الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعلق المَرَضي

التعلق المَرَضي
31 أكتوبر 2010 20:07
المشكلة عزيزي الدكتور: أنا فتاة جامعية ملتزمة ومتدينة والحمد لله، من أسرة محافظة ومتوسطة الحال. توفي والدي منذ ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني الفراغ ومكسورة من الداخل بعد أن فقدت صاحب القلب الكبير الذي كان يحيطني ويمنحني الحب والدفء والأمان في هذه الدنيا. ساءت نفسيتي بعدها، لكنني استطعت تدريجياً وبصعوبة أن أتوافق مع حياتي. لم أفكر مطلقاً أن أصادق شبابا، ولم يكن لي علاقة بهم مطلقاً. صادقت زميلة لي صداقة قوية واعتبرتها أختا لي . ومع مرور الوقت توطدت علاقتى بها وأصبحت قوية جداً. وكذلك بأسرتها ولاسيما أنني شعرت معهم أنهم أهلى ومنحوني الجو الأسرى والحنان الذي أفتقده أنا وأختي التي تصغرني. المهم أنني توطدت معرفتي بشقيق صديقتي الأصغر منها، وبسبب فرق السن بيننا بدأ يتقرب مني ويطلب مشورتي في أى موضوع، ويرتاح للتحدث والفضفضة معي، ولاحظت أنه يعاني من مشاكل كثيرة مع أسرته وشقيقاته وخاصة أنه الشقيق الوحيد والأصغر بينهن، ودائما يتهمهن بأنهن يلمنه ولا يفهمنه جيدا، وأن هناك حاجزا كبيرا بينه وبينهن. وبدأ يحكي لي كل مشاكله حتى مع أصدقائه القليلين، واستطعت أن أفهم شخصيته وأستوعبه تماماً، وكنت أشعر أحياناً أنه مظلوم ومقهور نفسياً، خاصة أنه أخفق في الالتحاق بالجامعة إثر وفاة والدته التي كانت تمثل كل حياته، واقتصر على التعليم المتوسط. وأنه يعاني من الفراغ بعد وفاتها كما يفتقر إلى أصدقاء حقيقيين له. كثيراً ما كان يبكي، وتعاطفت معه جداٍ، وتدريجياً شعرت أنه تعلق بي جداً، وشعرت أنني أصبحت أهم إنسانة بالنسبة له. وأكد لي أنني الأعز لديه بين كل الناس الذين يحيطون به، ولمست هذا أكثر من مرة. وأنا كذلك بدأت أشعر بأن هناك شعورا داخليا غريبا ناحيته، واكتشفت أنني أحب أن أراه وأتحدث إليه وأسمعه باستمرار. ووجدت نفسي أفكر فيه كثيراً، رغم أنني أعلم أن لا أمل في هذه العلاقة على الإطلاق؛ لأن هناك فروقا عديدة بيني وبينه أهمها العمر والمؤهل، فضلاً عن كونه غير مؤهل للزواج الآن. لكن المشكلة الحقيقية أننى أشعر أنه يحبنى جداً وأن شعوره صادق للغاية ويتمنى لي كل السعادة ولا يرغب أبداً أن يخدش سعادتي، ورغم أنه أصغر مني فقد لمست فيه حنان والدي يرحمه الله. لم أصارحه بحبي له بالمفهوم الذي يتكون بين أي شاب وفتاة، ولا يعرف أنني أحببته بالفعل، وبت أفكر به، وأنتظر لقاءه أكثر مما هو ينتظر. ولم أصارحه بقناعتي بأن طريقنا معاً مغلق للأسباب التي ذكرتها، فعلاقتي بأخته قوية للغاية، ولا أريد أن أخسرها، وأنا في عذاب نفسي دائم، وأشعر أنني أصبحت لعنة حياته، وأن عذابه أكبر مني لأنه تعلق بي ويحبني ولا يستطيع أن يبتعد أو يرتبط بي. كل الظروف ضده. وأنا كذلك لا أعرف كيف أعيش دونه، وكيف أكمل حياتي. وأخشى أن يلاحظ الناس أنني أحببته. وخائفة ألا أستطيع أن أحب إنسانا بعده، أو أكمل حياتي مع أحد غيره. كيف أتصرف؟ وكيف أنساه؟ فهل يا ترى شعوري ناحيته حب حقيقي فعلا؟ أم أنني واهمة؟ إنني في حيرة وأحتاج النصيحة بالفعل. اليازية أ.م. النصيحة قرأتُ باهتمام كلمات رسالتك، وتوقفت عند دلالاتها كثيراً. ولا أخفيك سراً أنني توقعت ما أنت فيه من حيرة، وموقف لا تُـحسدين عليه، وحتى أجيبك بنصيحة ذات فائدة، عليك أن تتقبلي صراحتي وإن جاءت صادمة. أنتما أسيران لظروف اجتماعية متشابهة، أو بالأحرى كنتما نتاج صدمة عاطفية يطلق عليها علماء النفس “فجيعة الفقدان”، وهي عبارة عن آلام وفراغ وإحساس بالضياع إثر فقدان شخص عزيز. ولعلّ ما أحدثه فراغ وفاة أم صديقك، وأظنه كان الابن الأخير الذي يحظى بدلالها وحنوها أكثر من غيره من شقيقاته، ولا سيما أنه كان الابن الوحيد بينهن، وبالتالي إنه كان في حاجة إلى قلب أم يحتضنه ويحتويه من جديد ويمنحه الدفء والحب والعاطفة مع عدم اتزان في التفاعل مع المحيطين به، مما أدى أيضاً أو رافق عدم توفيقه الدراسي، ثم ظهرت أنت في حياته فجأة فأحس ورأى ولمس فيك قلب الأم وروحها وحنانها، وأنك منحتيه كل ما يريد من راحة واتساع أفق ورغبة في الاستماع والقدرة على تفهمه مما ربطه عاطفياً ونفسياً بك، ووجد ضالته التي يفتقدها، وصادف ذلك - من سوء حظكما معاً - أنك كنت في حاجة أيضاً إلى رجل يمنحك الحنان الذي فقدتينه بعد وفاة والدك، ومن ثمَّ كانت الفائدة أو الراحة أو القبول أو التوافق من الطرفين معاً في وقت واحد. إن ما تكون بينكما، أو من ناحيتك، أو من ناحيته هو ليس حباً بالمعنى الدقيق للكلمة، والمشاعر التي تكونت لا تصلح أن تقيم بينكما علاقة زوجية مستقرة وآمنة ومتوافقة لأسباب عديدة أهمها فارق السن، إن ما أفرزته هذه العلاقة الحميمية إنما هو تعاطف متبادل أو إحساس بالراحة والأمان الناتج عن شحنة انفعالية إيجابية بينكما أعقبت الفراغ العاطفي أو الحاجة إلى الحب والأمان بعد وفاة والدك ووالدته - رحمة الله عليهما - ومن ثمَّ أصبحت المشاعر التي تكونت تصطبغ بصبغة مرضية وهي “التعلق العاطفي الناتج عن صدمة الموت أو الفراق أو الفراغ. لن أطيل عليك شرحاً في هذا البعد، إنما الحل الأكثر تعقلاً الآن أن تحاولا معاً أن تفكا شفرة هذا لارتباط، ولا أقول شفرة هذه العلاقة. فلا بأس إن بقيت علاقتكما قائمة، لكن بصورة إيجابية وكأنك الأخت الأكبر له. لكن عليك أن تتخلصي من جانبك أولاً من إحساس الحب الزائف له، وهذا يمكن أن يكون تدريجياً، والتفكير الجدي في الارتباط بشخص آخر مناسب، أو باخلاء هاجس الحب المرضي الذي تعيشينه، فأنت في حاجة إلى شخص يتوافق معك ذهنياً وعاطفياً واجتماعياً. وعندما تنجحين في ذلك سيمكنك مساعدته في التخلص من تعلقه بك، ولأنك ستعجزين عن ذلك تماماً إن ظلّت مشاعرك نحوه، كما هي الآن. استفيقي لنفسك.. واعلمي أن الحب أو الإحساس بالحاجة أو الراحة أو التوافق أشياء أخرى تختلف تماماً عمّا تشعرين به الآن. واعلمي أن استمرارك على هذا النحو ضرر كبير له، وكلما مرّت الأيام ازداد الأمر تعقيداً.. ونتمنى لك وله التوفيق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©