الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إفشاء الأسرار الخاصة يقضي على الأسرة بالضربة القاضية

إفشاء الأسرار الخاصة يقضي على الأسرة بالضربة القاضية
10 سبتمبر 2006 01:18
أزواج يعرّون زوجاتهم أمام أصدقائهم، وزوجات يكشفن ستر أزواجهن أمام الصديقات· ربما يبدو هذا غريباً ومستهجناً لدى الكثيرين ممن يحافظون على أسرهم وعائلاتهم، أولئك الذين يعتبرون الأسرة ''حرمة'' لا ينبغي هتكها، وأمانة لا تجوز خيانتها بأي حال من الأحوال، لكن هذا لا ينفي وجود فئة من الرجال والنساء، الأزواج والزوجات، ممن يكشفون خصوصيات حياتهم الزوجية، ويزيحون الستار عن ''المستور'' الذي يفترض أن يبقى داخل جدران البيت، بل إن بعضهم لا يجد حرجاً في التحدث عن تفاصيل حياته الزوجية أمام الأصدقاء وفي المجالس والصالونات منتهكاً قدسية الزواج وحرمته، ناسياً أنه بهذا الفعل يوجه للحياة الزوجية والأسرة ضربة قاضية تفصم عرى المودة بينه وبين شريكه وتدمر الأسرة· خوله علي: تظل العلاقة الزوجية قائمة على الثقة والأمانة المتبادلة بين الطرفين، إلى أن يفشي أحدهما ما يدور في داخل الأسرة من أحداث وأمور خاصة، هنا تبدأ المشكلة الحقيقية ويقع المحظور، لأنه يكون قد خرج عن الحدود المسموح بها وتجاوز الخطوط الحمراء، فمثل هذا السلوك كفيل بأن يزعزع كيان الأسرة ويدمرها· حقيقة مرة تروي لنا السيدة م· أ· حكايتها قائلة: ''كنت بمثابة الحصن الذي يأوي إليه بكل ما يعكر صفوه وتختلج به نفسه من ألم وحزن، والستار الذي يحميه من أعين الفضوليين، والقلب الذي يعيد إليه ثقته بنفسه ويجعله أكثر قوة على تحمل التيارات الخارجية· كانت أسرتي محاطة بسور قوي من الثقة والأمانة والاحترام المتبادل، لكن كل تلك المفاهيم السامية ذهبت أدراج الرياح، عندما وجدت نفسي أمام حقيقة مرة: ''زوجي يعريني أمام أصدقائه''، حيث تتلاطم الضحكات وتدوي القهقهات بين جدران تلك الجلسة المشؤومة التي أصبحت فيها وجبة لذيذة تلوكها الألسنة· تملكني الغضب، وأحسست أن قدميَ لا تقويان على حملي من هول الفاجعة، وشعرت أنني بعثرت أجمل لحظات حياتي مع هذا الزوج الذي خان الأمانة''· هتك المستور ويبدو الألم واضحاً في صوت ''نادية· م'' وعلى قسمات وجهها وهي تعترف بأنها واحدة من اللاتي تعرضن لهذه التجربة القاسية: ''أنا واحدة من اللاتي ''هتك عرضهن'' بلسان الزوج، فقد بعثر زوجي بلسانه أدق تفاصيل حياتي ضارباً عرض الحائط بقدسية الزواج وما ينطوي عليه من التزامات وحقوق· وما أكثر ما يضعني في مواقف محرجة أمام أقاربه عندما يحكي عن كل ما يبدر مني من قول أو فعل، فأوبخه وألومه ولكن بلا جدوى، فهو سرعان ما يعاود الكرّة و''تعود حليمة إلى عادتها القديمة''· حقاً، إن هذا أمر يدعو للحزن، فمن أصعب الأمور وأقساها على النفس أن تجد شريك حياتك عدواً يتلذذ في إهانتك وكشف أسرارك''· أمر مشين وتتساءل أم علي قائلة: ''إذا كان المرء يستصعب أن تمس سمعته بسوء من قبل بعض الزملاء أو الأصدقاء والأطراف البعيدة، فكيف يكون وقع الأمر عليه عندما تأتيه الضربة من أقرب شخص في حياته سواء كان الزوج أو الزوجة؟!؟ لا شك في أن الحديث حول بعض العلاقات الزوجية وما يدور في محيط الأسرة أمر مشين، وخصوصاً إذا كان مصدر الحديث هو الرجل الذي يقوم بهتك عرضه أمام أصدقائه· ومما يدعو للأسف أن عدد هؤلاء الأزواج الذين ينتهجون هذا النهج الخاطئ ليس قليلاً، بل ويرون أن المسألة عادية جداً، وأن لا مبرر لانزعاج الطرف الآخر وهي الزوجة التي لا حول لها ولا قوة''· غياب الثقافة الأسرية وتتفق ابتسام الحداد مع الآراء السابقة، وتؤكد أن ''إفشاء أسرار الحياة الزوجية سبب جوهري يهدد الثقة والأمان في العلاقة الزوجية، فالزوجة التي تحترم زوجها هي التي تصون أسرار بيتها''· وتبدي استغرابها الشديد من بعض النساء اللاتي يفشين أسرار علاقتهن الجنسية للعاملات في صالونات التجميل! وترى أن ''هناك بعض الأسرار التي يمكن لأحد الزوجين البوح بها طلباً للمصلحة ولعلاج مشكلة ما، كأن يتحدث مع شخص مختص وذي ثقة حول مشكلة معينة يعانيها بهدف الحصول على النصح والإرشاد والتوصل إلى حل للمشكلة التي يعاني منها في علاقته الزوجية· وتعزو ابتسام السبب في هذا السلوك إلى انعدام الثقافة الأسرية، وهي ثقافة ذات جوانب متعددة ومتشعبة تشمل أدق التفاصيل الحياتية، كالثقافة الجنسية، والثقافة الحوارية السليمة بين