الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيادة المعلومة..

سيادة المعلومة..
3 أغسطس 2011 22:06
هذا الكتاب: “أخلاقيات الممارسة الصحفية في عالم عربي متحول” هو مجموعة الدراسات التي ألقيت في الملتقى الدولي الذي انعقد بتونس وتناول هذه المسألة المهمة، إذ ما فتئ الصحفيون يخوضون صراعا من أجل صحافة راقية وجيدة ذات مصداقية وحرة ومسؤولية. لكن هذا الصراع لا ينتهي دائما لصالح المهنة وأهلها، باعتبار وجوب احترام مجموعة من القواعد والضوابط الأخلاقية تحمل عادة مسمى: “أخلاقيات الممارسة الصحفية”، وتعرف هذه الأخلاقيات ـ مثلما جاء في الكتاب ـ على أنها مجموع القيم الأساسية التي توجه أنشطة الصحفيين، ولا تعني الحرية غياب المعايير والمقاييس. ولكن السؤال المطروح على هذا المستوى: من يسهر على ضمان احترام هذه الضوابط؟ هذه بعض وجوه الإشكالية التي تعرض لها هذا الكتاب بالتحليل والنقاش. وجاء في المقدمة أن السؤال المركزي الذي يطرحه الأكاديميون والباحثون والمهنيون هو: كيف يمكن تحقيق المعادلة التالية: حرية الصحافة وممارسة المهنة من ناحية والالتزام بمجموعة من الضوابط الأخلاقية من ناحية أخرى مما قد يجعل الصحفي يحجب مجموعة من المعلومات عن الجمهور. وتتلخص هذه الضوابط بالخصوص في: ـ احترام الحقيقة ووقوع الأحداث. ـ احترام حقيقة الأشخاص المعنيين بالحدث. ـ احترام الأشخاص الذين نتوجه إليهم بالخطاب الإعلامي. ويتساءل الأكاديميون المشاركون في تأليف هذا الكتاب: إذا ما سلمنا بضرورة وضع هيكل أو سلطة لمراقبة احترام الضوابط واتخاذ الإجراءات العقابية، هل يمكن أن نضمن عدم حدوث تجاوزات من جانب هذه الأجهزة المتذرعة بخرق قواعد الأخلاقيات؟ فهناك من يريد أن يحمل الصحفي مسؤولية الانضباط الذاتي، لكن الخشية ـ وفق ما حلله الكتاب ـ أن يتحول الانضباط الذاتي إلى رقابة ذاتية. مشهد تعددي إن مسألة أخلاقيات الممارسة الصحفية التي يناقشها الخبراء والمختصون في طيات هذا الكتاب تطرح بإلحاح على مستوى العالم العربي الذي يشهد تحولات متعددة وعميقة على مستوى النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالمشهد الإعلامي العربي الراهن يتميز بتعددية جسدها بروز العديد من المؤسسات الإعلامية الكبرى على الساحة الإعلامية، وباعتبار أن الغالبية العظمى من هذه المؤسسات هي ذات طابع استثماري تجاري، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى وجود تجاوزات على مستوى الأخلاقيات. ويتناول الكتاب أيضا مسألة الثورة التكنولوجية، التي وإن كانت تحمل العديد من الإيجابيات، فإنها يسرت بروز أشكال جديدة من التجاوزات والممارسات اللاأخلاقية. ومن هنا سعى المشاركون في تأليف هذا الكتاب إلى التفكير في الوسائل التي تيسر الانتقال اليسير عربيا نحو مجتمع أكثر ديمقراطية وحرية وعصرية مع التقليل من مخاطر الانحرافات الأخلاقية في القطاع الإعلامي، ولن يتحقق هذا الهدف دون تحليل مختلف أوجه التجاوزات. والكتاب الذي تم فيه جمع الدراسات التي ناقشها الملتقى تناول بالدرس والتحليل عديد المسائل من بينها: مقاربات نظرية لمفهوم أخلاقيات الممارسة الصحفية، أبرز أشكال تجاوزات أخلاقيات الممارسة الصحفية في زمن الثورة التكنولوجية والتعددية الإعلامية، دراسة حالات لوسائل إعلام عربية: كيف التوفيق بين حرية التعبير واحترام أخلاقيات الممارسة الصحفية؟ كما تضمن الكتاب دراسة عن أخلاقيات الممارسة الصحفية في الصحافة الرياضية العربية: بين أزمة أخلقة الرياضة وإشكالية أخلقة المهنة، ودراسة أخرى عن معضلة التوفيق بين حرية التعبير واحترام أخلاقيات الممارسة الصحفية، وبحث أكاديمي عن أخلاقيات الممارسة الصحفية في عالم عربي متحول، وفي الكتاب أيضا دراسة مسحية متعمقة عن لأداء المهني وأخلاقيات الممارسة في الصحافة السعودية بين هامش الحرية والرقابة الذاتية، وأخلاقيات الممارسة الصحفية في زمن الثورة الرقمية. كما عالج بحث تأثير التكنولوجيا الحديثة على الممارسة الصحفية، واهتمت دراسة أخرى بأخلاقيات وآداب المهنة في تلفزيون الخدمة العمومية: حالة التلفزيون الجزائري. قواعد وتجاوزات وترى الباحثة التونسية حميدة البور، وهي أستاذة جامعية بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس