الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نرويج ما بعد الهجمات... تأكيد على الانفتاح

2 أغسطس 2011 23:36
يوم 22 يوليو الماضي، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، هز انفجار مدوٍ نوافذ بناية حكومية وسط أوسلو مدمراً مقر رئيس الوزراء النرويجي ومعه مكاتب داخل البناية، ما أسفر عن جرح عدد من المواطنين الذين تواجدوا في موقع الحادث، والأمر لم يقتصر على وسط أوسلو بل امتد إلى جزيرة "أوتويا" شمال غرب العاصمة بعدما نقلت الأخبار سقوط العشرات من القتلى جميعهم من الشباب، وسرعان ما هبت الشرطة للتعامل مع الحادث المروع غير المسبوق في النرويج المعروفة بأنها من أكثر المناطق أمناً في العالم. وبعدما تبين حجم الهجوم، انصرفت وسائل الإعلام إلى التخمين والتكهن حول المسؤول عن الهجوم الإرهابي موجهة أصبع الاتهام في البداية إلى جماعات جهادية متطرفة، لا سيما وأن النرويج منخرطة في أفغانستان واستضافتها لجالية مسلمة تتزايد أعدادها يوماً بعد يوم. لكن المعلومات التي كُشف عنها لاحقاً، قلبت التكهنات رأساً على عقب وتركت النرويجيين الذين يتفاخرون بتسامحهم وانفتاحهم وطبيعتهم المسالمة في حالة من الصدمة. فالرجل الذي اعترف من تلقاء نفسه بالجرائم، لم يكن عنصراً من عناصر "القاعدة"، بل كان العكس من ذلك تماماً، فهو رجل أبيض عبر عن كراهيته للإسلام والمسلمين وأبدى تعاطفاً واضحاً مع السياسات اليمينية المتطرفة، حيث صدم "أندريس بهرينج بريفك" المجتمع النرويجي عندما اعترف بدم بارد إزهاقه لأرواح 77 مواطناً في الهجومين، مشبهاً نفسه بصليبي معاصر هدفه، كما قال، إيقاظ النرويجيين وحزب "العمال" الحاكم من سباتهم لمواجهة ما يعتبره خطراً إسلامياً محدقاً بأوروبا. لكن بدلاً من التعامل معهما كجرس إنذار اعتبر النرويجيون الهجومين ضربة قوية للقيم التي نشؤوا عليها، وهو ما عبر عنه "ألكسندر روين"، أحد سكان "أوسلو" قائلاً "لقد ضرب كل ما تعنيه هذه البلاد في الصميم". وحتى بعد الهجوم القاسي الذي خلف الكثير من الألم والصدمة، برز تصميم قوي لدى النرويجيين مباشرة بعد الحادث بأن يبقوا أوفياء للمثل والقيم التي عاشوا عليها ورفض الانجرار وراء ردود الأفعال المتسرعة وفرض إجراءات أمنية قاسية، وذلك رغم جسامة الحادث الذي يعتبر لحظة مفصلية شبيهة بما تمثله هجمات 11 سبتمبر بالنسبة للأميركيين. لقد ميزت النرويج نفسها على مدى السنوات الماضية بكونها بلداً يتوسط لأجل السلام، ويقف إلى جانب الدول الفقيرة من خلال المساعدات والمنح المالية، فضلاً على كونه البلد الذي يشرف على جائزة نوبل للسلام، وهي الصورة التي تريد النرويج الحفاظ عليها، رغم كل ما حدث. فعلى سبيل المثال صرح المسؤولون أنهم لن يلجؤوا إلى التضييق على الحريات، أو خنق وجهات النظر المختلفة، أو التخلي عن الإجراءات القانونية التي تضمن ظروف المحاكمة العادلة، وهو ما أكده "جوناس جاهر ستور"، وزير الخارجية، في خطاب بعد الهجومين قال فيه "سنواصل مسيرتنا في الاعتناء ببعضنا البعض وحماية الديمقراطية وانفتاح المجتمع والدفاع عن حقوق الإنسان، وضمان مستقبل أفضل لأبنائنا". لكن الهجوم الذي فاجأ النرويجيين أطلق تساؤلات حول مكافحة الإرهاب وتقييم مدى استعداد البلاد للتعامل معه، لا سيما بعد الانتقادات التي وجهتها وسائل الإعلام إلى الشرطة والبطء الذي تعاطت به مع الهجوم، ففي الوقت الذي ظلت الطائرة المروحية الوحيدة لدى الشرطة في أوسلو دون استخدام كانت طائرات مروحية تابعة لوسائل الإعلام تحلق في الأجواء لتصوير الجزيرة. كما أن القوارب التي تمتلكها الشرطة تعطلت فاضطرت إلى مصادرة قوارب خاصة للوصول إلى الجزيرة، مؤخراً بذلك عملية القبض على المجرم، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات النرويجية للتأكد من عدم وجود خطط إرهابية أخرى، إلا أنها سارعت إلى تطمين الرأي العام بأنها إجراءات مؤقتة لن تمس بالحريات العامة. ولتحديد ملابسات الحادث أنشأت السلطات لجنة مستقلة لبحث ما جرى خلال التفجيرين ومراجعة ردة فعل الشرطة، كما استجابت السلطات لطلب رئيس الوزراء الذي دعا إلى فتح تحقيق للتعلم من الدروس ومنع تكرار هجمات مشابهة في المستقبل. وعن حالات العنف القليلة التي شهدتها البلاد يقول "إيفر نيومان"، الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية إن أغلب حوادث العنف ترجع إلى "اليمين" المتطرف، وهي حوادث قليلة ومتفرقة تختلف عن الهجومين اللذين خلفا عدداً كبيراً من الضحايا، بحيث "يبدو واضحاً البعد السياسي للهجوم". وفي هذا السياق، يعتقد بعض المحللين أن الحادثة الإرهابية الأخيرة ستفتح النقاش العام حول قضية الهجرة وتعيدها إلى السطح. فعلى غرار باقي الدول الأوروبية شهدت النرويج منذ العام 1995 تضاعفاً في عدد المهاجرين المتدفقين إليها. ولعل ما يؤكد ذلك البيان الذي نشره "بريفك" على الإنترنت قبيل تنفيذه للعمليات، وقال فيه "لا يمكن حل المشكلة إلا إذا أزلنا كلياً أتباع الإسلام، ولفعل ذلك على المسلمين أن يستسلموا ويعتنقوا المسيحية. وإذا رفضوا القيام بذلك طواعية قبل 1 يناير 2020 لا بد من طردهم من التراب الأوروبي وترحيلهم إلى العالم الإسلامي"، هذه التصريحات المتطرفة ستعيد طرح الهجرة كموضوع للنقاش بعدما ظلت قضية هامشية بسبب انعدام العنف ضد المهاجرين من جهة وابتعاد النرويجيين عموماً عن الأفكار العنصرية من جهة أخرى. لكن انتشار الإسلاموفوبيا داخل المجتمع يفرض على الجميع تسليط الضوء على الآخر وتصويب الخلل المرتبط بنظرة المجتمع إليه. فرانك رادوسيفيك - أوسلو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سياينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©