاباته كان الشعر يسطر نصوصه وكانت القصيدة عنده كالنبع في البراري بعد المطر الغزير. أصدر سميح القاسم حوالي 70 عملا أدبيا موزعة بين الشعر والنثر والرواية والمسرحية، ونال العديد من الجوائز الأدبية في فلسطين وخارجها، كما حظيت أعماله باهتمام النقاد في أكثر من بلد وتدرس قصائده وكتبه المختلفة في أكثر من جامعة عربية وغربية. قال صاحب «منتصب القامة أمشي. . مرفوع الهامة أمشي» في قصيدته «أنا لا أحبك يا موت. . لكنني لا أخافك. . »: «أنا لا أحبك يا موت/ لكنني لا أخافك/ أعلمُ أنّي تضيق عليّ ضفافك/ وأعلمُ أن سريرك جسمي/ وروحي لحافك/ أنا لا أحبك يا موت/ لكنني لا أخافك». ورغم ما خيّم على علاقة سميح القاسم بالشاعر الراحل محمود درويش من فتور ظاهري، كان بينهما ود روحي عميق ترجمه في نصه «لأنّا صديقان في الأرض والشّعب والعمر والشّعر/ نحن صريحان في الحبّ والموت. . . يوماً غضبت عليك. . . / ويوماً غَضِبتَ عليّ/ وما كان شيء لديك. وما كان شيء لديّ/ سوى أنّنا من تراب عصيّ/ ودمع سخي/ نهاراً كتبتُ إليكَ. وليلاً كتبتَ إليّ/ وأعياد ميلادنا طالما أنذرتنا بسرّ خفيّ/ وموت قريب. . . وحلم قصيّ/ ويوم احتفلت بخمسين عاماً من العمر/ عمر الشّريد الشقيّ البقي/ ضحكنا معاً وبكيْنا معاً حين غنّى وصلّى/ يعايدكَ الصّاحب الرّبذي: على ورق السنديان/ ولدنا صباحاً/ لأُمّ الندى وأب الزّعفران/ ومتنا مساءً بلا أبوين. . على بحر غربتنا/ في زوارق من ورق السيلوفان». كما صدرت رسائل الرجلين في كتاب مهم هو الأول من نوعه في الوطن العربي. وأطلق عليها الشاعر محمد علي طه عنوان «رسائل بين شطري البرتقالة» أيام كانت تنشر في صحيفة «اليوم السابع» في باريس و«الاتحاد» في حيفا. قبل أن يرحل كتب سميح مذكراته الممهورة بـ«إنها مجرد منفضة» وتميزت بأسلوبه الساخر وروحه المرحة قبل أن يسلم نفسه للمرض اللعين في إحدى مستشفيات صفد، مودعا وصيته التي لا تفارق الأسماع وهي قصيدة (تقدموا) التي يقول فيها: «تقدموا. . تقدموا. . كل سماء فوقكم جهنم/ وكل أرض تحتكم جهنم/ تقدموا. . يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم/ وتسقط الأم على أبنائها القتلى ولا تستسلم/ تقدموا. . تقدموا. . بناقلات جندكم وراجمات حقدكم/ وهددوا وشردوا ويتموا وهدموا/ لن تكسروا أعماقنا/ لن تهزموا أشواقنا/ نحن القضاء المبرم». يترجل الشاعر نحو قبره في قريته (الراما) بالجليل المحتل تاركا العمران يقع على أهله وساكنيه والوطن يدك بدبابات العدو، لكنه يزمجر صارخا من تابوته: «إن عشت فعش حرا أو مت كالأشجار وقوفا»، مؤكدا أنه كان نازلاً على سلم أحزان الهزيمة يمتصه موت بطيء، صارخاً في وجه أحزانه القديمة: «أحرقيني! أحرقيني. . لأضيء! لم أكن وحدي، ووحدي كنت، في العتمة وحدي راكعاً. . أبكي، أصلي، أتطهر جبهتي قطعة شمع فوق زندي وفمي. . ناي مكسّر. . كان صدري ردهة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©