الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهويّة الواقعة بين الثقافات

الهويّة الواقعة بين الثقافات
14 فبراير 2008 00:06
نقع في الأحيان الكثيرة في ارتباك خاص عندما نحاول تصنيف النصوص في ثقافة بعينها، ونحار لأننا لا نعرف تحت أي لغة أو ثقافة يمكن تصنيفها، وتدخل ''مذكرات أميرة عربية'' في هذا السياق؛ لأنها تصور هويّة امرأة عربية، لكنها كتبت بالألمانية· وألّفت هذه المذكرات بشكل واضح للقراء الأوروبيين رغم إعلان المؤلفة سالمة بأنها قد كتبت مذكراتها لأطفالها ووافقت مرغمة على نشرها بعد إلحاح من أصدقائها· فسالمة كانت تريد أن تكتب مذكرات خاصة بأطفالها، لكن المتلقي يوجّهها إلى أن تغيّر قصدية التأليف، فتجد نفسها تظهر ما تحاول أن تخفي، وتخفي ما تحاول أن تظهر· والمذكرات هذه تفترض أنواعا مختلفة من القراء تتوجه سالمة لهم، تارة تتوجّه للعرب والمسلمين ثم تنتقل إلى القراء المسيحيين، وأخرى لأطفالها ثم للآخر· وهناك نص آخر يظهر إشكالا خطيرا في تصنيفه، والنص هو سيرة ذاتية لنوبار باشا النوباري، وهو أول رجل دولة مصري في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وقد كتب مذكراته بالفرنسية، لغته في التعليم الثانوي، والنوباري، هو من أصل أرميني، كان يتكلم التركية بطلاقة، وكان يستعمل الفرنسية بوصفها لغة تعليم، لكنه أمضى حياته ووظيفته في مصر منذ أن كان في السابعة عشرة، بوصفه سياسيا مصريا في وزارتي التجارة والشؤون الخارجية· ولقد كان النوباري مثالا آسرا للعضو النخبوي العثماني العالمي· ويمكن الإشارة أيضا هنا إلى نص الخديوي عباس الثاني، آخر من حكم مصر من الخديويات، وكان حكمه من 1892 إلى ·1914 وقد نشرت مذكراته أولا باللغة الفرنسية، لكن تظهر في الصفحات الأولى من النسخة العربية كتابة بخط الخديوي نفسه، ومازالت النسخة العربية تعرض صورة عن كتابة الخديوي هذه مع نصّه كاملا، ويمكن أن يكون النص قد أملي على السكرتير، ولا يعرف إذا ما كان هذا الإملاء باللغة الفرنسية أم العربية· أما مذكرات العبيد العربية في القرن التاسع عشر الميلادي، فهي أيضا تتحدى التصنيف العادي، وقد كتبها أفارقة بأميركا، وكانوا قد استعبدوا قبل الحرب الأهلية بين الولايات المتحدة والهنود الغربيين· ويتحدث هؤلاء بلغات أهلية متفرقة من اللغات الأفريقية الغربية المحلية، علاوة على أنهم يجيدون الإنجليزية، وكانوا أيضا يستعملون العربية بوصفها لغة دينية وأدبية· وقد نتجت هذه المذكرات ـ وهي عبارة عن قصص من الحياة ـ نتيجة ما تعرضوا له من استغلال· إن هؤلاء قد مثّلوا هويتهم بصورة معقّدة ومتنوّعة، وهذا ما يؤدي إلى تمييع أفق التلقي، فيظل المؤلف في صدد قارئ غير معيّن الهويّة، ولذلك فإنها نصوص لا تنتمي إلى هوية تقليدية، إنها واقعة بين الثقافات، ويعجز المتلقي في إيجاد تصنيف نمطي يساعد على تلقيها، فهل تتوجّه إلى الأوروبي أم الأميركي أم العربي أم المسيحي أم المسلم أم التركي أم الأفريقي··· إلخ؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©