الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء وراء إبداعات الشرق في الذهب وصناعة الحلي

النساء وراء إبداعات الشرق في الذهب وصناعة الحلي
3 أغسطس 2011 22:44
هي حواء وليس أحد سواها في حضارة الإسلام من أعطى مدن الشرق أحياءً خاصة ومفردة لصياغة حلي الذهب والفضة والمجوهرات، ذلك أن الإسلام حرَّم على الرجال التحلي بالذهب ومن ثم باتت أحياء “الصاغة” في المدن الإسلامية تسخر جهودها إبداعاً من أجل تلبية احتياجات النساء من الحلي. ولا جدال في أن المرأة كانت وراء هذا التراث الرائع من نماذج الحلي التي تحتفظ بها المتاحف العالمية، وكفى بذلك برهاناً على الدور الذي لعبته المرأة في تاريخ الفنون الإسلامية. وهذا الدور لم يتوقف عند حدود شراء النساء للحلي وإنما تجاوزه إلى أمرين كانا أبعد أثراً في تطور وانتشار منتجات الحلي والمجوهرات في الشرق الإسلامي حتى باتت عنواناً على ترف العصور الوسطى كلها. فمن ناحية، لم يعمل الصاغة وفقاً لنمط الإنتاج السلعي التقليدي، إلا في عدد محدود من قطع الحلي وغالباً ما تم إنتاج القطع الأغلى ثمناً والأعلى قيمة وجمالاً وفقاً للرغبة المباشرة للنساء، وهو ما يعرف بالتفصيل حسب الطلب إذ لم تكن فكرة الإنتاج النمطي قد لقيت انتشاراً واسعاً آنذاك. ومما يؤكد هذا أن الأديب الكبير “الجاحظ” روى أنه بينما كان في حانوته للوراقة إذا بامرأة تصطحبه ملحة مسرعة حتى وصلت به إلى حانوت الصائغ وخاطبت صاحبه مشيرة لسحنة الجاحظ بأن هذا هو وجه العفريت الذي تريد نقشه على خاتمها. الحلي ضرورة من ناحية أخرى، كانت النساء تنظر إلى الحلي خاصة الذهبية باعتبارها “ضرورة” اقتصادية واجتماعية لها وحدها حق التصرف في تدبيرها. فالحلي في جانب منها وسيلة للادخار بوصف المعدن الثمين “مخزناً للقيمة” التي تزداد يوماً بعد يوم بفضل الندرة النسبية للذهب في الطبيعة، كما أن الحلي كانت بمثابة أوعية ادخارية تقتنيها النساء تحسباً لعاديات الزمن. أما الضرورة الاجتماعية، فقد جرت صياغتها بمبرراتها كافة داخل أروقة “الحريم” حتى بات من المعترف به “عرفياً” أن الحلي التي تتزين بها المرأة من أكبر العلامات ليس فقط على مكانتها الاجتماعية ومدى ثرائها، ولكن على ما تتمتع به من مكانة أثيرة ورفيعة لدى زوجها أو والدها، فكلما ازدادت قطع الحلي ثقلاً وبريقاً ارتفعت مكانة صاحبتها في عيون رفيقاتها داخل منتديات الحريم سواء في “الحرملك” أو في الحمامات العامة. ومن الطريف أن بعض الفقهاء لم يجد حرجاً في أن يفتي بكراهة “دخول النساء للحمامات العامة”؛ لأن استعراض النساء لحليهن على مرأى من النساء في الحمام غالباً ما يدفع الأخريات بعد أن تقطعت أكبادهن غيظاً من قلة ما يرتدين من الحلي إلى الإلحاح على أزواجهن لشراء المزيد من الحلي “وقد يكون الرجل معسراً فيقع الخلاف ويكون الطلاق والفراق”. ومما عزز من مكانة الدور الفني للصاغة في حواضر الإسلام الاعتقاد السائد إلى يومنا هذا بأن لبعض الأحجار الكريمة فوائد طبية بل وسحرية أيضاً تؤثر على من يتزين بها ومن يرونها. الأحجار الكريمة من المعروف أن الشرق الإسلامي كان موطناً للاستخدام الكثيف للأحجار الكريمة في صناعة الحلي والذي يبقى طابعاً مميزاً لمنتجات الصاغة في ديار الإسلام. وتعد أحجار مثل الياقوت والمرجان والزبرجد واليشب، فضلاً عن اللؤلؤ والألماس، من أهم ما حرص الصاغة على استخدامه من تلك الأحجار لإعطاء قطعهم الفنية طابعاً محبباً وأثيراً لدى النساء. وقد استخدمت