الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وهم الكلمات المتقاطعة

21 يناير 2012
الربيع العربي يزهر في رومانيا.. هل سمعتم بالخبر ....... نعم يا سادة يا كرام، فلم نعد نستورد الخرفان من رومانيا فقط، بل صدرنا لهم ربيعنا العربي بكامل عنفوانه، وها هي الجماهير الرومانية التي نحسدها لأنها تأكل اللحم الروماني بلديا، ها هي تخرج عن بكرة أبيها وأمها إلى الشوارع. فقد قدم الدكتور رائد عرفات، أمين عام وزارة الصحة الرومانية استقالته، أكثر من مرة، حتى الآن، احتجاجا على مشروع قانون لخصخصة القطاع الطبي والصحي في رومانيا..... طبعا الرجل عربي، كما هو واضح من الاسم، لكنه يحمل الجنسية الرومانية التي أوصلته إلى منصب الأمين العام، لكن أن يقدم استقالته؟؟؟؟؟ هذا نادر جدا عند المسؤول العربي، يبدو أن والدته رومانية. وقد اجتاحت المظاهرات العارمة رومانيا يوم الجمعة، حيث يحمل المتظاهرون لافتات تطالب برحيل الرئيس الروماني ترايان باسيسكو، ويربوا تكون ترجمتها: “ارحل يعني ارحل”، وإذا استمرت المظاهرات وطالت نتيجة تعنت الرئيس ترايان “وهذا ما نتمناه حتى لا يخنث الهرج”.... فقد نقرأ شعارات مثل: ? ارحل .. يعني أرحل. ? ارحل، مراتي وحشتني .... متزوج من عشرين يوما. أخيرا... وجدنا من ما نصدره إلى أوروبا، بدل أن نبقى مستهلكين إلى الأبد. ??? زوجتي من هواة حل الكلمات المتقاطعة، وكانت قبل سنوات تسألني عن الكثير من المعلومات، ثم توقفت عن السؤال وصارت تحلها ولا تتوقف إلا عند بعض الكلمات القليلة والنادرة. المقصود أن الكلمات المتقاطعة تدخل في إطار المتعارف عليه بين جميع مؤلفيها “إن صح التعبير”، وهذه إحدى مقومات الوحدة العربية التي لم نثبتها بعد مع وحدة التاريخ والجغرافيا والدين .... وخلافه. في معظم الكلمات المتقاطعة المنتشرة في أرجاء العالم العربي المتمطي على قارتين، تجد عبارات متشابهة تماما مثل: ? مادة قاتلة من حرفين. ? مخترع التلفون ? أديب عربي حاصل على جائزة نوبل. ? العندليب الأسمر ? يجري في العروق من حرفين ? كوكب الشرق وغيرها من المعلومات التي يسأل عنها حلاَّل الكلمات المتقاطعة مرة واحدة، ثم يشرع في الحل كأي عبقري، ولا يتوقف سوى عند بعض الكلمات، لا بل عند بضعة حروف منها فقط، لأن معظم أحرفها تكون قد بانت من خلال التقاطع مع كلمات أخرى تقليدية. هكذا تنشأ عندنا ثقافة تقليدية مكررة روتينية ميكانيكية وغير مبدعة، لكنها تعطي الحلاّل إحساسا وهميا بالمعرفة والثقة والنجاح نتيجة حل الكلمات المتقاطعة بزمن قياسي. وهكذا يشعر الموظف الحكومي بالإنجاز والإشباع، ويشعر بأنه قد استحق أجره بكل جدارة، فيرتمي على الكرسي حتى نهاية الدوام، لا شغلة ولا عملة، سوى النظر بين الفينة والأخرى بفخر أجوف إلى كلماته المتقاطعة المحلولة. المشكلة أن ثقافتنا بشكل عام تشبه إلى حد بعيد يصل إلى حد التطابق مع الكلمات المتقاطعة، لذلك لا يحتاج المواطن العربي سوى إلى ما معدله 6 دقائق سنويا – وليس يوميا- من المطالعة، بينما في دول الغرب “ذوي الأصفر الممراض” يحتاج المسكين إلى 200 ساعة سنويا كمعدل... هذا حسب دراسة عربية صدرت الأسبوع الماضي عن هيئة عربية نسيت اسمها. أتمنى أن يكون الربيع العربي ثورة عارمة على ثقافة الكلمات المتقاطعة، لأننا بدون ثقافة متجددة ومبدعة غير ميكانيكية، بدون ذلك سنرجع بعد سنة إلى ذات دائرة الكلمات المتقاطعة، ونكون قد استبدلنا ديكتاتورا بديكتاتور آخر، ونظام لا ديمقراطي بنظام لا ديمقراطي آخر، تماما كما نستبدل كلمات متقاطعة محلولة بأخرى مثلها غير محلولة بعد. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©