الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حين لا تجدي النصيحة.. مع المتردية والنطيحة!

حين لا تجدي النصيحة.. مع المتردية والنطيحة!
20 أغسطس 2014 04:20
الثقافة العربية منذ زمن بعيد قائمة على الأبيض أو الأسود مثل الأفلام العربية القديمة، ولا توجد ألوان أخرى فالذي ليس معك لابد أن يكون ضدك، وهذا هو التطرف بعينه. التطرف مع الشيء أو التطرف ضده. بطل الفيلم رجل خير لا يخطئ ويواجه رجلاً شريراً لا يصيب. وهذه ثقافة الأغبياء لأنها مريحة وتعفي المرء من عناء التفكير والتأمل والتدبر، والدنيا مخلوقة من النسبية والاحتمالات التي قد تخطئ أو تصيب. ولا يوجد في الدنيا يقين ومؤكد إلا الموت. ولاتوجد سعادة مطلقة ولا شقاء مطلق إلا في الآخرة، «فمنهم شقي وسعيد»، فريق في الجنة وفريق في السعير، لكن العرب بثقافتهم المتطرفة حكموا على الدنيا كأنها الآخرة واتبعوا رذيلة التصنيف، هذا مؤمن وهذا كافر، هذا خيّر وهذا شرير، هذا وطني وهذا خائن وعميل، وهذا حكم الله وحده لا ينازعه فيه أحد. لكن كثيراً من العرب نصبوا أنفسهم أرباباً من دون الله عز وجل، حتى الحكم على القتلى أو لهم، بأنهم شهداء لا شأن لنا به فهو حكم الله عز وجل وليس لسواه أن يحكم بأن هذا شهيد، وهذا قتيل عادي، هذا قتيل خمسة نجوم، وهذا قتيل نجمة واحدة. كثير من العرب أخذهم التطرف بعيداً حتى ذهبوا إلى الآخرة ووقفوا على أبواب الجنة وأبواب النار يدخلون من يشاؤون ويرفضون دخول من يشاؤون، وهذا هو الشرك بعينه، والله جلت قدرته لا يُشرك في حكمه أحداً، وكثير منا أخذهم الغباء إلى طريق الشرك والجرأة على الله سبحانه وتعالى، وقد كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو من هو يردد دائماً: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله. ونحن العرب نعيش في الدنيا عيشة أهل النار في الآخرة، نحن في جهنم الدنيا العربية، نتخاصم تخاصم أهل النار وكلما دخلت أمة لعنت أختها، ويتبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتبعوا، وندخل جدلاً عقيماً لا طائل منه، كل فريق يتهم الآخر بأنه السبب ويتمنى له ضعفاً من العذاب، ويأتينا الموت من كل جانب وما نحن بميتين، وفي جهنم الدنيا لا نموت ولا نحيا. . وصرختنا الدائمة، هل إلى خروج من سبيل؟ ولا يبدو لنا خروج، بل كلما أردنا أن نخرج منها من غم أعدنا فيها. والتطرف عمى الدنيا. . ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، (وعلى فكرة، أعمى الثانية أفعل تفضيل)، رغم أن كلمة (أعمى) لا يكون منها تفضيل بأفعل، لكن علماء اللغة يقولون إن عمى البصائر يمكن أن يكون منه تفضيل لكن عمى الأبصار لا يأتي منه أفعل تفضيل. وأفعل التفضيل لدى العرب أراها عنوان التطرف فنحن نسرف في استخدامها إسرافاً مقيتاً، وقد كانت هناك وما زالت خلافات بلغت حد الاقتتال حول من هو أشعر العرب، وأمدح وأغزل وأهجى بيت في الشعر العربي، ولم يستطع أحد حسم الأمر، وقالوا إن زهير بن أبي سلمى أشعر الناس إذا رغب والنابغة أشعرهم إذا رهب وامرأ القيس أشعرهم إذا شرب وعنترة إذا ركب، وكلها تركيبات سجعية، حلوة اللفظ لكنها تخلو من الحقيقة، مبنى جيد ومعنى فارغ وأضعنا وقتاً طويلاً ومازال وقتنا ضائعاً حول الأعظم والأكبر والأفضل والأسوأ والأحسن والأجمل والأتقى والأحق والأولى والأجدر والأسعد والأشقى، وهو أمر لا يمكن حسمه ولا القطع فيه، مجرد إهدار للجهد والوقت، وكلامنا كله مبناه جيد ومعناه رديء وفارغ وتافه، والإرهابيون هم أبناء أفعل التفضيل، أبناء ثقافة الأبيض والأسود وهم الذين يزكون أنفسهم مع أن الله تعالى هو أعلم بمن اتقى. وقد كانت هناك منظمة إرهابية تسمي نفسها (الناجون من النار)، وهذه جرأة تبلغ حد الشرك، فمن ذا الذي يحكم لنفسه بأنه ناج من النار؟ هذا حكم الله عز وجل، لكن هؤلاء لا يكادون يفقهون حديثاً، ولقد ساعدتنا اللغة العربية بتراكيبها وثرائها على أن يكون كلامنا ذا مبنى لكنه دائماً أو غالباً بلا معنى، ساعدتنا اللغة على أن نتكلم جيداً ونسلك سلوكاً رديئاً، وهذه صفة المنافقين الذين يعجبنا قولهم في الحياة الدنيا وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة، مع أنهم العدو وينبغي أن نحذرهم. وأهل الباطل عندنا ألحن وأكثر بلاغة وفصاحة من أهل الحق، خصوصاً هؤلاء الذين ركبوا الدين مطية إلى أهدافهم الخبيثة وراحوا يطعمون كلامهم بنصوص دينية يوظفونها في الشر ويخدعون بأسلوبهم السذج والأغبياء وما أكثرهم في هذه الأمة. والسياسة في أمة العرب مبنية على الأبيض والأسود وعلى أفعل التفضيل، لذلك نتمترس حول أفكار زائفة ومبادئ باطلة، ولا جدوى من التحاور معنا لأن التطرف يأخذنا إلى العزة بالإثم، ونحن دائماً نتحدث عن ثوابت لا نحيد عنها رغم أنه لا توجد في الدنيا ثوابت سوى العقيدة الدينية، وما عدا ذلك قابل للنقاش وإعادة النظر وإعادة ترتيب الأولويات، فأعداؤنا من داخلنا الآن أخطر مليون مرة من أعدائنا من خارجنا. والإرهاب هو عدونا الأول، ومقاومته قضية العرب الأولى، لكننا ما زلنا نرقص على السلم، ما زلنا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. نحن نرتكب ضد أنفسنا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ونمارس فظائع يشيب لها الولدان. وتبدو جرائم النازية صغائر بالمقارنة بها. هناك (هولوكوست) في عدد من الدول العربية. محارق بلارحمة ترفع راية الدين وتلك هي الكارثة والمأساة. . قتلانا بأيدينا أضعاف أضعاف قتلانا بأيدي أعداء الخارج. وما زلنا مصممين على سياسة رد الفعل في مواجهة الإرهاب الذي يتمدد وينتشر بطول الأمة وعرضها. ما زلنا أمة الفرص الضائعة والمواقف المائعة، وما زلنا ننتظر الوقت المناسب الذي يبدو أنه لن يأتي أبداً. والتحرك السلحفاتي هو الذي يحكم أداءنا حتى أخذ الإرهابيون زمام المبادرة. ونحن ما زلنا نفكر ونفكر (على رأي الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي في مسرحية أصل وصورة). وتقول العرب إن كل شيء يأتي في وقته فقد مضى وقته، والعرب في انتظار ما لا يأتي. وفقدوا القدرة على الفعل - والإرهابيون من كل حدب ينسلون ويتحكمون في المشهد. وعندما يكون الحديث للدم والنار يكون وقت الحوار قد مضى. . والتطرف والإرهاب في أمة العرب هما اللذان يوجهان بوصلتنا - وهما المتحكمان في كل مجال، في الإعلام والثقافة والفن والسياسة وفي السلوكيات اليومية للناس، وفي ميادين القتل المجاني على الهوية، وفي حروب الإبادة النازية التي تحصد الأطفال والنساء، ونحن نقول إن الأطفال هم مستقبل هذه الأمة، وهذا يعني أن المستقبل مظلم لأن أطفال الأمة مشوهون نفسياً ووجدانياً وقد تربوا وسط الحرب والدمار والقتل والخراب، ولا ندري من يقتل من في هذه الأمة ومن يحارب من ولماذا؟، والمشهد كله تحكمه المنخنقة والمتردية والنطيحة، لذلك لا تجدي الموعظة ولا النصيحة، ويظل كلامنا كله مبنى بلا معنى!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©