الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جمالية التقابل والتكرار في فن السرد

جمالية التقابل والتكرار في فن السرد
30 يوليو 2015 22:32
محمد عبدالسميع (الشارقة) أقيمت أمس الأول محاضرة بعنوان «جَماليَّة التقابُل والتكرار في فن السرد» ألقاها الناقد والتشكيلي علي العبدان، وقدمها القاص محسن سليمان، تحدث فيها العبدان عن التقابل والتكرار كمكونين من مكونات الجمالية في العمل الفني عموماً، مؤكداً أن التقابل المؤثر، هو التقابل الذي قد تنشأ عنه جَماليّةٌ ما، وأشد ما يكون التقابل مؤثراً إذا كان ضِدِّيّاً، وأشد منه ما كان تناقضيّاً، مشيراً إلى أن التقابل التناقضي هو تواجُهٌ بين أمريْن نقيضيْن. أما التقابل الضدّي فهو تواجُهٌ بين أمريْن ضدّيْن، أما التكرار فهو التقابل ذاتهُ مُعاداً، فلا يُعقلُ تكرارٌ دون تقابل بين أمريْن، فتكرار الصوت يقتضي تقابلاً بين الصوت والصمت، وتكرار الإضاءة يقتضي تقابلاً بين الإضاءة والإظلام، وهكذا. وقال العبدان: «كلٌ من التقابل والتكرار هو ظاهرةٌ كونيّة، فالوُجودُ يُقابلُ العدم، والنور يقابل الظلام، وهكذا، وكلٌ من التقابل والتكرار يتعلقُ بموضوعات عميقةٍ في الحياة والوجود، ويُشكِّلُ كلٌ منهما أيضاً وحدةً جَماليّةً في مختلف الفنون والآداب الإنسانية، في السرد، والشعر، والفنون البصرية، والموسيقى، والمسرح.. إلخ. ففي كل هذه الفنون يؤدي كلٌ من التقابل والتكرار إلى تفعيل آثار حبكةٍ أو عقدةٍ ما لها أطرافٌ متناقضة أو متضادّة، تستدعي توازناً في العمل الفني أو الأدبي ينعكسُ على الحياة، ويأتي - هذا التوازن - كاقتراح جمالي من الفنان أو الأديب. باختصار التكرارُ وحدة جمالية في التفصيل، بينما التقابل وحدة جمالية في الإجمال». بعد ذلك عرض العبدان أمثلة عالمية وعربية عن التقابل والتكرار مشيراً إلى جمالية التقابل في الروايات الكلاسيكية والواقعية، كروايات تشارلز ديكنز على سبيل المثال حيث تكثر المقابلة بين الخير والشر، مبيناً أن رواية «أوليفر تويست»، فيها تقابل تناقضي مؤثر بين حال اليتيم أوليفر وغيره من الأيتام، وبين الحال النقيض المتمثل في سوء أوضاع دار الأيتام، وجشع السيدة المسؤولة عنها. أما جمالية التكرار فنجدها في وصف شحوب وضعف وشقاء أوليفر الذي يتكرّر في كثير من فقرات الرواية. وفي رواية «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ نجدُ تقابلاً ضدّياً بين مأمون رضوان المؤمن، وبين علي طه المُلحِد، ويأتي الضد الثالث في شخصية بطل الرواية محجوب عبد الدايم اللامبالي. وتأتي جمالية التكرار في كلمته التي يردّدها دائماً: (طز/‏‏طظ)، التي تُلخصُ موقفَهُ تجاهَ بعض الأفكار. وفي رواية «العجوز والبحر» لإرنست هَمِنغواي نجدُ تقابلاً بين قدرات الإنسان وقدرات الطبيعة. وفي رواية «النهايات» لعبد الرحمن منيف نجدُ التقابل التناقضي بين الحياة والصحراء. وفي سياقٍ شبيه نرى في رواية «الطاعون» لألبير كامو تقابُلاً بين الطاعون/‏‏الموت، وبين رتابة الحياة في المدينة التي غارت معها العواطف بصورةٍ حقيقيةٍ حيث تحدّى الطاعونُ سعادتهم، وجاءت جَمالية التكرار في وصفِ موت الجرذان، وتكرار تعداد موتى الطاعون. وفي رواية «سلطنة هرمز» لريم الكمالي أدّت تقنية تعدّد ضمير المتكلم إلى تعدّد التقابل بين الرواة وبين ما يأتي في أثناء رواياتهم من تحدّيات أو مواجهات حصلت لهم، فهناك تقابل بين وجود البرتغاليين بقيادة البوكيرك وما يُمثله، وبين وجود أهالي خصب بقيادة الأمير علي بن معن، وانعكاس ظلال هذا التقابل على مجمل حياة خصب وأهلها. واختتم العبدان وفي بعض الأحيان - كما في كثير من الأدب المعاصر - تنزوي التقابلات التناقضية والضدّيّة في أثناء السرد في حالاتٍ غير منطقية، أو استثنائية، كالتقابل بين السلالة وتطورات الحياة والوجود في رواية «مائة عام من العزلة» لجابرييل جارسيا ماركيز حيث تناقضُ السلالة تلك التطورات، وتجمدُ على تمحورها حول ذاتها بما يُنتجُ تقابلاً تناقضيّاً بين نفسِها ووجودِها، وتأتي جَمالية التكرار في الرواية واضحة في تأييد هذا المسار، من تكرارٍ لأسماءٍ وتصرفات بعينها في السلالة، بالإضافة إلى تكرار التهكم المَرير بهذا الوضع الواقعي السحري، أو الواقعي الذي لا يكادُ يُصدَّق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©