الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوة الكلمة في مواجهة كلمة القوة

14 فبراير 2008 00:18
قليلة جداً هي الكتب التي ألفها صحافيون تونسيون لتدوين تجاربهم المهنية، أو لكشف خفايا أحداث سياسية عايشوها بصفتهم شهود عيان، أو تحليل قضايا اجتماعية تعرفوا إليها عن كثب، لذلك فإن صدور كتاب ''العسل المر'' مثل حدثاً في الأوساط الصحافية التونسية· الكاتب، عبد الجليل دمق، بتجربته الصحافية الطويلة الممتدة لنصف قرن، يعدّ احد أشهر الصحافيين التونسيين، وهو ربما أكثرهم خبرة واطلاعاً على خفايا المهنة وأسرارها، فقد تولى العمل بجريدة ''الصباح'' اليومية، وهي أبرز مؤسسة صحافية عرفتها تونس طيلة 34 عاماً من استقلالها، أي من 1954 إلى 1988 وأشرف على رئاسة تحرير الجريدة نفسها طيلة ثلاثة عشر عاماً، كما أسس عام 1993 جريدة يومية لحسابه الخاص وهي ''الرأي العام''، التي استمرت في الصدور ستة أعوام قبل أن تتوقف· والكتاب، كما يقول مؤلفه، تضمن ذكريات انتقاها الصحافي من مجموعة كبيرة من الأحداث التي عاشها طيلة نصف قرن مؤكداً: ''إني أبحث عن كلمة·· رافضاً كلمة القوة، ساعياً وراء قوة الكلمة''· مؤكداً أنه لا يقدم ذكريات أو مذكرات إلا بقدر صلتها بالمواجهات الصحافية التي تعرض لها· إرهاب فكري يستعرض المؤلف بعض المكائد التي تعرض لها، والمشاكل التي واجهته مع بعض النافذين في السلطة وقتها، حتى أن الأمر وصل لأن تشتكيه الراحلة راضية الحداد رئيسة الاتحاد النسائي حينذاك إلى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ساعية إلى إلحاق الضرر به بسبب تحقيقات وكتابات لم ترق لها· وهددت المسؤولة عن اتحاد المرأة وقتها بإيقاف الصحيفة، وشنت على الكاتب ما اسماه ''إرهاباً فكرياً''· ويعلق الصحافي على تلك الحادثة التي ناصره فيها الزعيم بورقيبة: ''خرج الصحفي مرفوع الرأس من معركة لم يشنها ولم يبيت لها''· يصف الصحافي رحلاته الصحافية، ومن بينها رحلة مع وفد فلسطيني إلى الصين عام 1971ومقابلته للزعيم الصيني ''شو ان لاي''، كانت العلاقات التونسية الصينية مقطوعة وقتها، وقد بادر شو ان لاي للتلميح إلى رغبة بلاده في إعادة العلاقات مع تونس، وهي النقطة التي استغلها الصحافي لإبلاغها كتابياً إلى محمد المصمودي وزير الخارجية آنذاك، ولكن وبسبب غياب الوزير تم إحالة المراسلة إلى الراحل الهادي نويرة رئيس الحكومة، الذي غضب من تصرف الصحافي، بل ولم يتقبل حتى زيارته لبلد علاقاته الديبلوماسية مقطوعة مع تونس، وأمره بعدم نشر ولو كلمة واحدة عن تلك الزيارة· ولكن الصحافي اتصل بوزير الخارجية الذي سانده، ونقل مسألة تلميح الرئيس الصيني إلى الحبيب بورقيبة الذي أمر بعد أسبوع واحد بإعادة العلاقات بين تونس والصين· يكشف عبد الجليل دمق عن كواليس وخفايا لقاءات صحافية جمعته بالرئيس بورقيبة، كما يستعرض بعض ''الخبطات الصحافية'' التي أنجزها مثل انفراده بنشر خفايا هروب الوزير احمد بن صالح من السجن، وفراره إلى الجزائر مما سبب للصحافي متاعب مع الأمن وصلت إلى حد اتهامه بأنه عضو في العصابة التي هربت الوزير المحكوم عليه بالسجن· يروي دمق كيف وجد نفسه مضطراً للكشف عن مصدر خبره للإفلات من المضايقات· تصفية حسابات الكتاب جاء مسجلاً لمواقف المؤلف وآرائه وجرأته في طرح بعض القضايا، كما أنه تضمن بعض الأسرار التي عايشها الصحافي، ورفع الستار عن بعض خفاياها مثل قضية اتفاق الوحدة بين تونس وليبيا، الكاتب قدم أيضاً شهادات عن لقاءاته ببعض الشخصيات المرموقة مثل الراحل ياسر عرفات· والكاتب لم يتأخر عن تصفية حساباته مع بعض من سعوا إلى الكيد له، عندما كان رئيساً لتحرير إحدى أهم الصحف اليومية التونسية وهي جريدة ''الصباح''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©