الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السارد التشكيلي في البار الأميركي

السارد التشكيلي في البار الأميركي
14 فبراير 2008 00:20
المجموعة القصصية الجديدة للقاص وارد بدر السالم ''البار الأميركي'' الفائزة بالمركز الأول بجائزة مجلة ''دبي الثقافية'' تكشف نمطاً جديداً باستثمار اللوحة للشروع (في لحظة التوثيق) كما جاء في قصة (البحر يخرج من مرآة) وهي تقنية جديدة تضاف إلى عالمه القصصي· في هذه المجموعة يقدم القاص ساردا خاصا نسميه (السارد التشكيلي) يقوم بتوصيف أو رسم لوحة تشكيلية بالكلمات والتحكم بمفرداتها بتحريك تفاصيلها أو إضافة عناصر جديدة لها أو إلغاء بعضها أو جميعها· تنتمي هذه المجموعة القصصية إلى ما يسمى بالقصص المتضامنة، فهي متضامنة في تاريخ كتابتها، ومتضامنة أيضاً في مكان إنتاجها (أبوظبي)، وأهم من ذلك أن هذه القصص المتضامنة، تستفيد من تقنية اللوحة التشكيلية، باعتبار أن الرسم واللوحة الفنية هما مظهر حضاري ـ فني، رافق تطور الإنسان وتحولات حياته عبر العصور· تبدأ معظم القصص الثمان، من عناصر اللوحة المتناثرة ضمن مساحتها ذات الألوان المتنوعة، ثم تبدأ العين الراصدة بالتركيز وإضاءة هذه المفردات، عبر عدسة مكبرة، تتناول المفردة بالفحص والتوصيف الدقيق، وبالتركيز على اللون أو على دقة أجزاء المفردة الواحدة كالوجه والجسد مثلا· ينساق السرد وينمو باتجاه وجهة نظر الرسام وليس وجهة نظر السارد، فالسارد المختفي وراء مفردات اللغة المنتقاة بدقة وقوة الخطوط والألوان التي يحاكيها السرد ويخضع لمساراتها هو سارد يشتغل وفق أسس بناء اللوحة، إنه سرد تشكيلي أساسه الكلمات الملونة المتحركة حركة الخطوط في اللوحة، (بحر صاف يخرج من مرآة·· موج أزرق خفيف كقطعة قماش براقة، يعكس سماء صافية هي الأخرى ـ قصة البحر يخرج من مرآة)· في قصة ''البحر يخرج من مرآة'' تظهر الشمس البيضاء أسفل البحر ''من الجهة اليسرى، في محاولة لتغيير نمط الطبيعة الثابت: البحر أعلى المشهد والشمس أسفله''، وفي الصفحة العاشرة ''تتحرك الشمس الى وسط المكان وتتقوس لتضم جسد الحورية البنفسجية التي ذابت بين ريحها البيضاء··''، وكذلك الحال لمفردات اللوحة كالصيادين الثلاثة، والحوريات الثلاث، والمراكب الثلاثة، وعناكب البحر وهي تتجول على أزرار بيانو مهجور على شاطئ البحر· في نهاية القصة ''يتبدل المشهد كلياً، وتعود الطبيعة الى نمطها المعتاد'' لتبدو ''الصورة أكثر وضوحاً هذه المرة: بيانو، ورمل، وبحر، وشمس، وقمر أبيض، وحوريات ثلاث اخترعتها ثلاث ذاكرات متعبات في صمت البحر الطويل''، وهي عودة للمفردات الساكنة في اللوحة التي استثمرها السارد ليعيد تشكيل اللوحة ويبث فيها الحياة والحركة ولينشئ على عناصرها لوحة قصصية لها القدرة على تحريك وإخفاء أو إضافة تفاصيل أخرى لتكتمل الدلالة ويتضح الجمال ويتألق· وفي قصة ''ثلاثة كلاب وغراب أخرس'' ينشئ السارد التشكيلي لوحة فنية (قصة تشكيلية) تعمل وفق تقنية اللوحة، وتتمرد عليها في نزوعها إلى نبذ الجمود وإضافة مفردات جديدة لا يمتلك الرسام ناصيتها، وكذلك تحريك هذه المفردات من أماكنها التي ظهرت فيها بداية، ووضعها في أماكن أخرى· ولا يتوقف السارد التشكيلي عند رسم هذه المفردات واضعاً إياها في أمكنتها بل انه يلجأ الى تحريكها وتبديل أماكنها وبنفس الوقت يضفي على هذه الحركة وهذا التبديل صفات وتعليقات، تشي بوجهة نظره إزاء عالم اللوحة التي تنتمي هنا الى عالم (الرسم) من ذلك: ''الكلاب الثلاثة تغير مكانها··· (يتحرك) الغراب الأخرس يرفع جناحيه كيدين قصيرتين محاولا الهبوط على الغزالة الميتة''··· ثم ''الكلاب الثلاثة تتفرق في المشهد وقد تختفي'' والمرأة تظهر بشكل آخر متشحة بالبياض· وتؤسس هذه المجموعة عالمها على هجاء مر للتخريب والدمار الذي يقننه الإنسان ضد الجمال والانسجام في الطبيعة، يتأكد ذلك من الخطابات والتعليقات التي ترد أثناء مشاهدة اثر جمالي يجسد الانفلات من قيود الفتك والدمار مجسدا في احتجاج الفنان على الانتهاكات والتخريب، كما يتجسد في الاحتفاء بالجسد الإنساني وهو يحتفي بالحياة والطبيعة الفاتنة، من خلال فن الرقص والموسيقى، والمسرح·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©