الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صنعة «السنكري» هل تسقط أمام التكنولوجيا؟

صنعة «السنكري» هل تسقط أمام التكنولوجيا؟
1 أغسطس 2011 23:06
تصرّ المهن اليدوية والحرفية على استعادة ذاكرتها وحيويتها في لبنان، ليس لأن الحاضر يحمل الكثير من تعب المواجهة مع استعادة الذات، بعد استفحال الأزمات الحياتية والمعيشية، بل ربما خوفاً من المستقبل الذي يحمل الكثير من التبدلات في ظل عصر العولمة والحضارة وشبكة «الإنترنت» وغير ذلك.المهن شبه المنقرضة ليست وحدها الحريصة على التمسك بالأمس، بل إن معظم الحرف العتيقة المنسية والبعيدة عن ذاكرة جيل اليوم، بسبب جغرافية الأمكنة لا تزال تصر على بقاء الخيط القديم الذي يربطها بالماضي وهو الذي يميز شخصيتها، فهي سيدة الحضور في مختلف المناطق اللبنانية، وإن خف بريقها بسبب حروب وغزو «الحضارة» لكل جديد. تبقى الذاكرة التي يحاول من خلالها بعض من يتمسكون بالأشياء القديمة، استعادة صورة المهن القديمة التي كانت تنعم بأسواق شعبية خاصة بها، وكانت لها الميزة التراثية التي يتمسك بها كل الناس. فـ»المودرن» أبعد الجميع عن تبييض طناجر النحاس، وعن تجليخ السكاكين، لأن محال الأدوات الصحية قد دحرتها، فهي أسرع من التصليحات وإن كانت كلفتها أكبر، فلماذا يصلح الإنسان حذاءه طالما أنه يستطيع شراء الجديد باستمرار. والحلاق – الطبيب من يلجأ الى «علقة» والأدوية معروضة في الصيدليات، والقماش من يبتاعه إلا من المحال الفخمة، والزيت والعسل والدبس والزيتون والزعتر البري والخبيزة والهندباء وقرص العنة والعكوب، كلها أصبحت معروضة هنا وهناك أمام المارة على عربات الخضار، دون أن تسمع أحد يناديها. أين «معلم السنكري»؟ اذا سألت أحدهم عن معلم «السنكري»، يشيح بوجهه عنك، لاعتقاده أنك تسخر منه، فقد ولى زمن الماضي المزدهر، وحل مكانه الإهمال والتنكر للأصالة والاتقان، مع العلم أن مهنة «السنكري» وإن اعتبرها البعض منقرضة، على أساس أن مخيلة جيل اليوم لا ترى من هذه التسمية أو اللقب، إلا تصليح «بابور الكاز» الذي أصبح من معالم المتاحف والمستودعات و»فيترينات» الديكور، متناسين أن هذه المهنة كانت مورد رزق حلالا لكثير من العائلات، وأنها لم تذهب الى قبور النسيان الا بسبب الأحداث المؤسفة حتى أنها كانت ضحية الاختراعات، فضاعت مع الغد القاسي. وهنا يقول حسن علي سعد، «السنكري» المعروف في قرى إقليم التفاح، والذي رسمت السنوات تجاعيد التعب على وجهه، لا يزال يزاول هذه «الصنعة» بشق الأنفس، لأن العمر لم يعد يسمح بالتجول في كل أرجاء المناطق كما الماضي.«السنكري» ابوطانيوس يسترجع ذكريات هذه المهنة، فيرى أن من كان يعمل فيها «مين قدو».. والزبائن كانت تنتظر دورها لساعات بل لأيام، الآن بدأ الرزق يتناقص حيث زادت الصناعات المحلية الرخيصة الثمن، وقل قدوم الزبائن، فبابور الكاز ولّى زمانه وكذلك السخّان والمدخنة التقليدية، والأنكى من هذا كله الآن يدفعون ثمن الأغراض التي اعتبرها «بلاستيكية» من دون «رفة جفن»، بينما في الماضي كان الغني يفاصل أكثر من الفقير لأن الأخير يخجل أن يفاصل. ويضيف: الآن تغيّر الزمن والمهنة لم تعد تطعم خبزاً، وأصحاب «الصنعة» يقبعون في محالهم الضيقة، مع عدة وقوالب قديمة، فيها من كل الأحجام والقياسات، الى جانب فوضى أدوات تشبه ذلك الزمن الغابر من حيث التقنية والوضع الاجتماعي والاقتصادي. صحيح ان المهنة لم تكن تغري سابقاً، لكن حسب قول أبو يوسف، هكذا كان واقع الحال، لأن الحالة الاقتصادية لم تكن سهلة من الناحية المادية، وبالتالي كانت هذه «الصنعة» كمثيلاتها تؤمن الرزق لصاحبها وتساهم في تخفيف المصاريف على الفقراء. تصليح وثرثرة دكان «السنكري» بديكوره وعشوائية أغراضه كان ملاذاً «للثرثرة»، وهذا ما جعله أشبه ما يكون بمخزن الأخبار والحكايات، خصوصاً معلمي الصنعة في القرى والأرياف، حيث التقاليد والعادات ونقل الكلام، فكان لابد ببعض المرات من الهمس خوفاً من «آذان الحيطان». ويشير «السنكري» أبو سالم شحرور إلى أن هذه المهنة لا تزال ضرورية لأن الوضع الاقتصادي، خصوصاً لدى الطبقة المعدمة، لا يسمح بالشراء من المحال التي تبيع الأدوات الصحية وغيرها من التمديدات وبلاط الرخام، فهذه الحاجات أصبحت تكلفتها مثل ثمن الشقة، وهذا ليس من باب المبالغة، ولا يقدر عليها الاّ سكان القصور و»الفيلات» الفخمة. ويضيف: «كي تنجح في مهنة ما، عليك ان تحبها لتؤمن لك مالاً تعتاش منه. لم يقبل الأولاد بوراثة المهنة وتعلمها، وحسناً فعلوا، لأن الزمن تغيّر، وأي وظيفة ستكون أفضل في هذا العصر العجيب والغريب، والذي يفسد باختراعاته واكتشافاته الأجيال. انظر ماذا فعل «الإنترنت» ومواقع «الفيسبوك» بأولاد هذا الزمن؟ والذين أصبحوا يقضون الساعات الطوال أمام الكمبيوتر.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©