الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيها القارئ اللصّ

أيها القارئ اللصّ
14 فبراير 2008 00:08
علي بابا لصٌّ بالتمام والكلّية· ولا يمكن أن يخرج من دائرة اللصوص والسرّاق كيفما قلّبنا حكايته· صحيح أنه سرق كنز اللصوص وأموالهم الحرام· لكن سارق اللصّ يظلّ لصّا· فالكنز الذي سطا عليه كنز تعاون على جمعه أربعون سارقا لا يتورّعون من خطف أرواح بني البشر· إنه كنز محاط بالويلات والشرور والآثام والجريمة· كان علي بابا على وعي وهو في المغارة يتأمّل غنيمته أنه في حضرة كنز مسيّج بالدم والدموع· لكنه لم يردّ الكنز إلى أصحابه الحقيقيين ولم يبحث عنهم· لم يتبادر إلى ذهنه أصلا أن ذلك الكنز ملطّخ بالدم والعذاب ودموع الآخرين· صحيح أن من يسرق سارقا يمكن أن ينعت بالذكاء والبراعة، وصحيح أيضا أن السطو على السارق صنيع يمكن أن يُستطرف· لكنّ القائم به يظلّ، مع ذلك، متنزّلا في دائرة اللصوص والسرّاق· إن علي بابا قد أصبح مورّطا مع اللصوص في اللحظة التي امتدّت فيها يده ليغنم ما تيسّر من تلك الثروة الحرام· لكن الراوي ينجح في التلاعب بالمتلقي ويصرف اهتمامه عن الجانب الأخلاقي· تتجلّى ألاعيبه هذه في كيفيّات بناء حبكة الحكاية، وقدرته على التعجيب وتوظيف الغريب والمدهش، والانتقال مما هو واقعي ممكن الحدوث (وجود الكنز في مغارة) إلى المحال (مشهد الحجر الذي يلبّي النداء ويسمع كلمة السرّ)، وتعمّده توظيف قانون الإضحاك (مشهد اللصوص في الأواني الفخاريّة ومكر علي بابا وزوجته بهم)، وإجراء الأحداث وفق نسق جعل المتلقّي يخشى على بطل الحكاية من الموت· فلقد كان علي بابا مهدّدا طيلة الحكاية بالهلاك على أيدي اللصوص· لقد حرص الراوي على جعله محبّبا إلى النفس، فصار يجسّد الطيبة والبساطة والخير في مواجهة قدر لم يختره· هكذا ينجح الراوي في خلق نوع من التماهي بين علي بابا والمتلقي· فإذا كان المتلقّي لا يمكن أن يرى في اللصوص القتلة جمّاعة الكنز الحرام صنوه وشبيهه، فإنه سيجد في شخصية علي بابا الإنسان العادي البسيط الطيّب، الصنوَ والشبيهَ ويتماهى معه ويعجب بفعاله وصنائعه· فالراوي يلحّ على أن علي بابا من عامة الناس الطيبين البسطاء الذين لا يتمنّون في الدنيا غير الحصول على خبز يومهم وكفافهم· بل الراجح أن هذا المتلقي المفترض سيتمنّى أن يلقى المصير نفسه، فتبدّل الأقدار فقره غنى ووفرة، وضيق حاله يسرا وبركة؛ وبذلك يزداد إعجابا بشخصية سارق اللصوص وتماهيا معه· خطوةٌ،،، خطوةٌ أخرى فقط،، وإذا القارئ لصّ· هكذا شهد علي بابا وفعله نوعا من التّطهير· كفّ عن كونه لصّا· وكفّ سطوه على الكنز الحرام عن كونه سرقة ولصوصيّة· صار بطولة ومجدا· نتج هذا التطهير عن السّرد وما انبنى عليه من تعجيب وإضحاك، ومن محو للمسافات الفاصلة بين الواقعيّ والخياليّ، الممكن والمحال· وتلك ألاعيب الراوي ومكائده ومقدرته على جعل المتلقّي يستسلم لفتنة السّرد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©