النساء الأحجار الكريمة منذ القدم للتزين والتجميل، ولم تتوقف استخدامات الأحجار الكريمة عند أغراض الزينة، بل إن بعضها كان يستخدم لدرء الحسد والعين، لما عرفت به من قدرتها الروحية التي نسجت حولها العديد من الأساطير المتعلقة بالسحر والشعوذة وقدرتها على طرد الأرواح الشريرة وغيرها من الأشياء التي تربطها ببعض الأمور والأغراض السحرية. فالمرجان أحد أشهر الأحجار الكريمة بالرغم من أنه لا يعد من المواد المعدنية، بل يعتبر من المواد الحيوانية “العضوية”. وهو أحد المواد العضوية الأكثر قدماً وقد عرفه الجواهري التيفاشي بأنه “متوسط بين عالمي النبات والجماد، وذلك أنه يشبه الجماد بتحجره، ويشبه النبات بكونه أشجاراً نابتة في البحر ذوات عروق وأغصان خضر متشعبة قائمة”. وقد شاع استخدام المرجان الأحمر اللون في صياغة الحلي النسائية، وكذا في تزيين أسلحة الرجال الشخصية للاعتقاد بأن المرجان يساعد على راحة النفس وطرد الوساوس. وجاء الياقوت أيضاً على رأس قائمة الأحجار الأكثر شيوعاً في صياغة الحلي، والمعروف أنه حجر كريم له عدة ألوان أشهرها الأحمر بدرجاته المختلفة. وهو ينتمي إلى معدن الكوروندو، وهو عبارة عن أكسيد الألومنيوم وينتج لونه الأحمر بشكل أساسي من وجود مادة الكروم ويعرف في اللغات الأوروبية باسم “روبي” أي المائل للحمرة. وقد اعتقد أن الياقوت الأحمر يعتبر رسول سلام وشعاراً للحب الملتهب والغيرة الشديدة والدرجات الجمرية منه تكسب حامله الصحة والمزيد من الرفاهية وقوة النفس فيما نظر إلى استخدام الياقوت الأصفر على أنه يشير إلى تمتع من يستخدمه بالذوق السليم والحب الشديد المقترن بالغيرة، أما الياقوت الأزرق فكان رمزاً للأمان وطرد الخوف ودليلاً على الصدق ويقظة الضمير. والزبرجد ذو اللون الأخضر كان أيضاً حاضراً في حلي النساء وخاصة عند صياغة القلائد وهو نوع من الأحجار الكريمة يتألف من سيليكات المغنسيوم والحديد الذي يضفي عليه اللون الأخضر وهو يتميز بلونه الأخضر الزيتوني وصلابته الشديدة وكانت المرأة وربما ما زالت تعتقد أنه يمنحها “الحب والهناء”. وزاد الإقبال في الشرق الإسلامي على استخدام اللؤلؤ الطبيعي في حلي النساء خاصة مع وفرته النسبية في الشواطئ الجنوبية للهند وللخليج العربي ونظر إليه باعتبار أن كرياته الصغيرة البيضاء المعتمة تملأ القلب هدوءا وسكينة وطمأنينة كما يرمز أيضاً للطهارة والعفة. ولم يغب الألماس عن المشهد باعتبار سطحه البراق المتعدد الأضلاع، وكان يعتقد أنه يكسب من تلبسه السمو الروحي ويمنحها الصداقة والحب بقدر ما يزيل مخاوفها ويمنحها الفوز على قريناتها من النساء. رونق الألوان المتعددة مما يستحق الالتفات أن صاغة الحلي كانوا يميلون في الشرق الإسلامي للمزج بين أكثر من نوع من الأحجار الكريمة ليس فقط لضمان توفر أكثر من غرض سحري في قطعة حلي واحدة، ولكن قبل ذلك وبعده لحرصهم على تمتع أصحاب الحلي برونق الألوان المتعددة والبراقة وما تعطيه من جمال لافت للأنظار. ونستطيع أن نلمح هذا الميل للمزج بين أنواع متباينة من أحجار كالألماس والزمرد والياقوت في العديد من قطع الحلي ومنها قلادة من صناعة الهند في العصر المغولي “القرن 12 هـ” شكَّلت من الذهب على هيئة نسر، وذلك فضلاً عن بعض اللؤلؤ وقطع البلور الصخري. ونراه أيضاً في مشط من صناعة تركيا في القرن 11 هـ وهو من العاج وله مقبض من البلور الصخري المطعم بالياقوت والزبرجد.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©