في دراستها المنشورة بالكتاب، أن الجدل حول أخلاقيات المهنة الصحفية مرده تنوع الممارسات الصحفية وتشعبها نتيجة تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال وما صاحبه من تعدد وسائل الإعلام وخاصة القنوات التلفزيونية. وهذا ما نشأت عنه منافسة شرسة انعكست سلبا في بعض الأحيان على الأداء الإعلامي، بسبب الإخلالات والتجاوزات التي يرصدها المهنيون والباحثون على حد السواء. وتؤكد الباحثة في دراستها على ممارسة حرية التعبير في ظل احترام أخلاقيات المهنة. وتتساءل: إلى أي حد يمكن القول أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها واتجاهاتها تعيش اليوم أزمة مصداقية؟ وإلى أي مدى يمكن أن نربط هذه الأزمة بالتطور الهائل لتكنولوجيات الإعلام والاتصال وخاصة الإنترنت؟ ويرى بعضهم ـ وفق ما جاء في البحث ـ أن الإنترنت سلاح ذو حدين في علاقته بالحريات العامة وحقوق الإنسان. ولو أن هذا الخطر يبقى حسب رأيهم في درجة أقل من الفوائد التي يجنيها الفرد من الإنترنت. ومن جهة أخرى ينبه الباحثون من مخاطر المنافسة التي أصبحت السمة البارزة في المشهد الإعلامي. ومن هذه المخاطر اللهث وراء السبق الصحفي والسرعة في بث المعلومة على حساب الدقة والتثبت من صحة الخبر. وهذا التسارع في نقل المعلومة ظهر بداية من خلال ما تبثه وسائل الإعلام السمعية البصرية، ولم يلبث أن تجاوزها ليشمل كذلك الصحافة المكتوبة التي غيرت أجندة أولوياتها فغلبت عنصر سباق الزمن على التثبت الدقيق من صحة المعلومة، وضربت الباحثة مثلا على ذلك، فمنذ فترة عمدت صحيفة أسبوعية تونسية إلى نشر خبر مفاده وفاة طالب في ظروف غامضة وأوردت قصة ليس لها أساس من الصحة، ونشرت في الصفحة الأولى صورة الطالب وهو أحد طلبة معهد الصحافة. والتثبت من المعلومات كما تقول الباحثة لم يكن ليتطلب جهدا إذ كان يكفي أن تكلف الصحيفة أحد محرريها بإنجاز تحقيق صحفي حول الموضوع لتفادي فضيحة ترويج الأخبار الكاذبة، والأخطر من ذلك الإخلال بأحد مبادئ أخلاقيات المهنة الصحفية التي تدعو إلى احترام الذات البشرية وكرامة الإنسان واحترام الحياة الشخصية للأفراد. وهذا الخطأ يعاقب عليه قانونا حسب ما ورد في القسم الثالث من مجلة الصحافة التونسية، والخاص بالجنح ضد الأشخاص. وأشارت الأستاذة الجامعية في بحثها إلى إن ما ينشر في الصحف، وخاصة في مجال الشؤون العالمية، يحتاج إلى مراجعة في بعض المعلومات التي يصعب على القارئ تحديد مدى صحتها. ويمكن العودة إلى تحليل الخطاب الإعلامي لبعض الصحف خلال حرب الخليج الثالثة أو العدوان على غزة لنتوقف عند هذه الإخلالات التي تمس من مصداقية الصحافة المكتوبة، كما لاحظت الباحثة في دراستها المنشورة بهذا الكتاب من خلال التحليل الوصفي لبعض الصحف اليومية والأسبوعية التونسية، اتساع مساحة الصفحات التي توكل مهمة إعدادها إلى صحفي يقتصر عمله على اختيار مقالات جاهزة يؤثث بها مساحة مهمة يمكن أن تصل إلى حدود صفحتين دون ذكر المصدر. ولكن نجد في آخر الصفحة عبارة: إعداد فلان. وهذه الممارسة لا يمكن ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ إلا أن ندرجها تحت مسمى السرقات الصحفية في غياب ذكر مصدر المعلومة. فهذه الممارسة لا تمر دون محاسبة ومساءلة في البلدان الغربية التي تشهد إخلالات من نوع آخر. وترى الباحثة أن المتلقي العربي، بما أنه جزء من القرية الكونية التي تتوزع فيها المعلومات والدراسات والأفكار دون استئذان وعبر الإنترنت، يطمح إلى مضمون إعلامي عصري يعطي للخبر الأولوية المطلقة، ويفتح أبواب الرأي والتحليل التي يقدمها أهل الفكر والمعرفة. وما لاحظته الباحثة هو استسلام الصحفي لسطوة العمل الروتيني الذي يوفره انتشار تكنولوجيا المعلومات، مما يمثل انتقاصا من حق المتلقي في المعلومة. وعموما فإن مناخ الحرية الذي تتمتع به الصحافة، سواء كان ضيقا أم رحبا له تأثير كبير في الممارسة الصحفية ومسؤوليات الصحفي تجاه مجتمعه ومن بين هذه المسؤوليات موضوعية التغطية الصحفية. فالموضوعية تحترم عندما يشعر الصحفي بالأمان في عمله واحترام أخلاقيات المهنة الصحفية في هذه الحالة تصبح القاعدة والأساس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©