الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القاتلتان.. المرأة والقبلة

القاتلتان.. المرأة والقبلة
31 يوليو 2013 22:50
ميلاد ديب المرأة القارضة لا أعرف لم تفعل ذلك؟ تبدأ من الصباح. هو فطورها وغداؤها وعشاؤها. حاولت مرارا أن أثنيها عن فعل ذلك. أغلقت فمها بلاصق وقيدت يديها. لها أسنان فأرة.. وشفتان من أسمنت خالص. عندما أقبلهما أشعر بأنني أقبل جدارا. الأطباء عجزوا عن تفسير حالتها: حللوا دمها.. صوروا أمعاءها وأسنانها. قالوا لي: إن معدتها مثل معدة ذئب. وستعيش طويلا. لعنتهم في سري لأنهم أخبروني بذلك.. فأنا أريدها أن تفارق الحياة وأن تمضي إلى الموت الآن. عرف الجميع بقصتها: الصحافيون.. أطباء بلا حدود.. الإذاعة والتلفزيون.. شعراء وكتاب.. وأهم من هؤلاء كلهم.. جارتنا البدينة ذات اللسان الطويل. ماذا أفعل؟ كنت أفكر بهجرانها لكن الطلاق غير مسموح به في ديانتنا. وأنا لا أرغب بمخالفة الشرائع الإلهية. سأنتظر معجزة ما.. تريحني من هذا البلاء الكبير. يا إلهي! إنها تطبخ لي ولا تأكل مما تطبخ. صباحا، تفتح فمها وتسن أظافرها وتبدأ بالقضم. يا إلهي! صرير أسنانها كصرير أبواب صدئة وأنفاسها المتلاحقة تبدو مثل عاصفة. لم أستطع أن أمنع ذلك، لذا غادرت حارتنا وجدرانها المسلوخة. رحلت مع زوجتي إلى مكان لا يعرفنا فيه أحد. رحلنا إلى الصحراء.. وهناك رفعت خيمة كبيرة من الشعر وشرعت أضحك على زوجتي. لأن طعامها المفضل لم يعد موجودا. وفي الصباح الباكر صنعت لي فطورا لذيذا ثم خرجت لتملأ سلتها بالرمال. ماذا أفعل؟ فأنا لا حول لي ولا قوة. هل تستطيعون مساعدتي؟ فزوجتي لا تأكل سوى الدهان الموجود على الجدران.. والإسمنت المطلي.. والآن صارت تأكل الرمال الحارقة. فهل لديكم زوجة تشبهها. أرجوكم راسلوني؟ قبلة في مسرح المدينة كيف أصور ما حدث؟... لقد مرت عشر سنوات على تلك الحادثة المفجعة. أيها الناس! لا أريد أن أقص عليكم عما يعتمل في نفسي. آه! إنني أستنشق ما حدث.. عند كل حركة وكلمة ونظرة. أرجوكم.. تأكدوا من أنكم تستطيعون الثبات حتى النهاية، عندما أصرح لكم بالذي حصل في مسرح المدينة.. وهاكم الحكاية: حينما أطفئت الأنوار خارج خشبة التمثيل.. ورفعت الستارة الحمراء.. بدأت المسرحية بممثل يمسك بعصا للمكفوفين، يجلس إلى مقعد حجري.. وبممثلة داخل كرسيها المتحرك. وفي أعلى السقف ضوء على شكل قمر مكتمل.. أظهر لوحة متدلية، كتب عليها: مدرسة للمعاقين. وما إن أخذ الممثل يد الممثلة.. وقبّل شفتيها قبلة دافئة.. حتى علت صرخة نسائية في الصالة؛ وتبعتها أخرى فأخرى. سمعت صوت تمزق الثياب في المقعد المجاور.. وشممت رائحة احتراق ما.. وتعالى الرصاص والبكاء.. وارتفعت أعمدة الدخان إلى السقف. نظرت إلى الستارة الحمراء المأكولة بالنار.. والى الممثل والممثلة وهما مغسولان بالدماء؛ وإلى اندلاع النيران في المقاعد، وثياب الحضور، والأسلاك الكهربائية.. حاولت أن أهرب إلى الخارج مع الأفواج المندفعة.. لكن الأبواب كانت مقفلة... ولم أصح إلا في المستشفى.. حيث الحروق كانت تغطي كامل جسدي. تلك القبلة قد قتلت الكثير منا.. وسوف تقتل المزيد منكم في المستقبل. وأعدكم بأنني لن أمسك بيد حبيبتي في شارع أو حديقة أو مهرجان.. أو في مكان عام. ولن أكتب كلمة (قبلة) على راية أو على لوحة أو على قميص. وحينما أكون معها في غرفتي.. سأقفل الباب جيدا وأحجب النافذة كي لا يرانا أحد. لكن تساؤلي الوحيد الذي كان يؤرقني باستمرار: من الذي أغلق أبواب المسرح من الخارج؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©