الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلفة الثورة المصرية... عبء ثقيل على الفقراء

كلفة الثورة المصرية... عبء ثقيل على الفقراء
4 أغسطس 2011 01:00
يجلس سيد حسين في شاحنة معطلة مهموماً حزيناً، ذلك أن زوجته ستلد طفلهما الأول قريباً، ولا أحد من الزبائن يقصده ليصلح له إطارات هذه الأيام، كما أن ما يملكه من مال بدأ ينفد. ويقول سيد: "إن البلد ينهار!". سمكري الحي كمال فؤاد يهز رأسه موافقاً ويقول: "لديّ خمسة أطفال لأطعمهم ولكن العمل تراجع بنسبة 30 في المئة"، مضيفاً "كنت أستطيع تحمل الأمر خلال الشهر الأول من الثورة، حيث اقترضت مالاً من الجيران. ولكن الجميع لم يعد لديه مال اليوم. لقد طالت الثورة طويلاً!". كناسو الشوارع يقومون بكنس الزجاج المتناثر الذي يعود إلى مظاهرة نظمت مؤخراً، ولكن لا أحد يعرف ماذا ينبغي فعله حيال سيارة أحُرقت عند ناصية الشارع. وعلى بعد خطوات عبر الشارع من محل فؤاد، ينهمك رجلان في إصلاح الزجاج الأمامي لسيارة عادل موسى الذي ضُرب بالحجارة خلال اشتباك بين متظاهرين معارضين للحكومة وبلطجية. ويقول عادل: "هذا يكفي! ينبغي وقف هذه الاحتجاجات. هذا تخريب!". الواقع أن التضامن بخصوص الثورة التي أطاحت بمبارك في فبراير الماضي بدأ يتقلص وسط خلافات عميقة بين المحتجين وملايين المصريين الكادحين الغاضبين من الاضطرابات وعواقبها الاقتصادية. انقسام يكشف مدى الانفصال بين النشطاء الشباب الذين يخططون للتمرد في الفضاء الإلكتروني، وتخوفات العمال والحرفيين المعيشية. فالبلاد التي ألهمت موجة المطالبة بالديمقراطية في العالم العربي غدت بلاد المرارة والآمال المقسمة هذه الأيام. فالاحتجاجات في ميدان التحرير بالقاهرة ومطالبة المجلس العسكري الحاكم بالإصلاح السياسي حصلت على تنازلات وتعتبر من قبل النشطاء استراتيجية لتحقيق أهداف الثورة؛ غير أن الكثيرين يرون أنها أصبحت تشكل إلهاء خطيراً في وقت يتميز بتفشي البطالة وتقلص السياحة واضطراب سوق الأسهم. ويوم الاثنين الماضي، عمدت قوات الجيش والشرطة إلى تمزيق الخيام وإخلاء ميدان التحرير من حوالي 200 محتج متشدد، منهيةً بذلك ثلاثة أسابيع من الاعتصام الذي تقلص حجمه خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما غادرت معظم الأحزاب السياسية والمجموعات المنشقة الميدان قبل بداية شهر رمضان الكريم. وكان إطلاق النار في الهواء، واتجاه الدبابات نحو الميدان، ثم هرولة المحتجين آخر الصور المستفزة بالنسبة لمن يتوقون لعودة نوع من الحياة الطبيعية. خلال حكم مبارك الذي دام قرابة 30 عاماً، كان الفقراء والطبقة العاملة مترددين في الانتفاض خوفا من أن تكلفهم الاعتقالات والفوضى وظائفهم التي توفر لهم أجوراً يعيلون بها عائلاتهم. وقد عاد هذا الشعور اليوم بقوة في وقت يقوم فيه رجال مثل سيد بموازنة التطلعات إلى الديمقراطية والحقوق المدنية مقابل مبعث القلق الآني المتمثل في توفير قوت اليوم. وضمن هذا الإطار، يقول سيد: "لم يعد يبدو أن الأمر يتعلق بالسياسة والعدالة"، مضيفاً "لست أدري ما إن كان لدى المحتجين أجندة خفية أم لا. إذا كانت لديهم مشكلة مع الجيش، فلا بأس. ولكن عليهم ألا يضروا بمصالح الآخرين؛ وعلينا أن نمنح الجيش بعض الوقت، فالكون لم يخلق في يوم واحد". "سيد"، الذي تخرج من الجامعة، ولم يكن يعرف أحداً يستطيع مساعدته على إيجاد وظيفة في مكتب حين كان مبارك في السلطة، بدأ إصلاح إطارات السيارات. وهو يدعم عدداً من مطالب المحتجين؛ ولكنه يشعر بأن الغضب وتبادل الاتهامات يعرضان للخطر انتقال مصر إلى الديمقراطية. ويعتقد وفؤاد أن لدى الجيش نوايا حسنة، ولكنهما يعترفان في الوقت نفسه بأن على الجنرالات أن يسمحوا بالإصلاح ويعاقبوا جرائم الماضي. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول فؤاد: "إنني أثق في الجيش لأنه يدافع عن البلاد دائماً؛ ولكن لا بد من فعل شيء ما بخصوص جلب مسؤولي مبارك السابقين إلى العدالة". خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي مرت الثورة من حيهم، حي العباسية، حيث اجتاح رجال يحملون الحجارة والهراوات (بعضهم من الحي) الشوارع الصغيرة الخلفية في مسيرة إلى وزارة الدفاع. فهب فؤاد وسيد، الذي جرح بزجاج متطاير، لحماية بيتيهما ومحليهما وسط ومضات قنابل الجازولين.ويقول فؤاد: "الناس هنا ليسوا من البلطجية. إننا نعرف أن المحتجين لم يأتوا إلى هنا ليتسببوا في المشاكل"، مضيفاً "لا نعرف من بدأ أعمال العنف، ولكن بعض الناس على هذه الشوارع لم يكونوا سعداء بما كان يجري وهبوا لإنقاذ ممتلكاتهم". جلس فؤاد على حجر في الظل. السياسة لا تلقى جاذبية هنا؛ فبرامج وعرائض النشطاء تبدو جميلة، ولكن ثمة مسائل أكثر إلحاحاً وآنية. فالمبنى الذي يوجد به محل فؤاد مثلاً صدر أمر بإخلائه، وعليه أن ينتقل إلى مكان آخر. هو لا يعرف إلى أين، ولكنه واثق من أن ابنه مصطفى الذي يبلغ 11 عاماً لن يرث حرفته. لا جدوى من الاحتجاج على هذا الأمر، فتلك هي الطريقة التي تجري بها الأمور في حي كان في أواخر القرن التاسع عشر من أحياء القاهرة الجميلة والراقية؛ ولكنه منذ ذلك التاريخ تخلى عن العديد من شوارعه للفقراء. صديق فؤاد، رامي علاء الدين، أجبر على إخلاء المبنى منذ بعض الوقت. وكان أثاثه موجوداً في الشارع عندما اندلعت الاشتباكات. على صدره وذراعه ندوب حديثة لجروح وخدوش جراء تصديه لأشخاص ومنعهم من الاقتراب من أثاثه. ويقول علاء الدين الذي كان واقفاً قرب باب مشروخ لغرفة استعارها: "هذه ليست الطريقة التي سنحسن بها حال مصر!". جيفري فليشمان - القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©