الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاه جهان كان سخياً مع أصدقائه وتعاطف مع الفلاحين الفقراء

شاه جهان كان سخياً مع أصدقائه وتعاطف مع الفلاحين الفقراء
31 يوليو 2013 22:09
في الخامس من يناير عام 1592 م «1000 هـ» ولد الأمير كرم لوالده جهانكير إمبراطور المغول بالهند لأم هندوسية هي مانماتي ابنة الراجبوت أحد أمراء الهندوس، ليكون بعد توليه عرش البلاد في عام 1628م أول حاكم مغولي تجري في عروقه دماء هندية. نشأ كرم الذي عرف عند توليه العرش باسم شهاب الدين محمد شاه جهان جلداً متمرساً بأمور الحكم والحرب معاً، حتى إن والده ولاه الدكن «إقليم جنوب الهند» بعد نجاحه في هزيمة عنبر الحبشي وكافة المتمردين بالولايات. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - سرعان ما انقلب الأمير الصغير الذي طالما امتدح جده جلال الدين أكبر شخصيته القوية، على والده وهو يرى انغماسه في شرب الخمر ومحاولة زوجة أبيه أن تورث ابنها عرش البلاد فقاد حملة عسكرية من الدكن لإسقاط والده عن العرش في عام 1622م، ولكن قواته منيت بالهزيمة واضطر للاعتذار لوالده الذي قبل اعتذاره. وما إن وافت المنية والده جهانكير حتى أسرع شاه جهان قادماً بقواته من الدكن في عام 1627م، وبعد حرب هينة مع أخيه الأصغر شهريار استولى على عرش البلاد في الرابع من فبراير عام 1628م. أباطرة المغول وفي سابقة أولى من نوعها في تاريخ أباطرة المغول بالهند أقدم شهاب الدين محمد شاه جهان على قتل كل إخوته الذكور صغيرهم وكبيرهم، حتى لم يبق من عقب جهانكير ذكراً سواه وفي مخيلته أن هذا الفعل الشائن من شأنه أن يحفظ استقرار حكمه ويضمن العرش من بعده لأولاده من صلبه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. واجه شاه جهان بشجاعة القائد المتمرس عدة ثورات في الدكن وغيرها ونجح رغم التكلفة المالية الكبيرة لحملاته العسكرية في إخضاع كافة المتمردين واستطاع استرداد إقليم قندهار من أيدي الفرس، كما واجه التجار البرتغاليين الذين كانوا يعتدون على نوب الهند ونجح في إبعاد خطرهم بشكل نهائي. عرش الطاووس وعوض شاه جهان بعضاً من نقائصه بسخائه مع أصدقائه وتعاطفه في بداية حكمه مع الفلاحين الفقراء وشهد بلاطه في دلهي الجديدة بذخاً بالغاً، بدأ بعرش الطاووس الذي كان يجلس عليه للحكم وقد كلف البلاد أموالا طائلة لتوفير أحجاره الكريمة، وهو ما أدى في ظل تنامي تكلفة حروبه إلى تغير سياسته تجاه الفلاحين الذين أثقل كاهلهم بالضرائب، حتى وقعت البلاد في مجاعة حقيقية لطخت ثوب الترف الذي عاشته الهند طوال سنوات حكمه الثلاثين. وفضلاً عن ذلك خصص شاه جهان نصف دخل مملكته للعناية بالعمائر ورعاية الفنون المختلفة كالتصوير والموسيقى. ومن مآثره المعمارية الخالدة قلعة أجرا المعروفة بالقلعة الحمراء، ثم روضة تاج محل أو المدفن الذي شيده كعلامة على الوفاء لزوجته المحبوبة ممتاز محل، بعدما توفيت وهي تلد طفلها الرابع عشر وكانت قد بلغت بالكاد التاسعة والثلاثين من العمر. ويعتبر البناء المشيد بقدر دقيق من التوازن بين جدرانه الرخامية البيضاء وبين الحدائق الغناء والبحيرات من عجائب الدنيا السبع. الزوجة الجميلة وحتى لا ينصرف ذهن القارئ إلى استنتاج متعجل عن وفاء الرجل لزوجته الراحلة، ينبغي أن نشير إلى أن شاه جهان سرعان ما غادر أحزانه على الزوجة الجميلة وانغمس في حماقات نسائية