الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«محور آسيا».. ومعضلة «التوازن» الأميركي

20 أغسطس 2014 04:00
ما هي العلاقة بين قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما السماح بتوجيه ضربات جوية ضد مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» والتزامه السابق بإرسال مستشارين ومدربين عسكريين إلى العراق، وبين «محوره» في آسيا؟ ربما لا توجد علاقة بين المعركة الراهنة في العراق وما قد تفعله بكين في بحر الصين الجنوبي غداً. ولكن علاقة الوضع في العراق بالافتراض الأساسي الذي دفع أوباما إلى «محوره» الجديد بعيداً عن الشرق الأوسط باتجاه آسيا، والذي وصفته واشنطن بـ«إعادة التوازن»، أمر محل تساؤل. فعندما أكدت وزارة الدفاع الأميركي «في دليل سياستها الاستراتيجية الجديدة عام 2012»، أن إعادة التوازن صوب آسيا أصبح سياسة رسمية للإدارة، كان الدافع الأساسي واضحاً: هو أن موارد «البنتاجون» لم تعد كافية لدعم الاستراتيجية الأميركية التي ظلت لفترة طويلة تحافظ على «الجاهزية للقتال في حربين كبيرتين بآن واحد». وفي ظل غياب أي آفاق سياسية تهدف إلى سد الفجوة في الموارد العسكرية، اتخذت الإدارة قراراً استراتيجياً بمعالجة الوضع المتأزم في آسيا وترسيخ استقرار المنطقة. وقد كان منطق توجيه مزيد من الانتباه إلى آسيا واضحاً، فالقارة تعتبر منطقة توسع رئيسية للاقتصاد الأميركي. وعلى الصعيد السياسي، تعتبر موطناً لديمقراطيات ليبرالية مأهولة بالسكان، لا سيما الهند وأندونيسيا، وكوريا الجنوبية التي تشهد نشاطاً ديمقراطياً حديثاً، وأصدقاء وحلفاء منذ أمد بعيد مثل تايوان واليابان. وبالطبع، تشمل القارة القوة الصينية الصاعدة. وقد كان فريق أوباما يأمل في إيجاد ديناميكية جديدة في التعامل مع الصين. وبغض الطرف عن المخاوف المثيرة للتوترات مثل سجل الصين في حقوق الإنسان، كانت الخطة ترنو إلى تطوير التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات التي تعكس تداخل المصالح بين البلدين. ولكن مثلما اكتشف أوباما عندما أحبط الوفد الصيني جهوده الرامية إلى توجيه قمة التغير المناخي في كوبنهاجن عام 2009، لم تكن المصالح المتداخلة تحتل الترتيب نفسه في أولويات الطرفين. ولا شك في أن قادة الصين مهتمون بالمشكلات البيئية في دولتهم، ولكن اهتمامهم الأكبر كان التأكد من أن بلادهم ستواصل النمو الاقتصادي. وكان كبح جماح الانبعاثات الكربونية، من وجهة نظرهم، يتعارض مع حاجتهم الأكثر إلحاحاً. ومثلما اكتشفت إدارة أوباما، أصدمت محاولاتها الرامية إلى تعميق العلاقات مع بكين بردة فعل الحكومة الصينية، إذ قرأت بكين هذه المحاولات على أنها إشارة ضمنية مفادها أن واشنطن القلقة من الحرب والمكبلة بالركود تسعى لتحقيق أقصى استفادة لها من مركزها العالمي المتراجع. وبدلاً من قبول عرض الإدارة الأميركية بتكوين «مجموعة سيادة مشتركة ثنائية»، يبدو أن طموحات الصين تنمو دون انحسار بينما تواصل بناء جيشها، لدرجة أنها أصبحت أكثر حزماً مع جيرانها. وقد أرادت الإدارة الأميركية وهي محقة في ذلك معالجة هذا التدهور الكبير في الأوضاع من خلال «إعادة التوازن» عبر «المحور الآسيوي». وتزامن ذلك مع تفكير الإدارة في أن مواصلة تقليص القوات العسكرية في أوروبا أمر منطقي في غياب أي مشكلة أمنية منظورة تواجه القارة. وتوافق ذلك أيضاً مع تصميم أوباما على إنهاء التدخل العسكري قدر الإمكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالطبع لن تكون «القدرة على خوض حربين في آن واحد» مطلوبة إذا كان التركيز حقيقة منصب على نصف الكرة الأرضية. بيد أن هذه الرؤية لم تأخذ في الحسبان سبباً استراتيجياً رئيسياً للحفاظ على «قدرة أميركية لخوض حربين»، وهو تفادي وجود فراغ يدفع قوة معتدية في إحدى المناطق إلى محاولة الاستفادة من انشغال القوات الأميركية في مكان آخر. وقد زعم «البنتاجون» في عهد كلينتون، أن امتلاك قدرات عسكرية واسعة النطاق يُمكِّن واشنطن من مواصلة الانخراط في تشكيل بيئة دولية من شأنها تقليص فرص تطور مثل هذه التهديدات من الأساس. وبعبارة أخرى، إذا غابت قوة الردع الأميركية عن مكان، ستستفيد القوى المناوئة من ذلك على الأرجح. ولعل هذا هو ما تواجهه إدارة أوباما في الوقت الراهن، فما أن نأت بجانبها عن أوروبا والشرق الأوسط، حتى عزز الخصوم سواء أكانوا روسيا أو إيران أو الجهاديين موقفهم وأصبحوا أكثر رغبة في ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة. ومن المفارقة أن إدارة أوباما انتقدت بشدة الإدارة السابقة بسبب سياساتها الخارجية التي اعتبرتها بعيدة عن الهدف. واتهمت إدارة بوش بقضاء وقت أكثر من اللازم في التركيز على حربين في العراق وأفغانستان، وعدم الاهتمام بالمصالح الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الأميركية في آسيا. غير أن المناطق شديدة السخونة في الوقت الراهن التي تستهلك انتباه الإدارة الأميركية وتهيمن على جدول وزير الخارجية جون كيري هي بالتحديد تلك المناطق التي كان أوباما يرغب في الانسحاب منها عسكرياً. ولا ريب في أن إيلاء اهتمام أكبر بآسيا أمر مطلوب، ولكن إذا كان ذلك على حساب أجزاء رئيسية أخرى من العالم، فعلى الأرجح سيكون له أثر عكسي. ومثلما اكتشف الرئيس، سيستمر تركيز الموارد والاهتمام الأميركي على هذه المناطق طالما تتدهور الأوضاع الأمنية فيها. وأما إيجاد توازن حقيقي هو أم غير ممكن في ظل حالة الجيش الأميركي في الوقت الراهن، ولن يمكن تحقيقه طالما لم يتم التراجع عن خفض النفقات الدفاعية المقررة. والحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا يمكنها فرض التوازن بثمن بخس. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©