أفراد الأسرة، والثقافة السلوكية من حيث معرفة الحقوق والواجبات''· ولا تختلف آراء الرجال في هذه القضية عن آراء النساء، فها هو عبد الكريم كتانه يعتبر أن ''إفشاء الأسرار الزوجية التي تمس احد الشريكين أقصر السبل إلى الطلاق، سواء بدر هذا الأمر من الزوج أو الزوجة، فجهل أحد الزوجين بأهمية حفظ وصون ما يدور بينه وبين شريكه، قد يعقد المسائل ويؤدي إلى تفاقم المشكلات بينهما، خاصة حين يقحم الآخرين في الحديث ويجري تناقل هذه الأسرار، فيسبب الحرج لشريكه، وهنا تتزعزع مكانة الطرف الآخر في نفس الشريك وتكون العواقب وخيمة''· المطلوب إذن هو إيجاد التوعية الثقافية حول مجمل هذه الحالات، وتقديم النصح والمشورة للزوجين حول كيفية التعامل مع هذه المواقف وعلاجها حتى لا تتفاقم، وإرشادهما إلى حقوق وواجبات كل منهما، والحدود الواجب عدم تخطيها· الوازع الديني وينضم عماد السعدي إلى كتانة فيما ذهب إليه، مؤكداً أهمية توفر السرية للعلاقة الزوجية، والسعي من قبل الزوجين لجعل عش الزوجية كأنه روضة من رياض الجنة· ويضيف: ''هناك بعض القواعد والأسس التي تعزز صمود الأسرة في مواجهة التحديات منها: وجود الوازع الديني وإلمام كل من الزوجين بحقوقه وواجباته، والحرص على تجديد الحياة الزوجية والابتعاد عن الروتين''· ويشدد السعدي على أن السرية تلعب دوراً هاماً في صون دعائم الأسرة، وعليه، ينبغي أن يحرصا أشد الحرص على سرية أمرهما إذا حدث خلاف، فلا يشعرا باختلافهما أحداً، وأن يتحليا بالصراحة التامة في معالجة مشكلاتهما فالصراحة هي طريق السعادة· وللإعلام دور وتوضح الأخصائية الاجتماعية خديجة عبد الوهاب، ''ان التفاهم والمودة والثقة هي أساس استقرار الحياة الزوجية، وقيام أسرة مترابطة متلاحمة قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء، لكن الأمر يختلف من أسرة إلى أخرى، فهناك من يتحكم بزمام الأمور بحكمة ودراية، وهناك من يتعثر عند أول هزة يتعرض لها نتيجة الجهل بأبسط الواجبات التي يجب أن تقوم عليها الأسرة· فكل أسرة، تطوق نفسها بطوق من السرية التامة يحميها من سمع الفضوليين وعيونهم، ولكن عندما يكسر هذا الطوق من الداخل تحدث المشكلة الحقيقية بين الزوجين، وتصاب العلاقة بينهما بشرخ عميق، ويبرز التصدع في كيان الأسرة واستقرارها، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في بث برامج توعوية إرشادية حول نمط العلاقات الزوجية الاجتماعية السليمة لمواجهة كل ما يعرقل الحياة الأسرية ومعالجة إخفاقاتها بكل يسر وسهولة وإعادة وتيرة الحياة إلى سابق عهدها''· موضوع مسكوت عنه وفي حديثها تضع مروة كريدية (باحثة متخصصة في الاجتماع والأنثروبولوجيا) يدها على جرح غائر يتعلق بهذه القضية وغيرها من القضايا الاجتماعية، وهو ''أن البحث في الموضوعات الاجتماعية بشكل عام والزوجية بشكل خاص من الأمور الحساسة جداً وخصوصاً في المجتمعات العربية، لأن تحليل القضايا الأسرية ووضع الأصبع على الجرح الاجتماعي أمر محرم أو مسكوت عنه، وغالباً ما يحجم الكثير من العلماء والباحثين عن الخوض في الأسباب التي تقف وراء انهيار الأسر، وعملية الثرثرة وإفشاء الأسرار الحميمة بين الزوجين هو سلوك مجتمعي ليس إلا، ويختلف باختلاف المجتمعات والحضارات، لذلك فإن التحدث في هذه الموضوعات يتنوع بتنوع الثقافات والحضارات ويختلف باختلاف التربية الأسرية لأنها أيضاً مفاهيم نسبية تختلف باختلاف رؤية المجتمع لها، فما يراه البعض سراً، لا يراه البعض الآخر كذلك، والملاحظ أننا نجد من يفشي أسراره الزوجية الخاصة لأصدقائه من قبيل الاستعراض والمفاخرة بالرجولة، لكنه يحجم عن عرض مشكلته الزوجية الحقيقية حتى أمام مختص أو معالج نفسي، حال تعرضه لأزمة في علاقته الزوجية، بل ويفضل أن يبقي هذا الأمر طي الكتمان، مما يؤدي إلى جرح نفسي عميق لا يندمل في معظم الأحيان، ويسبب اضطراباً في الشخصية''· والحل -كما تراه كريدية- ''يكمن في التربية والبيئة المجتمعية، فينبغي على مؤسساتنا التربوية بما فيها الأسرة والمدرسة أن تتضمن في منهاجها محورين: الأول هو التربية الجنسية والتثقيف الجنسي، والثاني يتعلق بالتثقيف الأسري والعلاقات الاجتماعية، أي ما ينبغي أن نطلع الآخرين عليه وما لا ينبغي، وحدود العلاقات الاجتماعية واحترام الخصوصيات والحرية الشخصية والفردية''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©