مبتذلة. وجاءت نهاية شاه جهان مغايرة تماماً لحياة الترف الشرقي الذي ميز عهده ولو كان يعلم الغيب لقتل أولاده بعدما أعدم إخوته. ففي تكرار نادر لحوادث التاريخ فوجئ شاه جهان بذات الموقف الذي وضع هو فيه والده في عام 1622م فعلى حين غرة منه بوغت في 1657م بهجوم عسكري يقوده ابنه أورانجزيب الذي اختصه بولاية الدكن فأمر شاه جهان قواده بأن يهزموا الجيش الثائر شريطة ألا يقتلوا ابنه إن وجدوا إلى إنقاذ حياته سبيلاً، لكن الابن نجح في هزيمة جيوش أبيه الواحد تلو الآخر ليلقي القبض في العام التالي على والده شاه جهان ويحبسه في قلعة أجرا، حيث ظل شاه جهان ينتظر ملاك الموت لمدة تسع سنوات كاملة لم يزره ابنه خلالها، كما لم يكن معه من يرعاه في محبسه سوى ابنته الكبرى جهانارا ولعل حدبها عليه قد أعاد له صوابه فتذكر في عزلته عن العالم أمها ممتاز محل، فكان ينفق أيام الحبس الطويلة جالساً في برج الياسمين بقلعة أجرا مرسلاً بصره عبر نهر جمنة إلى قبة روضة تاج محل، حيث كانت ترقد زوجته المفضلة ممتاز محل في قبرها المزدان آنذاك بالجواهر. مخطوطات وفي مطلع عام 1667 م توفي شاه جهان حبيساً من دون أن يرى ابنه الأكبر دارا شيكو إمبراطوراً لمملكته مثلما كان يطمح، ومخلفاً وراءه عدداً كبيراً من الصور الشخصية التي توزعت المخطوطات التي تضمها بين مكتبات الهند وبريطانيا والولايات المتحدة. ومن صوره المشهورة عدة تصاوير تجمع بينه وبين زوجه ممتاز محل وقد كان في أوج قوته ومنتصف عمره، حيث حرص الرسام على تحري ملامحه الهندية من شكل العيون والأنف ويظهر شاه جهان في تصاويره تلك ببشرته المائلة خفيفاً للسمرة مع لحية مشذبه وشارب أنيق، وقد اعتمر عمامة أنيقة متعددة الطيات ومرصعة بالجواهر التي تنتثر ببذخ أيضاً على ملابسه، بينما تظهر ممتاز محل بملامح هندية لا لبس فيها وعلى رأسها تاج مكلل بالجواهر وقد أمسكت كما شاه جهان بوردة تتنسم عبيرها. وحرص المصورون في أغلب الصور التي رسمت للإمبراطور شاه جهان على إبراز قوامه الرشيق بقدر حرصهم على أن ترسم حول وجهه هالة، أو ترسم الشمس خلف رأسه مباشرة في إشارة رمزية لأهميته وتأكيد أنه مصدر الخير والنماء لدولته مثلما هي الشمس في حياة الناس. الاعتقادات الهندية ونرى الهالة على سبيل المثال في صورة تمثل شاه جهان ممتطياً جواده وتحت أقدام الفرس تبدو عمارة قلعة أجرا، كما لو كانت بعيدة ثم ملائكة الموسيقى حسب الاعتقادات الهندية وهي تحتجب خلف السحب في تعبير عن امتنانها لراعي فنون الموسيقى. ونرى ذات الهالة في صور أخرى مثل صورته وهو في أخريات أيامه، وقد غزا الشيب لحيته جالساً في البلاط وحوله القادة من العسكريين وأرباب الوظائف المدنية، أما الشمس التي ترمز في العقائد الآسيوية للخير فنجدها في عدد من التصاوير، منها واحدة تمثل شاه جهان يتأمل بوقار حديقة قصره وفي واحدة أخرى وهو جالس على عرش الطاووس بألوان جواهره التي تخطف الأبصار. ومن صوره الرائعة واحدة بمخطوط محفوظ بمكتبة قصر وندسور ببريطانيا تمثله جالساً على العرش، بينما يقدم أحد عمال ولايته له فروض الطاعة والولاء مستصحباً معه أحد أولاده. وقد حرص شاه جهان على أن يسجل اسمه على نقوده الذهبية المعروفة باسم المهر مسبوقاً باللقب الملكي بادشاه أي الملك بالفارسية، ولكن من دون أن ينقش صورته على تلك العملات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©