الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهامشيون يقتحمون

الهامشيون يقتحمون
26 يوليو 2012
نوادر البخلاء والطفيليين والأكلة مادة غنية ألّف فيها الأدباء والكتّاب العرب كتباً عديدة، لأنّهم يشيعون في رواية نوادرهم ذاك النَهم الذي لا يشبع بطون هذه الفئة من الناس على موائد الطعام، لأنّهم ابتلوا بها وأحبوها حدّ التبتل. وكانت للطفيليين حيل بوارع عند حضورهم الطعام، يعرفونها ويطبقونها، لأنهم لا يتكلمون حين يبدأ الأكل، لأنّ حديثهم يؤخرهم عن تناول لقميات أكثر؟! ويجيء كتاب “البخلاء” للجاحظ في مقدمة مَن دوّن نوادرهم، فهؤلاء لا يجدون متعتهم سوى أمام ألوان الطعام وفي الدعوات والولائم، ثم ألف الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، صاحب تاريخ بغداد، كتاباً أسماه البخلاء أيضاً، وجمع الأصمعي (ت 215 هـ)، الذي عُرف بالبخل: “أحاديث البخلاء وكان يوصي بها ولده ويتحدث بها”. أمّا أبو حيّان التوحيدي (ت 414 هـ)، فعرض نوادر كثيرة عن البخلاء والطفيليين والأكلة في كتابيه “الإمتاع والمؤانسة”، و”الهوامل والشوامل”. وضمّت المكتبة العربية كتاب” التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم”، لمؤلفهِ الحافظ المؤرخ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي( ت 463 هـ)، وصاحب “تاريخ بغداد” المعروف. وقد صدر كتاب “التطفيل” عن منشورات دار الجمل، بيروت ـ بغداد، بصفحاته ألـ 120 صفحة من القطع المتوسط، عن رواية أبي المعالي الحسين بن حمزة بن الحسين الغسّاني عنه رواية أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي عنه رواية أبي عبدالله محمّد بن إسماعيل بن عثمان بن عساكر إذناً عنه، عن نسخة المرحوم الشيخ عبدالقادر بدران مع المُعَارِضَة بصورة نسخة الخزانة التيمورية العامرة. مفردات الكتاب اشتمل الكتاب موضوعات منها ذكر وأبواب، وأدرجت على النحو الآتي: موجز ترجمة المؤلف، ما حمل المُصنِّف على تأليف هذا الكتاب، ما ورد من الرخصة في ترويح النفس وأحماضها أحياناً، معنى التطفيل في اللغة، وأول مَن نُسب إليه، وأسماء الطفيلي، ذكر ما كان يُسمى به الطفيلي في الجاهلية، باب مَن دُعِي إلى طعام فأراد أن يستصحب معه غيره. ذكر مَن طفّل على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من الصحابة، باب في الغليظ على مَن أتى طعاماً لا يُدعَ إليه، باب في ذكر مَن طفّل من الأكابر والأشراف وأهل العلم والأدب، مَن عرّض بالتطفيل ولم يُصرّح، مَا أحبّ تطفيل غيره عليه فسهّل له السبيل إليه، أخبار مَن صرف إلى التطفيل همتّه وجعل ذلك صناعته وحرفته، أخبار مَن منع عن الدخول فأحتال وتسبب إلى الوصول، ذكر بعض المحفوظ عن الطفيليين في محاوراتهم وما أجابوا به وأوردوه في مناظراتهم، وصايا الطفيليين منثورها ومنظومها، أشعار الطفيليين، بنان الطفيلي وأخباره، ذكر ما أسند بنان من الأخبار، خبر بنان بالبصرة، ما حُفِظ عن بنان في رسوم التطفيل وحدوده وأحكامه، قول بنان في تقديم الوقت لحضوره الدعوة، قول بنان في تخيّر المواضع وبعض وصاياه، ما كُنّى به بنان آلة الطعام، قصيدتان في رثاء بنان وبعض الطفيليين، مجموع أخبار بنان ووصاياه، نسخة عهد في التطفيل، صورة ما في أصل الكتاب من السماعات. عرّفنا الخطيب البغدادي على معنى التطفيل، بحسب إحدى الروايات، وهي: أن: “الطفيلي الداخل على القوم من غير أن يُدعَى مأخوذ من الطَّفَل وهو إقبال الليل على النهار بظلمته...”. ثم تحدث عن الطفيلي في الجاهلية قائلاً: “... كنا ندعو “الأمعة” في الجاهلية الرجل يُدعى إلى الطعام فيذهب بالآخر معه لم يُدعَ”. وذكر البغدادي لمن طفل على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، روايات وحكايات عديدة بإسناد مختلف لكل حكاية، منها ما رواة عن أصحاب النبي الأكرم، فقال: كان فينا رجل يُقال له أبو شُعيب وكان له غلام لحّام فقال لغلامه اجعل لي طعاماً لعليّ أدعو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم خامس خمسة فتبعه رجل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم