الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العالم مسطح لتوماس فريدمان: قفزة تكنولوجية في رحاب الآتي

14 فبراير 2008 00:18
منذ السطور الأولى لكتابه ''العالم مسطح'' الذي صدرت نسخته المعربة مؤخرا، عن ''دار الكتاب العربي'' في بيروت، يبدو حرص المؤلف توماس فريدمان واضحا على إقامة حالة من التوازي بين مساره الشخصي وبين مثيله للرحالة كريستوف كولومبوس، مكتشف أميركا في القرن الخامس عشر، وإذا كان كولومبوس قد أدرك القارة الجديدة من حيث كان يظن نفسه ذاهبا إلى الهند، الأمر الذي دفعه لإطلاق تسمية الهنود على السكان الأصليين للأرض المكتشفة، فإن فريدمان وبعد قرون خمسة على الحادثة التي غيرت وجه العالم القديم، يرتكب فعلا موازيا لما أقدم عليه الرحالة الأشهر، إذ يقع على ''أميركيين'' في سحنات هندية، إبان زيارة له إلى مدينة بنغالور، التي استحقت تسمية ''سيليكون فالي الهند''، نسبة إلى وادي السيليكون الأميركي حاضنة الطفرة التكنولوجية في زمننا الراهن· هكذا يمهد فريدمان لكتابه بالإشارة إلى أن أولئك الهنود الذين التقاهم في زيارته، إنما كانوا نسخا بشرية منقحة عن أقرانهم الأمريكيين، بناة المستعمرات التكنولوجية الفائقة الروعة، والتي كانت من تداعياتها الأولى أن غيرت العالم مرة أخرى، وجعلته مسطحا، عوضا عن أن يكون كرويا، كما استنتج كولومبوس اثر عودته من الهند الأميركية· يمكن البدء من هنا، إلا ان تقصي المفارقة نحو حدودها القصوى يفضي بالقارىء إلى مناخات مغايرة، ويدفعه للاستنتاج ان الكاتب لا يهدف إلى التماهي مع إحدى الشخصيات التاريخية، بقدر ما يسعى إلى تأكيد اكتشافه الجديد· ملعب لكرة القدم ''العالم مسطح'' هكذا أسر فريدمان في أذن زوجته، وهو لم يكن يشير فقط إلى تضاؤل الجغرافيا الكونية أمام انفجار فقاعة الدوت كوم، إنما، وبصورة رئيسية، إلى اندثار التضاريس الفاصلة بين الأجزاء المختلفة المشكلة للعالم المعاصر، بما يجعله منكشفا على جهاته المتعددة، أي بما يحيله إلى ساحة مشابهة لملعب كرة القدم، حيث يمكن لمن يقف في أقصى حدوده الجغرافية، أن يشارك، وبفعالية، في ''اللعبة'' المتأرجحة بين المتعة والخطر· أما العوامل التي أدت به إلى التسطيح فيختزلها الكاتب في عشرة أهمها سقوط حائط برلين في عام 1989 إيذانا بسقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية حلف وارسو· ثم انطلاق خدمة البحث على الانترنت ''نت اسكيب'' عام 199 بما تحتويه من تسهيلات جعلت من التصفح، والتواصل عبره، أمرا متاحا· وصولا إلى عوامل مترابطة تتصل بسعي الشركات العملاقة لتحقيق مكاسب خيالية وتخفيض قيمة الإنفاق من خلال توظيف عمالة رخيصة من البلدان الأقل دخلا، حيث أدركت تلك الشركات أن المهندسين الهنود يمكنهم القيام بمعظم الوظائف المتعلقة بالتكنولوجيا بعشر تكلفة نظرائهم الأميركيين· ذلك فضلا عن استيراد الشركات الضخمة في الولايات المتحدة لأدوات الإنتاج بأسعار زهيدة من الهند والصين بدلا من القيام بتصنيعها في الداخل· وإنشاء مصانع الإنتاج في دول جنوب شرق آسيا، الأمر الذي أدى إلى إنعاش اقتصاد تلك الدول، وجعل من المنافسة قابلة للتحقق في غياب القيود والعراقيل التي اعتادت على مواجهتها قبل انتشار حالة التضاؤل التي ضربت العالم· القفزة عالمنا بات شبيها بحال الشاشة التلفزيونية العملاقة التي تحتل زاوية في مقر إحدى الشركات الهندية العابرة للحدود، حيث بوسع قادتها الادرايين، الموزعين على مختلف أرجاء العالم، ان يتواصلوا في ما بينهم بسهولة ويسر، متخطين عامل الجغرافيا، ذلك أن الهند وبالرغم من شوارعها المحفرة، التي تشغلها، على غير ترتيب، قطعان من الأبقار المقدسة، تمكنت من إنجاز قفزتها التكنولوجية الهائلة، التي سمحت لها بالدخول مع الكبار، في لعبة معقدة، من الواضح انها تتقن شروطها جيدا، بل من الراجح أنها تسجل من خلالها اختراقات ملموسة، بالاستناد إلى إمكاناتها الذاتية التي تبدأ من دأب فائق يدمغ سلوك أجيالها الجديدة، ولا تنتهي عند متطلبات مفرطة في التواضع لتلك الأجيال، بما يجعلهم خارج إطار المنافسة· هكذا صارت عقود المحاسبة العائدة للشركات الأميركية تنجز في الهند على أيدي شبان طامحين إلى التحرر من شبح الفاقة، أما الصين فلم تجد ضيرا في التغاضي عن سنوات طويلة من العداء الدموي مع جارتها اليابان، لتنخرط معها في عملية تبادل مصالح أسفرت عن نتائج من طابع نوعي· فارق التوقيت يركز فريدمان في كتابه على الهند والصين بصفتهما أكثر المستفيدين من تسطيح العالم· محذرا من خطورة التحدي الذي تشكله كل من هاتين الدولتين على الولايات المتحدة، التي تشهد تراجعا في محفزات نموها، ومشيرا إلى ''أن حركة التسطيح سوف تستمر ولن تتوقف حتى يتصل العالم، ويتواصل العمل 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع و365 يوما في السنة· ولهذا السبب فإن الهند ستفوز في هذه المنافسة بفارق التوقيت، ذلك ان الهنود يعملون في الوقت الذي يكون فيه سكان الولايات المتحدة نائمين!! يتوجه الكاتب إلى ابنتيه راويا أن والديه كانا يحضانه على إنهاء طعامه كاملا، لأن ''هناك من يتضور جوعا في الهند والصين· أما الآن، في عصر العالم المسطح، ينبغي على الأبناء أن ينجزوا واجباتهم الدراسية كاملة لأن أقرانهم من الصينيين والهنود جاهزون لاستلام وظائفهم''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©