للرجل إنّك دعوتني خامس خمسة وإنّ هذا تبعنا فإن أذنت وإلاّ رجع، قال بل آذن له”. باب التغليظ ثم نقف عند “باب التغليظ على مَن أتى طعاماً لم يُدْعَ إليه”، فروى روايات وحكايات كثيرة، منها قوله: وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره فقال أبوه الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤونة وما هو بالذي يصلح لضرب اللّبِن فما أدري ما أعمل به، فقال جحا إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أيّ شيء تحسن فقال أبوه فعلمنا أنت ما تصنع به فقال: يحفر له آبار ونكبسه فيها”! ومن الروايات الشعرية للخطيب البغدادي عن سندي بن صدقة قوله: كنّا على سطح يعني بمصر ومعنا أبو نواس فأقبلت رفقة يريدون الخصيب فدعا أبو نواس بدواة وكتب إلى الخصيب: قد استزرت عصبة فأقبلوا وعصبة لم تستزرهم طفلوا رجُوك في تطفيلهم وأملّوا وللرجاء حُرمة لا تجهلُ قابلهم خيراً فأنت الأفضلُ وافعَل كما كُنتَ قديماً تفعَلُ وأشار مؤلف الكتاب إلى من طفل من الأكابر والأشراف، فقال: قرأت في كتاب صاحبنا محمّد بن زيد العلوي لبعضهم: إنّ مَن كان عارفاً بالجميلِ لا يلوم الفتى على التطفيلِ أنا في منزلي وحيدٌ وأنتم قد خلوتم بمسمعٍ وشمولِ هذه رقعتي وهذا رسولي أنا في أثرها وأثر الرسولِ ومن الطفيليين مَن صرف همته وجعل ذلك صناعته وحرفته، حيث حدثنا عنهم الخطيب البغدادي بحكايات كثيرة منها، منها ما رواه محمّد بن خالد بن عمرو قال: اجتمع قوم من الطفيليين فأرادوا وليمة فقال رئيسهم: اللّهم لا تجعل البوّاب لكازاً في الصدور دفّاعاً في الظهور طرّاحاً للقلانس، هَبْ لنا رأفته وبشّره وسهِّل لنا أذنه، فلما دخلوا تلقاهم الخبّاز فقال رئيسهم: غُرّة مباركة موصول بها الخصب معدوم معها الجَدْب، فلما جلسوا على الخوان قال: جعلك الله في البركة كعصا موسى وخوان إبراهيم ومائدة عيسى. قال: ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم وأقيموا أعناقكم وأجيدوا اللّف واشرعوا الأكُف ولا تمضغُوا مضغ المتعللين الشبّاع المُتخمين واذكروا سوء المُنقَلَب وخيبة المُضطرب”.! وصايا الطفيليين وإذا كانت حكايا الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم وافرة في الكتاب، فإنّ المؤلف تناول وصايا عديدة لهم منها: أنّ رجُلاً قال لبَنَان أوصني فقال: لا تُنادم أحداً فإن كنت لا بُدّ فاعلاً فنادِم مَن لا يستأثر عليك بالمُخِ، ولا ينتهب بيضة البقيلة، ولا يلتقِم جلد الدجاجة، ولا يختطف كُلية الجَدِي، ولا يزدرِد قانصة الكُركِي، ولا يتقتطع سُرّة الشصان، ولا يعرض لعيون الرأس، ولا يستولي على صدر الدُرّاج، ولا يتناول إلاّ مابين يديه، ولا يلاحظ ما بين يديّ غيره، وإن أتى بجَدْي شواء كشحَ كلّ شيء عليه لا يَرحم ذا سِنٍّ لضعفه، ولا يرّق على حدث لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يُبالي كيف دارت بهم الحال”. أخبار بنان؟ كما أفرد مؤلف الكتاب مادة متنوعة لذكر “أخبار بنان الطفيلي” الذي أختلف في اسمه فقيل: عبدالله بن عثمان، وقيل علي بن محمد ولقبه بنان ويُكنى أبا الحسن، وهو بغدادي الدار، حيث قال: محمّد بن دينار: سمعت وكيع بن الجرّاح يقول: قال لي بنان الطفيلي: يا وكيع التمكّن على المائدة خير لك من زيادة أربعة ألوان. أما خبره في مدينة البصرة بالعراق، فقال بنان الطفيلي: دخلت البصرة فقيل لي هاهُنا عريفاً للطفيلية يبرهم ويكسوهم ويرشدهم إلى الأعمال ويُقاسمهم فصرتُ إليه فبرّني وكساني وأقمت عنده ثلاثة أيام وله خَلْقٌ يصيرون إليه بالزلاّت فيعطيهم النصف وأعطاني النصف فبعتُ ما دفع لي بدراهم... وقال بنان عن صنوف الأطعمة وأنواع الأكل، “عُصعص عنزٍ خير من قدر باقلاء”، وذكر البغدادي حكاية رواها جعفر بن محمّد الكوفي قال: كنت مع بنان في وليمة لرجل نبيل ومعنا جماعة من الكُتّاب على مائدة فكان قُدّام رجل منّا دجاجة مُسمنة فضرب يدهُ فأخذها من قُدّام الرجل. فقلت له: يا بنان ما هذا أتفعل هكذا! قال: إنّه أصلحك اللهُ مُشاعٌ غير مقسوم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©